عاجل

أفريقيا تعيد رسم موازين القوى الجديدة في العالم - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

إلى سنوات قريبة، كانت السيطرة على أفريقيا محصورة بين القوى الاستعمارية، خاصة بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة. ومع استضافة أفريقيا قمة العشرين في جنوب أفريقيا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2025، فإنها تتوج جهودا من الكفاح من أجل الوجود الحقيقي.

تتيح هذه اللحظة الراهنة فرصة نادرة لتصبح القارة أكثر بروزا من أي وقت مضى في الشؤون الدولية. فإما أن تصبح ذات نفوذ فعّال، أو ذات حضور رمزي خالٍ من التأثير.

يتطلب الخيار الأول إصلاحات صعبة، مع استقلال مالي أكبر للمؤسسات الأفريقية، وتنسيق أكبر بين التكتلات الإقليمية، وهذا يعني انتهاء عصر استهلاك أفريقيا للمعايير والممارسات التي وضعها الشمال الاستعماري.

في الواقع، أفريقيا ممثلة تمثيلا هامشيا في هياكل المؤسسات الدولية، وبالتالي تُهمّش حين اتخاذ قرارات مباشرة تؤثر على سكانها، في حين أن الوعي الأفريقي الحالي بلور مطالب واضحة، بدءا من دور أكبر في وضع القواعد وتحديد أجندات المؤسسات العالمية.

فالقادة الأفارقة يطالبون بتمثيل أكثر عدالة، وصوت قاري أقوى، وحرية اختيار العلاقات الثنائية بما يتناسب مع الاقتصادات الوطنية. وهذا ما حققه العديد من دول القارة حين فتحت علاقات بصورة أساسية مع الصين التي قدّمت قروضا بشروط ميسرة، ومشروعات تنموية دون شروط سياسية، أو اشتراطات في السداد صعبة.

لا تزال أفريقيا مهمشة في الحوكمة الاقتصادية العالمية، مع انخفاض قوتها التصويتية في صندوق النقد والبنك الدوليين، على الرغم من تعرضها الشديد لصدمات الديون والمناخ.

وهنا جددت أفريقيا دعوات الإصلاح، حيث قال الرئيس الكيني وليام روتو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "إن صندوق النقد الدولي يعاقب الدول الفقيرة بأسعار فائدة مرتفعة وشروط متشددة، بينما يكافئ الدول الغنية بشروط إقراض أكثر مرونة"، وجادل بأن إصلاح صندوق النقد الدولي ضرورة حتمية.

إعلان

عام 2023، حققت أفريقيا إنجازا بالغ الأهمية، فقد كان انضمام الاتحاد الأفريقي إلى العضوية الدائمة لمجموعة العشرين، يعكس التحول في وزن القارة دوليا. أصبحت أفريقيا ممثلة ككتلة في المنتدى الاقتصادي الأكبر دوليا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي.

نجح الأفارقة في الحصول على مناصب قيادية في مؤسسات دولية كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة التجارة العالمية، لكن هذا يفرض مسؤوليات جديدة.

فمع بدء المؤسسات الدولية في منح أفريقيا المزيد من المقاعد على طاولة المفاوضات، يجب أن تكون القارة مستعدة لمواجهة هذا التحدي. وهذا يعني تجاوز مجرد الظهور إلى ممارسة تأثير حقيقي، وهو ما يتطلب تماسكا وتخطيطا إستراتيجيا وإرادة سياسية للعمل الجماعي.

ومن بين الممارسات الواضحة لتحقيق ذلك: الاستقلال المالي للاتحاد الأفريقي، وتعزيز إنفاذ الأطر القارية مثل اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، والاستثمار في القدرات التقنية للمشاركة بفاعلية في المفاوضات العالمية المعقدة بشأن الديون والتجارة والمناخ.

