القدس المحتلة- أقرت لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي، بالقراءة التمهيدية، مشروع قانون يتيح تنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين ومن تصفهم تل أبيب بـ"الإرهابيين"، في خطوة أثارت موجة من الجدل السياسي والحقوقي داخل إسرائيل وخارجها.
وجرى تحويل مشروع القانون الذي قدمته النائبة عن حزب "عظمة يهودية"، ليمور سون هار ميلاخ، إلى الهيئة العامة للكنيست تمهيدا لمناقشته والتصويت عليه في القراءات الثلاث اللازمة ليصبح نافذا، وفق الإجراءات التشريعية المتبعة.
وعقب التصويت، شكر وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، على دعمه المشروع، معتبرا أنه "حلم تحقق"، ومؤكدا أن جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) لن يمتلك صلاحية تقديرية في تطبيق القانون.
ما مضمون القانون؟
وكانت مناقشة القانون قد أُجلت في سبتمبر/أيلول الماضي، بطلب من منسق شؤون الأسرى غال هيرش، تحسبا لرد فصائل المقاومة الفلسطينية بإعدام أسرى إسرائيليين في حال إقراره.
ووفقا للمذكرة التفسيرية المرفقة بالمشروع، فإن من يدان بقتل إسرائيلي بدافع قومي سيحكم عليه بالإعدام إلزاما دون تقدير قضائي، على أن ينفذ الحكم بأغلبية آراء القضاة دون إمكانية لتخفيف العقوبة بعد صدور الحكم النهائي.
ويأتي هذا التطور وسط تصاعد الجدل داخل الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل بشأن جدوى القانون وتداعياته الميدانية، إذ حذر مسؤولون وخبراء من أن إقراره قد يفاقم التوتر ويشعل موجة جديدة من التصعيد في الأراضي الفلسطينية.
"هكذا نعاملهم، وبقي علينا فقط إعدامهم"
هذا ما قاله بن غفير في فيديو يظهر الأسرى الفلسطينيين مكبلين على الأرض.
بن غفير يستخدم الأسرى الآن كوسيلة دعاية انتخابية لمجتمع مريض يعشق هذا النوع من الاستعراض . pic.twitter.com/VgqMui4JXQ— Tamer | تامر (@tamerqdh) October 31, 2025
ما موقف حكومة نتنياهو من قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين؟
رحبت حكومة نتنياهو بمصادقة لجنة الأمن القومي على مشروع القانون. وخلال الجلسة، قال منسق شؤون الأسرى والمفقودين في مكتب رئيس الحكومة، غال هيرش، إن نتنياهو يدعم القانون الجديد، موضحا أنه كان قد عارض مناقشته سابقا خشية أن يعرّض حياة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للخطر أثناء مفاوضات التبادل.
إعلان
وأضاف هيرش أن "الظروف تغيرت"، وأن إسرائيل "ضيقت الخناق العسكري والسياسي على حماس"، مؤكدا أن رئيس الوزراء يؤيد منح منسق شؤون الأسرى صلاحية تقديم تقرير سري للمحكمة لطلب تعديل الأحكام في بعض الحالات.
لكن بن غفير رفض هذا المقترح بشدة، قائلا إن "كل من يقتل الأطفال والنساء والمسنين يجب أن يواجه عقوبة واحدة فقط هي الإعدام"، مؤكدا أن حزبه (عظمة يهودية) لن يقبل بأي استثناءات في تطبيق القانون.
وعقب المصادقة على القانون بالقراءة التمهيدية، أكد بن غفير، في تغريدة عبر منصة "إكس"، دعمه الكامل له، مشيرا إلى أنه لا ينبغي للمحكمة أن تملك أي صلاحية تقديرية في تطبيق العقوبة، قائلا "كل من يقدم على القتل سيحكم عليه بالإعدام فقط".
وأعرب عن شكره لنتنياهو على دعمه لمشروع القانون، وكان بن غفير قد هدد في اجتماع كتلة حزبه يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بأنه في حال لم يطرح القانون خلال 3 أسابيع، فإن حزبه سيتوقف عن دعم مشاريع قوانين الائتلاف الحاكم، إلى أن يدرج القانون على جدول أعمال الكنيست.
وأشار إلى أن الاتفاق الائتلافي بين حزبه والليكود ينص صراحة على سن قانون الإعدام خلال الولاية الحالية، متهما حزب نتنياهو بالتلكؤ في تمريره قبل الحرب على غزة. ويأتي هذا التصعيد التشريعي بينما يواصل بن غفير حملاته ضد الأسرى الفلسطينيين، من خلال اقتحام السجون والتضييق عليهم وتهديدهم بتنفيذ عقوبة الإعدام.
أثار جدلًا واسعًا وتحذيرات من خطورته.. لجنة الأمن القومي في الكنيست تصادق على مشروع قانون لإعدام الأسرى الفلسطينيين، فما أبرز ما يتضمنه القانون؟#الجزيرة_ألبوم pic.twitter.com/HD0yPKUcRr
— قناة الجزيرة (@AJArabic) November 3, 2025
كيف قرأ الإسرائيليون قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين؟
انتقدت صحيفة "هآرتس" في افتتاحيتها مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين، معتبرة أنه "عنصري ومخز"، وسيشكل "وصمة عار لا تمحى" في تاريخ إسرائيل إذا تم إقراره نهائيا. وقالت إن عقوبة الإعدام تتعارض مع قيم الديمقراطيات الحديثة، إذ ألغتها معظم الدول الغربية لعدم ثبوت فعاليتها في الردع، ولأنها تنطوي على مخاطر لا يمكن تصحيحها في حال وقوع أخطاء قضائية.
