الضفة الغربية – لم يمضِ على الإفراج عن الأسير الفلسطيني مصعب قوزح من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وضمن صفقة التبادل الأخيرة، سوى أسبوع واحد، حتى طرق "مجهولون" أبواب منزله في طولكرم شمالي الضفة الغربية.
ظنّت العائلة أنهم زوار جاؤوا لتهنئته بالحرية، لكنهم فوجئوا بأشخاص "ملثمين" يعرّفون عن أنفسهم بأنهم من الشرطة الفلسطينية، ويطلبون اعتقاله وأخبروا عائلته بأنه "سيعود بعد ساعتين فقط".
لم يكن جسد مصعب قد تعافى بعد من آثار الضربات التي تلقّاها خلال عملية الإفراج، ولم تندمل جروحه وندباته بعد، فيما لا تزال معدته المُجوعة لعام كامل داخل سجون الاحتلال غير قادرة على التكيف مع الطعام.
تقول زوجته إيمان للجزيرة نت "كنا قد عدنا للتو من المركز الطبي لمتابعة وضعه الصحي والبدء بعلاجه مما ألمّ به داخل السجون، فمصعب لا يزال يعاني من تقرحات وفطريات ناجمة عن إصابته بمرض السكابيوس (الجرب) خلال اعتقاله". وقالت إنها قلقة جدا على صحة زوجها بعد اعتقاله لدى جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة الفلسطينية في طولكرم.
فرحة منقوصة
تصف إيمان فرحة الإفراج عن زوجها بأنها "حرية لم تكتمل"، إذ تحوّلت بسرعة إلى قلق وخوف جديد، الأمر الذي انعكس على جميع أفراد العائلة، وخاصة أطفالها الأربعة.
وتقول "الأطفال تأثروا بشدة، كانوا في حالة ذهول وصدمة، إذ كانوا ينتظرون والدهم منذ عام، ولم يُشبعوا شوقهم إليه بعد، فاصطحبتهم في اليوم التالي معي لمركز التوقيف، على أمل رؤيته أو معرفة مصيره".
وكان مصعب قد عاد لعمله مدرسا لمادة الفيزياء في مدارس طولكرم الحكومية، لكنه أصبح مهددا بالفصل من عمله بعد اعتقاله، إذا طالت فترة اعتقاله أكثر من 14 يوما. كما أن توقيفه جاء في وقت كانت العائلة تحاول فيه التكيف مع مرحلة ما بعد السجن وإعادة بناء حياتها.
إعلان
وفي ظروف مشابهة، تجد عائلة الأسير المحرر ثامر سباعنة من بلدة قباطية في جنين شمال الضفة الغربية، نفسها مجددا في دوامة القلق والانتظار، حيث أعيد اعتقاله في سجون السلطة الفلسطينية بعد أقل من عام على تحرره من سجون الاحتلال حيث قضى 16 شهرا رهن الاعتقال الإداري (بلا تهمة).
وتصف زوجته فاطمة سباعنة للجزيرة نت، ما يجري بأنه "استنزاف للعائلة" و"ظلم مضاعف"، مشيرة إلى أنها رفضت توكيل محام جديد بعد تجارب سابقة في المحاكم الفلسطينية، تقول إنها "تُبقي الموقوفين، رغم القرارات القانونية بالإفراج عنهم".
ووفق ما أفادت به فاطمة، فإن السلطة الفلسطينية وجهت له تهمة "حيازة سلاح"، لكن المحامي الذي بادر بنفسه وتمكن من زيارته أكد أن ثامر "لم يُسأل أي سؤال منذ 6 أيام، ولم يُعرض على أية جهة قضائية حتى الآن".
احتجاز تعسفي
من جانبها، تحدثت محامية -فضلت حجب اسمها- وهي مطلعة على قضية مصعب قوزح وعدد من القضايا المماثلة، عن تصاعد ظاهرة الاعتقال السياسي في الضفة الغربية، مشيرة إلى أن معظم الحالات يُمدّد توقيفها لـ15 يوما قابلة للتجديد، "ما يجعلها أداة لإطالة الاحتجاز دون مبرر قانوني واضح" حسب قولها.
وتضيف في حديثها للجزيرة نت أن العديد من هذه الحالات عُرضت أمام المحكمة الإدارية، التي اعتبرت كثيرا من قراراتها لتوقيف المعتقلين "احتجازا تعسفيا وغير مشروع".