إن ما يقوض ما سبق هو الطموحات الوطنية الضيقة، فكثيرا ما تتفاوض الدول الأفريقية كجهات فاعلة فردية، وهذا ما يضعفها أمام منظمة التجارة العالمية والأمم المتحدة، مما يحد من القدرة على حشد الثقل الجماعي لأفريقيا في القضايا الرئيسية، وبدون تفاهم مشترك على أن الإجراءات والتفاهمات المحلية والإقليمية ينبغي أن تعزز المواقف الجماعية.

إن واحدة من مشكلات أفريقيا تكمن كذلك في التنسيق، بل في فاعلية المجموعات الإقليمية، مثل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، ومجموعة تنمية جنوب أفريقيا (سادك)، والهيئة الحكومية المعنية بالتنمية (إيغاد)، وما يميزها سرعة الاستجابة للأزمات، إلا أن تداخل العضويات بينها، والمنافسات السياسية، وضعف تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه يحد من فاعليتها.

لذا، إذا أرادت أفريقيا فاعلية دولية، ينبغي أن يكون من الأولويات الرئيسية إصلاح هذه المؤسسات الإقليمية؛ لتحسين تعاونها ومواردها، بما في ذلك زيادة الاعتماد على المساهمات المالية الخاصة بالدول الأعضاء.

إن مواءمة الإستراتيجيات الوطنية مع الأهداف الجماعية أمر بالغ الأهمية، والتجارة مثال واضح على ذلك. لا يمكن لاتفاقية التجارة الحرة الأفريقية أن تنجح إلا إذا عالجت الحكومات التعريفات الجمركية، وبسطت الإجراءات الجمركية، واستثمرت في البنية التحتية العابرة للحدود.

وفي مجال الدفاع، ينبغي مواءمة الاستثمارات الوطنية في القدرات العسكرية مع الأطر القارية، مثل القوة الأفريقية الاحتياطية، التي لا تزال غير مكتملة، وهي في حالة اكتمالها ستكون رافدا موثوقا فيه للاستجابة للأزمات بقيادة أفريقية، وهذا ما يحد من التدخلات الدولية في الأزمات الأفريقية.

تاريخيا، كانت هناك قيود هيكلية على قدرة المؤسسات الأفريقية على تشكيل مسارات التنمية، فأفريقيا ما تزال تعتمد إلى حد كبير على الآخر في استخراج مواردها الطبيعية، وتتميز بقلة الاستثمارات في أنشطة القيمة المضافة وتطوير التكنولوجيا.

هذا ما جرى معالجته في أجندة 2063، وهي خارطة طريق إستراتيجية لأفريقيا لبناء أفريقيا متكاملة ومزدهرة وسليمة، يقودها ويديرها مواطنوها، وتمثل أهدافها الإنمائية قوة ديناميكية على الساحة الدولية.

إعلان

وضع هذه الخارطة الاتحاد الأفريقي، وما يعززها حاليا أن المشهد الاقتصادي في أفريقيا يشهد تغيرات سريعة، مع نشوء سلاسل قيمة إقليمية ومحلية جديدة، وممرات اقتصادية إقليمية، تربط الدول، وتخفف عبء الإنتاج والخدمات اللوجيستية عالية التكلفة، ومن أبرز نماذج ذلك: خط السكة الحديد الممتد من أوغندا إلى كينيا.

إن ما نجح فيه الاتحاد الأفريقي هو فرض حضوره في العديد من المناسبات، وهو يظل المنصة الأكثر شرعية في القارة للتمثيل العالمي، إلا أن مصداقيته غالبا ما تُقوض؛ بسبب محدودية الموارد، وبطء اتخاذ القرارات، وهذا ما تسعى بعض الدول الأفريقية لمعالجته.

إن ما يعزز صورة أفريقيا هو صعود بعض الدول الأفريقية مثل النمر الاقتصادي "رواندا"، أو جنوب أفريقيا التي تتطلع لدور في قيادة الجنوب بإمكانات عالية، ونيجيريا والكاميرون اللتين تمتلكان قدرات واعدة، فضلا عن السنغال التي تُعد نمرا يصعد رويدا رويدا. الدول الأفريقية بتشتتها، إن رأت أن تصبح قوة، فستغير شكل موازين القوى مستقبلا في العالم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق