في خطوة تشريعية جذرية طال انتظارها، وافق مجلس الوزراء برئاسة الدكتور جعفر حسان، على مشروع قانون عقود التأمين لسنة 2025، في خطوة لا تهدف فقط إلى تنظيم السوق، بل إلى إعادة رسم ملامح العلاقة بين شركات التأمين والمواطنين، واضعة حدا للعديد من الظواهر السلبية التي أرقت القطاع لسنوات.
ويعد الهدف المعلن لمشروع القانون هو تعزيز الشفافية والعدالة، وتحفيز الاستثمار عبر توفير بيئة تشريعية متطورة.
لكن "الضربة" الأبرز التي ينتظرها الشارع، والتي تضمنها مشروع القانون، هي المواجهة القانونية المباشرة لظاهرة "شراء الكروكات"، وتجريمها بشكل صريح بعقوبات رادعة.
السجن والغرامة لمشتري "الكروكة"
لأول مرة، يضع المشرع عقوبات جنائية واضحة للتصدي لظاهرة شراء الحقوق الناتجة عن عقود التأمين، المعروفة شعبيا بـ "شراء الكروكات".
ووفقا لتصريحات المديرة التنفيذية لدائرة الرقابة على أعمال التأمين في البنك المركزي الأردني، رنا طهبوب، فإن العقوبات التي تضمنها مشروع القانون (في المادة 103) ستكون صارمة.
حيث نصت المادة على معاقبة "كل من يثبت شراؤه للحقوق الناتجة عن عقد التأمين" بالحبس لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات ، أو بغرامة مالية ضخمة لا تقل عن عشرة آلاف دينار ولا تزيد على خمسين ألف دينار، أو بكلتا العقوبتين.
ولم يتوقف التشريع عند هذا الحد، بل شدد العقوبة في حال ارتكب الفعل من قبل محترفين في القطاع؛ حيث نص مشروع القانون على "مضاعفة العقوبة" إذا كان مرتكب الفعل محاميا أو أحد العاملين في شركات التأمين. كما يعاقب الشريك والمتدخل والمحرض بالعقوبة ذاتها ، في محاولة لتفكيك الشبكات التي تستغل الحوادث.
حماية المواطن: 10 أيام للرد.. وتفسير الغموض لصالحك
يضع مشروع القانون الجديد حزمة من الضمانات لحماية حقوق المؤمن لهم، وإنهاء حالة "الغموض" التي طالما استغلتها بعض الشركات:
إنهاء الانتظار (مهلة 10 أيام): ألزم مشروع القانون شركة التأمين (المؤمن) بالرد على طلب التأمين بالقبول أو الرفض خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ استلام الطلب.
وفي حال مضي هذه المدة دون رد خطي بالرفض، يعتبر طلب التأمين "مقبولا" حكما.
الوضوح أولا (لا للغموض):
أكد القانون أن عقود التأمين يجب أن تنظم بشكل واف وأن تكون عباراتها "واضحة وبسيطة". والأهم من ذلك، نصت المادة (102) على أنه "لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة الواردة في عقود التأمين ضارا بمصلحة المؤمن له" ، مما يعني أن أي غموض سيفسر لصالح المواطن.
بطلان "الشروط التعسفية"
يضع القانون حدا لـ "الشروط المجحفة" التي كانت تستخدم لحرمان المواطنين من التعويض. حيث نصت المادة (101) على بطلان أي شرط يرد في العقد يتعلق بما يلي:
التحكيم الإجباري: يبطل "شرط التحكيم" إذا لم يرد في اتفاق خاص ومنفصل عن عقد التأمين الأصلي.
التأخير بعذر: يبطل الشرط الذي يقضي بسقوط الحق في التعويض بسبب تأخر المؤمن له في إعلان الحادث أو تقديم المستندات، "إذا تبين أن التأخير كان لعذر مقبول".
مخالفة القوانين: يبطل الشرط الذي يسقط الحق بالتعويض بسبب مخالفة القوانين، "إلا إذا انطوت المخالفة على جناية أو جنحة قصدية".
الشروط غير الواضحة: يبطل "كل شرط لم يبرز بشكل ظاهر" (أي لم يكتب بخط واضح ومميز) إذا كان متعلقا بحالة تؤدي إلى إنهاء العقد أو سقوط حق المؤمن له.
الشروط التعسفية: يبطل "كل شرط تعسفي يتبين أنه لم يكن لمخالفته أثر في وقوع الحادث المؤمن منه".
تنظيم شامل للسوق
يأتي مشروع القانون في 106 مواد، ليضع قواعد واضحة تنظم العملية التأمينية من لحظة تقديم الطلب وحتى تنفيذ العقد.
ويوضح التشريع بالتفصيل الالتزامات المترتبة على طرفي العقد، ويضع أحكاما خاصة تراعي خصوصية كل نوع من أنواع التأمين، حيث أفرد فصولا متخصصة للتأمين على الأشخاص (التأمين على الحياة) ، والتأمين الطبي ، والتأمين على الأموال (مثل الحريق) والتأمين البحري ، وحتى إعادة التأمين.
كما حدد مشروع القانون مدة التقادم (المدة المانعة لسماع الدعاوى) الناشئة عن عقد التأمين بثلاث سنوات من تاريخ حدوث الواقعة أو العلم بها.

0 تعليق