وأضافت أن مشروع القانون المقترح يتجاوز كل الحدود لأنه يفرض الإعدام كعقوبة إلزامية بلا صلاحية تقديرية للقضاة، وهو أمر "غير مسبوق حتى في الولايات المتحدة أو في قوانين محاكمة النازيين في إسرائيل". وأشارت إلى أنه يحمل طابعا تمييزيا، إذ يطبّق على من يتهم بقتل "بدافع قومي أو بهدف المساس بدولة إسرائيل وبعث الشعب اليهودي"، ما يعني أنه "موجه ضد العرب وحدهم، بينما لا يشمل الإرهابيين اليهود".
وحذرت الصحيفة من أن سن مثل هذا القانون سيلحق ضررا فادحا بصورة إسرائيل الدولية، ويؤكد أنها تسير في مسار تشريعي عنصري يخالف القانون الدولي الإنساني، خصوصا إذا طُبق في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وختمت افتتاحيتها بالقول إن إسرائيل، رغم ما تعرضت له في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يجب أن تتمسك بقيم الكرامة الإنسانية والعدالة والمساواة، لأن سن قانون كهذا "سيقوض ما تبقى من الأفضلية الأخلاقية التي تدعيها".
كيف علّق الفلسطينيون على مشروع القانون الإسرائيلي؟
في الجانب الفلسطيني، قوبل القانون بانتقادات حادة من فصائل المقاومة، ونادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى والمحررين، الذين اعتبروه تصعيدا خطيرا وانتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني، مشيرين إلى أن إقراره يمثل جريمة حرب جديدة تضاف إلى سجل الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والأسرى في سجون الاحتلال.
إعلان
وأكد نادي الأسير الفلسطيني أن مساعي الكنيست لإقرار القانون تمثل محاولة لشرعنة جريمة تنفذها إسرائيل منذ سنوات عبر الإعدامات الميدانية والإهمال الطبي المتعمد.
وأوضح -في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أن الاحتلال مارس سياسات إعدام بطيء بحق مئات الأسرى، تصاعدت منذ بدء حرب الإبادة، حيث استشهد 81 أسيرا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينهم معتقلون من غزة أُعدموا وأُخفي بعضهم قسرا.
ووفقا له، يأتي المشروع في سياق "تصاعد الفاشية" داخل إسرائيل، ومحاولة تحويل السجون إلى ميادين قتل ممنهج، في خرق واضح للقانون الدولي الذي حظر عقوبة الإعدام. ولفت إلى أن القانون القائم يعود إلى عهد الانتداب البريطاني، لكنه وجد دعما غير مسبوق من حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو وبن غفير، مؤكدا أن إقراره سيشكل جريمة حرب جديدة بحق الأسرى الفلسطينيين.
وشدد نادي الأسير على أن تقدم مشروع القانون إلى مرحلة القراءة الأولى في الكنيست لم يكن مفاجئا، في ظل "حالة التوحش غير المسبوقة" التي تمارسها منظومة الاحتلال، والتي تمعن في سياسة الإبادة الجماعية، وتحوّل السجون إلى ساحات قتل ممنهج ضمن حرب الإبادة المستمرة من غزة إلى بقية الأراضي الفلسطينية.
وأشار إلى أن القانون الدولي ألغى عقوبة الإعدام في عدة معاهدات دولية، "إلا أن إصرار إسرائيل على تقنين هذه الجريمة يكشف تعاملها كدولة فوق القانون، مستفيدة من تواطؤ المجتمع الدولي وصمته على جرائمها".
ولفت إلى أن مشروع القانون ليس وليد اللحظة، بل كان موجودا في الأنظمة القانونية الإسرائيلية منذ عهد الانتداب البريطاني، لكنه ظل مقيدا بفعل اعتبارات سياسية وقضائية، وبات شرطا في هذه المرحلة لاستمرار الائتلاف الحكومي. وشدد على أن إقراره سيمثل تحولا خطيرا في تعامل إسرائيل مع الأسرى، وتحويل الإعدام من ممارسة غير قانونية إلى سياسة رسمية معلنة تستهدف الفلسطينيين جماعيا.
من جانبه، دعا رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، رائد أبو الحمص، المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والإنسانية إلى التحرك الفوري لوقف إجراءات تل أبيب لإقرار قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين داخل السجون والمعتقلات، ومحاسبة الاحتلال على انتهاكاته المستمرة بحقهم.
وأوضح أبو الحمص -في بيان تلقت الجزيرة نت نسخة منه- أن الاحتلال يسعى لتبرير هذه الخطوة بادعاء تنفيذها بحق من شاركوا في عملية "طوفان الأقصى". وأكد أن هذا القانون يشكل تهديدا مباشرا على حياة الأسرى والأسيرات الفلسطينيين، ويمنح الغطاء القانوني لتنفيذ عمليات الإعدام بمزاجية وانتقامية، "في إطار تصاعد التطرّف والعنصرية داخل المنظومة الإسرائيلية".
وحذر من أن إقراره سيحول الإعدامات إلى سياسة رسمية ومشرّعة داخل السجون، وكشف أن الاحتلال يمارس فعليا سياسة الإعدام بحق الأسرى، موضحا أن 81 أسيرا استشهدوا خلال الحرب على غزة، إضافة إلى عشرات آخرين تم إعدامهم بعد اعتقالهم وإخفاء مصيرهم، فضلا عن "سرقة جلود وأعضاء الشهداء من القطاع، الذين تُسلَّم جثامينهم".

0 تعليق