كشف برنامج “للقصة بقية” في حلقة استثنائية أحد أكثر ملفات الاحتلال الإسرائيلي قتامة، عارضا صورا حصرية ووثائق وشهادات توحي بأن انتهاكاته بحق الأسرى لا تقف عند التعذيب والقتل، بل تمتد لسرقة أعضائهم.
تبدأ الحلقة التي حملت عنوان "أسرى غزة.. الموت مرتين" بتحقيق مصوّر يضع المشاهد أمام جثامين أعيدت من معتقلات الاحتلال وقد غُطّيت بخيوط جراحية تمتد من العنق إلى أسفل البطن، في مشهد يصعب على الأطباء تبريره كإجراء تشريحي اعتيادي.
الصور التي وثقها الفريق الطبي في غزة أظهرت آثار استئصال لأعضاء داخلية وأكياسا بلاستيكية داخل الأحشاء، ما أثار شكوكا طبية قوية بأن الأمر يتجاوز الفحص الجنائي إلى عمليات اقتطاع منظمة لأعضاء قابلة للزرع.
اقرأ أيضا
list of 4 items end of listويقول أطباء شاركوا في فحص الجثث إن علامات الخياطة الدقيقة ونظافة الجروح لا يمكن أن تكون ناتجة عن تحلل طبيعي، بل تدل على تدخّل جراحي محترف.
ويؤكدون أن أجساد بعض الأسرى وصلت وهي منزوعة القلب أو الكبد أو القرنية، في حين سُجلت حالات أخرى لجثث أُعيدت بعد أشهر من الاختفاء وقد بدت عليها آثار تبريد وحفظ.
ويعرض التحقيق شهادات لأسرى محررين تحدثوا عن مشاهد مرعبة عاشوها في السجون والمستشفيات الميدانية الإسرائيلية، حيث كان يُنقل بعض المصابين بعد إصابتهم في ساحة القتال أحياء ثم يُفقد أثرهم إلى الأبد.
يقول أحدهم إن إدارة السجن كانت تخبرهم بأن زميلهم استشهد متأثرا بجراحه، لكن أحدا لم يكن يسلّم الجثمان فورا، بل بعد أسابيع وقد تغيرت ملامحه.
من جهته، أوضح أحد الأطباء الفلسطينيين الذين شاركوا في استقبال الجثامين أن الإجراءات الإسرائيلية تحرم الجهات الطبية الفلسطينية من حق الفحص الفوري، إذ تُعاد الجثث ضمن ترتيبات معقّدة بعد فترة طويلة، وهذا يسمح بإخفاء أي دليل على ما جرى داخل مراكز الاحتجاز.
وأضاف أن هذا النمط تكرّر منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة حين اختفى مئات الأسرى في ظروف غامضة.
ملف سري
التحقيق الذي استند إلى وثائق وشهادات متقاطعة، وضع يده أيضا على سياق قانوني وسياسي مكّن الاحتلال من تحويل الأسرى إلى "ملف سري" لا يخضع للرقابة.
إعلان
فقد أقرّت الكنيست تعديلات تسمح باحتجاز "المقاتلين غير الشرعيين" دون محاكمة أو تواصل مع المحامين، الأمر الذي جعل مئات الغزيين في حكم المفقودين داخل المعتقلات، وهذا الإطار القانوني الغامض هو ما سمح بممارسات تتنافى مع اتفاقيات جنيف وميثاق مناهضة التعذيب.
وفي الجزء التحليلي من الحلقة، أكد البروفيسور غسان أبو ستة، رئيس جامعة غلاسكو في إسكتلندا والطبيب الجراح الذي عمل في غزة خلال الحرب، أن ما عُرض في التحقيق ليس مفاجئا لمن تابع سلوك الاحتلال داخل القطاع.
وقال إن جيش الاحتلال تعامل مع الجسد الفلسطيني باعتباره "مسرحا للعقوبة"، بدءا من ترك الجرحى ينزفون حتى الموت وصولا إلى استخدام أجساد الشهداء كمصدر لأعضاء بشرية.
وأضاف أن إسرائيل، منذ عقود، تواجه اتهامات مشابهة لم تُجرَ فيها أي تحقيقات مستقلة، ما جعلها تواصل ممارساتها بثقة الإفلات من العقاب.
ويرى أبو ستة أن السرّية التي تفرضها المؤسسة العسكرية على أماكن الاحتجاز ونقل الجثث تشير إلى نية إخفاء أدلة، وأن ما كشفه التحقيق يمثل فرصة نادرة لإعادة فتح ملف طالما تم تجاهله.
وأشار إلى أن الاحتلال لا يسلّم الجثامين فورا بل يحتفظ بها في ما يُعرف بـ"مقابر الأرقام"، وهو ما يتيح له السيطرة الكاملة على مصير الجسد.
أما البروفيسور جون كويغلي، أستاذ القانون الدولي بجامعة أوهايو في كولومبوس، فاعتبر أن ما أُثير في الحلقة يرقى إلى جرائم حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
جريمة مزدوجة
وقال إن أي تشريح لجثث الأسرى دون موافقة ذويهم يُعد عملا مخالفا لاتفاقيات جنيف، وإن سرقة الأعضاء -إن ثبتت- تمثل جريمة مزدوجة تمسّ الكرامة الإنسانية والحق في الجسد.
وأضاف أن القانون الدولي يلزم إسرائيل بإجراء تحقيق مستقل وشفاف تحت إشراف دولي، غير أن الواقع يُظهر انعدام الإرادة السياسية داخل المنظومة الإسرائيلية لأي محاسبة جدية.
وأكد كويغلي أن ما ورد في التحقيق يتقاطع مع تقارير سابقة لمنظمات حقوقية دولية تحدثت عن اختفاء قسري لأسرى فلسطينيين منذ اندلاع الحرب، لافتا إلى أن استمرار الصمت الدولي يشجع إسرائيل على التمادي في الانتهاكات.
وأوضح أن مجلس الأمن يمتلك صلاحية إحالة هذه القضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن غياب الإرادة لدى الدول الكبرى يحول دون ذلك.
من جانبها، روت أمل العطار، ابنة أحد الأسرى الشهداء الذين يشتبه بسرقة أعضائهم، كيف تسلّمت جثمان والدها بعد أسابيع من اعتقاله وقد بدا مختلفا تماما، وقالت "لم يكن وجهه كما عرفناه، وكان صدره وبطنه مخيطين بخيوط طويلة".
وأكدت أنها طالبت بتشريح الجثة داخل غزة لكن السلطات الإسرائيلية رفضت تسليم تقرير الوفاة أو أي وثائق طبية، ما عمّق الشكوك لدى العائلة بأنهم أمام جريمة مكتملة الأركان.
وتصف العطار تلك اللحظة بأنها "موت مرتين"، مرة حين يُقتل الأسير تحت التعذيب، ومرة حين يُنتهك جسده بعد موته، وأضافت أن العائلات باتت تخشى تسلّم الجثامين لما تحمله من علامات صادمة، مطالبة المجتمع الدولي ببعثة تحقيق دولية تضع حدا لهذا الملف الذي تم طمسه طويلا.
إعلان
ويختتم البرنامج حلقته بدعوة إلى فتح تحقيق دولي مستقل تشرف عليه لجان طبية وحقوقية، مؤكدا أن استمرار إغلاق هذا الملف يعني تكريس "ثقافة الإفلات من العقاب" التي لطالما شكلت مظلة لجرائم الاحتلال.
Published On 4/11/20254/11/2025
|آخر تحديث: 00:55 (توقيت مكة)آخر تحديث: 00:55 (توقيت مكة)

0 تعليق