بينما كان المراسلون الفلسطينيون يواجهون جحيم الحرب في غزة، بين قتيل وجريح ومصاب، كانت إسرائيل تغلق أبواب القطاع أمام الصحفيين الغربيين خشية أن تكشف عدساتهم حقيقة ما ارتكبته من فظائع.
وما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى سارع عدد من الصحفيين الغربيين إلى مطالبة إسرائيل بالسماح لدخول قطاع غزة لرصد حجم الكارثة الإنسانية التي خلفها العدوان بعد توقف آلة الاحتلال الحربية، غير أن هذا التوجه يشكل تهديدا للسردية الإسرائيلية التي كثفت جهودها في وسائل الإعلام الغربية لترويج روايتها المضللة على مدار عامين.
حيث كشفت الحرب الإسرائيلية على غزة عن انعدام الاستقلالية في الصحافة الغربية، إذ وجدت كبرى مؤسسات الإعلام الغربي نفسها في حرج مهني وأخلاقي أمام جماهيرها بعد انكشاف حقيقة المعاناة الإنسانية في القطاع وفضح مزاعم السردية الإسرائيلية حول الحرب، خاصة بعد العزلة السياسية التي لحقت بإسرائيل.
ورصدت حلقة (2025/10/27) من برنامج "المرصد" تحولا في خطاب بعض الشبكات الإعلامية وعدد من الصحفيين الغربيين، الذين انتقلوا من تبني رواية الاحتلال الإسرائيلي إلى التشكيك فيها، بعد أن تبين لهم زيفها وانحرافها عن ضوابط المهنة وحياديتها.
وقد تركت المشاهد التي نقلها إعلاميون وناشطون فلسطينون و وثقت سياسة التجويع الممنهجة في غزة ومعاناة الأطفال الصحية والغذائية أثرا بالغا على الوعي الغربي، ما أدى إلى خروج مظاهرات واسعة في مدن أوروبية وأميركية عديدة تطالب بوقف الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.
وفي المقابل، وجدت المؤسسات الإعلامية الغربية نفسها أمام مأزق مهني يتناقض مع الأجندات السياسية التي تمليها مصالح إسرائيل في الغرب، وهو ما دفع عددا من الشبكات الكبرى إلى تعديل تغطيتها وتصويب لهجتها التحريرية، وإعادة النظر في ممارسات صحفية انحرفت عن قيم المهنة وأخلاقياتها.
وبحسب تقرير لموقع "ديكلاسيفايد" المتخصص في تحليل البيانات الإعلامية، ارتفعت كمية الأخبار الغربية المتعلقة بغزة بنسبة 50% منذ مايو/أيار الماضي، كما ارتفعت نسبة القصص التي تشير إلى الإبادة في غزة بنسبة 138% بعد فترة طويلة من التردد في استخدام مصطلح "إبادة جماعية".
إعلان
ففي قناة "بي بي سي وورلد" ازدادت الإشارة إلى "الإبادة الجماعية" بنسبة 193%، مقابل 181% في "بي بي سي نيوز"، في حين تضاعفت النسبة في صحيفة الغارديان البريطانية.
تبدل في المواقف
أما على صعيد الشخصيات الغربية البارزة، فقد برز الإعلامي البريطاني بيرس مورغان بين أولئك الذين غيروا مواقفهم المناصرة لإسرائيل. فبعد أن كان من أبرز من استخدمتهم تل أبيب في حملاتها الدعائية لتلميع صورتها، وكان يوجه لضيوفه سؤالا ثابتا هو: "هل تدين حماس؟"، عاد مورغان ليعلن في برنامجه أن ما يحدث في غزة هو "تطهير عرقي لشعب كامل وطرده من وطنه".
ولم يكن مورغان الوحيد، إذ انضم إليه عدد كبير من الإعلاميين والرياضيين والمؤثرين والفنانين. فقد اتهم الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون -المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب– إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية في غزة"، فيما دعا مدرب نادي مانشستر سيتي بيب غوارديولا إلى مظاهرات حاشدة في لندن وبرشلونة للمطالبة بوقف الإبادة الجماعية، وذلك قبل أسبوع من إعلان خطة ترامب لوقف إطلاق النار.
واحتفت وسائل الإعلام الغربية بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، مطالبة بالسماح بدخول الصحفيين إلى القطاع بعد أن منعتهم قوات الاحتلال من التغطية الميدانية خلال الحرب.
ولم تقتصر مراجعة المواقف على المؤسسات الإعلامية، بل امتدت إلى المشهدين السياسي والإنساني، إذ بدلت دول أوروبية -بينها فرنسا– مواقفها التقليدية الداعمة لإسرائيل، لتنتقل من الدعم الضمني إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين خلال جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2025.
وأخيرا، صححت المنظمات الإنسانية توصيفها للوضع في غزة، إذ أعلنت الأمم المتحدة رسميا في أغسطس/آب الماضي أن ما يجري في القطاع يمثل "مجاعة حقيقية" وهو سلاح حرب مارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الغزيين.
Published On 27/10/202527/10/2025
|آخر تحديث: 28/10/2025 00:02 (توقيت مكة)آخر تحديث: 28/10/2025 00:02 (توقيت مكة)

0 تعليق