في خطوة "غير معتادة" خلال الإغلاق الحكومي، البنتاغون يؤكد قبول التبرع.. وخبراء يحذرون من خرق محتمل لـ"قانون نقص الاعتمادات"
في خطوة وصفت بأنها "غير مسبوقة"، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أنها قبلت هدية مالية بقيمة 130 مليون دولار من جهة مجهولة، للمساعدة في دفع أجور الجنود المتأثرين بالإغلاق الحكومي الجزئي الذي دخل أسبوعه الرابع.
وأشعل الإعلان جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، بعدما كشف الرئيس دونالد ترمب أن المتبرع هو "صديق له"، دون أن يذكر اسمه، قائلا إنه "لا يرغب في الكشف عن هويته احتراما لرغبته الخاصة".
تبرير البنتاغون: "قبول قانوني للهبة"
وأوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع، شون بارنيل، في بيان رسمي صدر مساء الجمعة، أن الوزارة قبلت الهدية بموجب ما يعرف بـ"سلطة قبول الهدايا العامة"، مضيفا أن التبرع "قدم بشروط واضحة تضمن استخدامه فقط لتعويض تكلفة رواتب ومزايا أفراد القوات المسلحة".
وأكد بارنيل أن الوزارة "تعمل ضمن الإطار القانوني الذي يتيح لها قبول هبات مالية أو عينية في ظروف محددة"، مشيرا إلى أن الهدف من التبرع هو "التخفيف من تأثير الأزمة المالية التي أحدثها الإغلاق الحكومي على الجنود وعائلاتهم".
مساهمة محدودة أمام الحاجة الضخمة
ورغم ضخامة المبلغ، اعتبر خبراء أن الهدية لا تشكل سوى جزء ضئيل من إجمالي الحاجة الفعلية للجيش الأمريكي، إذ تقدر مخصصات رواتب ومزايا العسكريين السنوية بنحو 600 مليار دولار وفقا لتقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس لعام 2025.
ويخدم في القوات المسلحة الأمريكية أكثر من 1.3 مليون جندي، ما يجعل المساهمة التي أعلن عنها البنتاغون "رمزية في تأثيرها"، لكنها "مهمة سياسيا" في ظل الأزمة الحالية، بحسب وصف وسائل إعلام أمريكية.
جدل قانوني: هل انتهك "قانون نقص الاعتمادات"؟
أثارت الخطوة جدلا قانونيا واسعا، إذ حذر خبراء من احتمال انتهاك "قانون نقص الاعتمادات" (Antideficiency Act)، الذي يمنع أي وكالة فيدرالية من إنفاق أموال أو قبول موارد تتجاوز ما أقره الكونغرس.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن قبول التبرعات الخاصة لتغطية نفقات حكومية قد يعد "سابقة خطيرة"، مشيرة إلى أن القانون ذاته يحظر أيضا قبول الخدمات التطوعية لتفادي أي تأثير خارجي على القرارات الحكومية.
ويرى محللون أن خطوة البنتاغون قد تتجاوز حدود الاستقلال المالي للوزارة، وقد تستخدم سياسيا في ظل احتدام الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول الإنفاق الدفاعي.
الإغلاق الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الحديثة
ويأتي هذا الجدل في ظل الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة الحديثة، بعد أن تجاوزت مدته الإجمالية 58 يوما خلال ولايتي الرئيس ترمب (36 يوما في الإغلاق الأول، و22 يوما حتى الآن في الإغلاق الحالي)، متخطيا الرقم القياسي الذي سجل في عهد الرئيس جيمي كارتر عام 1980 (56 يوما).
ويعود سبب الإغلاق إلى فشل الجمهوريين والديمقراطيين في تمرير قانون الإنفاق العام للسنة المالية الجديدة، حيث تتهم إدارة ترمب الديمقراطيين بـ"عرقلة بنود أمن الحدود"، فيما يحمل المعارضون الجمهوريين مسؤولية "تعطيل مؤسسات الدولة لأهداف سياسية".
تحذيرات من "نفاد البدائل" ودعوات لتحقيق فوري
وحذر رئيس مجلس النواب مايك جونسون ومسؤولون آخرون في الكونغرس من أن الحلول المؤقتة، مثل استخدام أموال الطوارئ أو البحث والتطوير، "لن تكفي لسداد رواتب العسكريين"، مؤكدين أن الجيش الأمريكي "قد يواجه أزمة دفع خلال أسابيع" إذا لم يتم تمرير مشروع قانون تمويلي مؤقت.
في المقابل، دعا عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي إلى فتح تحقيق رسمي في مصدر الهبة وظروف قبولها، وسط مطالب بالكشف عن هوية المتبرع خشية تضارب المصالح أو التأثير السياسي المباشر على قرارات البنتاغون.
ويبدو أن الأزمة المالية والسياسية في واشنطن مرشحة لمزيد من التصعيد، خصوصا مع دخول الجيش في دائرة الجدل، ما يعكس حجم التوتر غير المسبوق بين المؤسسات الفيدرالية والإدارة الأمريكية الحالية.

0 تعليق