وتؤكد المحامية أن اعتقال شخص لم يمض على الإفراج عنه من سجون الاحتلال سوى أيام يُعد "انتهاكا واضحا للقانون الأساسي الفلسطيني، الذي ينص على منع التوقيف أو الاحتجاز إلا في حال ارتكاب جريمة محددة ومثبتة قانونيا"، معتبرة أن ما يحدث يشكل مخالفة دستورية وانتهاكا صارخا لحقوق الإنسان.
كما تشير إلى أن الانتهاكات المرافقة لعمليات التوقيف تشمل أحيانا سوء المعاملة، والإهمال الطبي، أو تأخير تقديم العلاج، رغم أن بعض الموقوفين يعانون من أوضاع صحية صعبة.
وشددت المحامية على أن هذه الممارسات تتناقض مع التزامات السلطة الفلسطينية الدولية بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب وسوء المعاملة، مضيفة أن عدم تنفيذ بعض قرارات المحاكم الصادرة بالإفراج عن الموقوفين يمثل أيضا انتهاكا مضاعفا للقانون وللسلطة القضائية نفسها.
استهداف المحررين
تقول لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة الغربية للجزيرة نت، إن الأشهر الأخيرة شهدت تصاعدا في الاعتقال السياسي، حيث كثّفت الأجهزة الأمنية حملاتها في مختلف المحافظات، خاصة جنين وطوباس وطولكرم وتلتها نابلس، مستهدفة أسرى محررين وطلبة ونشطاء.
وأكدت اللجنة أن معظم الاعتقالات تتم دون أوامر قضائية، وأن الأجهزة الأمنية تحتجز أسرى محررين وآخرين مطاردين من الاحتلال الإسرائيلي، رغم صدور قرارات قضائية بالإفراج عنهم، في مخالفة صريحة لسيادة القانون وحقوق الإنسان.
وأشارت اللجنة إلى تزايد استهداف الأسرى المحررين مؤخرا، وبينهم من لم يمض على الإفراج عنه من سجون الاحتلال سوى أيام، مثل مصعب قوزح من طولكرم، موضحة أن التهم الموجهة لهم ذات طابع سياسي أو تنظيمي، مثل "إثارة النعرات الطائفية" أو "الانتماء لتنظيم محظور"، و"تُستخدم كغطاء لتبرير الاعتقالات السياسية" بحسب اللجنة.
إعلان
وبيّنت اللجنة أن الدوافع الحقيقية ترتبط بالنشاط الوطني، أو التعبير عن الرأي، أو المشاركة في فعاليات تضامنية، مشيرة إلى أن بعض الاعتقالات تمت مباشرة بعد الإفراج من سجون الاحتلال أو بعد فعاليات وطنية.
ووفق إحصاءات اللجنة الأخيرة، فإن عدد المعتقلين السياسيين في السجون الفلسطينية يتجاوز 160 معتقلا، بينهم أسرى محررون مضى على اعتقال بعضهم أكثر من عام، رغم قرارات الإفراج الصادرة بحقهم.
كما وثّقت اللجنة حالات تعذيب وسوء معاملة، وانتشار مرض الجرب (السكابيوس) داخل السجون، نتيجة سوء النظافة وحرمان الأهالي من الزيارة.
" frameborder="0">
فرض النظام
ومن وجهة نظر الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فإن عمليات التوقيف التي تُنفّذ في الضفة الغربية تهدف إلى "فرض النظام وحماية الأمن العام"، وليست ذات صلة بالانتماء السياسي أو النشاط الوطني.
وسبق أن أكد الناطق باسم أجهزة الأمن الفلسطينية العميد أنور رجب، في تصريحات صحفية، أن "الأجهزة الأمنية ستواصل العمل وبكل قوتها لفرض النظام والقضاء على الفوضى وحماية أمن شعبنا، مهما كلف الأمر".
وشدد على أن "الإجراءات تُنفّذ وفق القانون، وبما يضمن ملاحقة الخارجين على القانون، ومن يشكلون خطرا على السلم الأهلي"، مع التأكيد على أن "المواطنين لهم الحق في اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة في حال وجود أية شكوى أو اعتراض على التوقيف".

0 تعليق