لأول مرة.. تقنية ثورية تكشف اليورانيوم داخل عظام العراقيين - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

يبدو أن آثار الحروب لا تبقى على الأرض فقط، لكنها تسكن الجسد أيضا، هذا ما توصل له باحثون من كلية العلوم الصحية بجامعة بيردو الأميركية، إذ تمكنوا من رصد مستويات مرتفعة من اليورانيوم والرصاص الذي قد يكون مصدره أسلحة الحروب في عظام سكان مدينة الفلوجة العراقية.

والفلوجة من  المدن التي شهدت الكثير من المعارك التي استخدمت فيها الذخائر بشكل كثيف من قبل الجيش الأميركي، منذ بدء الغزو في 2003، وهو ما يجعلها بيئة مثالية للبحث عن الآثار البيئية والبيولوجية للحروب.

وبحسب الدراسة المنشورة بدورية "إنفايرونمنتال بلووشن"، وقادتها الدكتورة إلين ويلز، من كلية العلوم الصحية بجامعة بيردو، فقد بلغ متوسط تركيز الرصاص في العظام 21.2 ميكروغراما لكل غرام من المعادن العظمية، بينما بلغ متوسط تركيز اليورانيوم 1.4 ميكروغرام لكل غرام، وهي نسب تزيد بأكثر من 300% عن المتوسط المسجل في دراسات سابقة لأشخاص من أميركا الشمالية.

وتقول الدكتورة ويلز في تصريحات للجزيرة نت: " للمرة الأولى، تمكنا من رصد اليورانيوم داخل أنسجة العظام لدى البشر باستخدام جهاز التحليل الفلوري بالأشعة السينية، والقدرة على قياس هذه المستويات في معظم المشاركين يشير إلى وجود تعرض واسع النطاق في المجتمع المحلي".

" frameborder="0">

ما التحليل الفلوري بالأشعة السينية؟

وتقنية التحليل الفلوري بالأشعة السينية، أداة متقدمة تُستخدم عادة في المواقع الأثرية أو الصناعية، لكنها استخدمت في الدراسة لفحص العظام البشرية ميدانيا دون أخذ عينات أو إتلافها، وتعتمد على قيام الجهاز بإطلاق أشعة سينية عالية الطاقة على سطح العظم، فتتفاعل الذرات داخل العينة وتصدر إشعاعا مميزا يكشف عن العناصر المعدنية المخزنة في النسيج العظمي.

وتوضح ويلز أنه "في الدراسات السابقة التي أجريت في دول أخرى، استخدم العلماء نفس الجهاز، لكنه لم يتمكن من رصد أي كمية تذكر من اليورانيوم في العظام، أي أن تركيزاته كانت منخفضة إلى درجة لا يمكن قياسها بالأجهزة المتاحة".

إعلان

وتضيف "أما في حالة الفلوجة، فقد تمكنا من رصد كميات قابلة للقياس لدى أغلب المشاركين بالدراسة، ما يعني أن التعرض لليورانيوم في هذا المجتمع واسع الانتشار وشديد الارتفاع، مقارنة بالمعدلات الطبيعية".

وترجح ويلز بقوة أن مصدر اليورانيوم المكتشف في عظام سكان الفلوجة هو النوع المنضب الناتج عن الأنشطة العسكرية، موضحة أن المصادر الطبيعية لليورانيوم لا يمكنها عادة أن تعرض السكان لمستويات قابلة للقياس داخل العظام.

x-ray of the spine lumbar sacral إصابة الحبل الشوكي - spinal cord injury
يستخدم هذا التحليل لفحص العظام البشرية ميدانيا دون أخذ عينات أو إتلافها (غيتي)

أعلى نسبة بين النساء

وشملت هذه الدراسة 68 شخصا من 36 عائلة في الفلوجة، ووجدت أن النساء كانت لديهن مستويات أعلى من اليورانيوم في العظام مقارنة بالرجال، كما كشفت النتائج أن الأفراد الأصغر سنا لديهم تراكيز أعلى من الرصاص واليورانيوم في عظامهم مقارنة بكبار السن، كما لم يكشف تحليل عينات التربة التي جُمعت من مناطق سكن بعض المشاركين علاقة مباشرة بين تركيز المعادن في التربة وتلك الموجودة في العظام.

وحول ارتفاع مستويات اليورانيوم لدى النساء مقارنة بالرجال، توضح ويلز أن هذا الفارق ربما يرتبط بالعوامل الفسيولوجية وسلوكيات الحياة اليومية.

وتقول "نعلم من أبحاث سابقة أن النساء أكثر عرضة لامتصاص العناصر المشابهة للكالسيوم أثناء الحمل أو خلال الدورات الهرمونية الطبيعية، مما قد يزيد من تراكم المعادن الثقيلة في أجسامهن. كما يُحتمل أن النساء في الفلوجة يتعرضن أكثر للغبار الملوث داخل المنازل أثناء التنظيف اليومي، وهو ما قد يسهم في ارتفاع نسب التلوث لديهن."

أما عن المستويات الأعلى من الرصاص واليورانيوم في العظام لدى الفئات الأصغر سنا مقارنة بكبار السن، فأشارت الباحثة إلى أن ذلك قد يعكس اختلافا في معدلات التعرض عبر الأجيال.

وقالت "قد يكون الشباب تعرضوا لمصادر تلوث أشد كثافة في السنوات الأخيرة، ما أتاح لأجسامهم امتصاص كميات أكبر وتخزينها في العظام، وهذا الاتجاه يخالف ما لوحظ في دراسات أجريت في دول أخرى، وهو ما يدفعنا لمزيد من البحث لفهم السبب وراء هذه المفارقة."

الفلوجة من  المدن التي شهدت الكثير من المعارك أثناء الغزو الأميركي للعراق في 2003 (رويترز)

الفرق بين تلوث التربة والعظام

كما بينت الباحثة أن عدم وجود علاقة مباشرة بين تراكيز المعادن في التربة وتلك الموجودة في العظام أمر متوقع علميا، موضحة أن التربة تعكس التعرض اللحظي فقط، بينما العظام تمثل سجلا تراكميا للتعرض عبر عقود طويلة.

وتابعت "العظام تحتفظ ببصمة زمنية دقيقة لما تراكم داخل الجسم على مدى الحياة، بينما التربة تعطينا لمحة محدودة عن البيئة الحالية فقط، والآن، وللمرة الأولى، أصبح لدينا فهم أوضح لما يحمله سكان الفلوجة في أجسامهم من ترسبات ناتجة عن عقود من التعرض."

وفيما يتعلق بالمخاطر الصحية، شددت ويلز على أن كلا المعدنين، الرصاص واليورانيوم، لا يؤديان أي وظيفة نافعة داخل الجسم البشري، مشيرة إلى أن الرصاص تحديدا يعد ساما في أي كمية.

وقالت "لدينا معرفة واسعة بأضرار الرصاص على القلب والجهاز العصبي، والمستويات التي رصدناها في الفلوجة تشير إلى احتمالات مرتفعة لظهور آثار صحية مشابهة في المجتمع. أما بالنسبة لليورانيوم، فلا تزال مخاطره أقل فهما، لكن هناك أدلة متزايدة على ارتباطه بالسرطان واضطرابات المناعة والتشوهات الخلقية".

إعلان

لكن في هذا السياق، فإن ارتفاع التراكيز لا يعني تلقائيا أن كل فرد متأثر طبيا بارتفاع نسب تلك العناصر أو سيصاب بمرض، فهناك عوامل كثيرة تحدد الضرر، مثل الجرعة، والشدة، والمدة، والحالة الصحية للفرد، والجينات، وغيرها.

0 تعليق