عاجل

"باب البحر" في مدينة تونس العتيقة لا يطل على البحر - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

في رسم يعود إلى القرن الـ16 الميلادي للرسام البلجيكي يان فيرماين يوثق حملة الملك الإسباني شارل الخامس على تونس، يظهر باب يتصدر المدينة القديمة في شكل قوس مرتفع يعلوه متراس ذو شرفة، ويتقدمه برجان من كل جهة ملاصقان لسور ممتد يحيط بكامل المدينة.

وتُظهر اللوحة جانبا من الحملة التي قادها ملك إسبانيا بأسطول بحري ضخم وصل إلى سواحل العاصمة عام 1535 لطرد العثمانيين وإعادة تنصيب ملوك الدولة الحفصية الموالين لهم.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

تاريخ وتجارة

رسم يان فيرماين ببراعة تشكيلات من الجنود الإسبان والممالك الأوروبية المتحالفة وهم يحتشدون على أطراف المدينة، لكن أبرز ما يلفت الانتباه في اللوحة هو أسوار الباب الشهير المختلفة عن صورته اليوم قبالة ساحة النصر الحديثة.

ويقول الشاب الثلاثيني سمير حامدي، بائع عصير المانغو أمام عربته بالساحة التي تضج بالزائرين: "يأتي الناس من كل دول العالم إلى هنا. المكان يثير فضول الزائرين، والباب كان شاهدا على أحداث كثيرة عاشها أجدادنا في المدينة القديمة".

وتابع الشاب في حديثه لوكالة الأنباء الألمانية: "باب البحر هو تاريخ وتجارة، ونحن نحاول الاستفادة من الحركة السياحية، لكن الشرطة تحاصرنا".

يملك الباب التاريخي أهمية بالغة في تاريخ تونس الحديث، وهو مسجل منذ العام 1979 على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).

وبغض النظر عن نتائج الحملة الإسبانية التي أسالت الكثير من الدماء بين أهالي مدينة تونس، تعرّف اليونسكو الباب كـ"نموذج للتفاعل بين الحضارات، حيث شهد مرور ثقافات متعددة تركت بصماتها على ملامحه، مما يمنحه قيمة رمزية تتجاوز حدود تونس، ويجعله شاهدا على الإبداع البشري الذي جمع بين العمارة الإسلامية والتأثيرات المتوسطية".

وبحسب السجلات الرسمية، بُني الباب في حقبة الدولة الأغلبية التي حكمت في القرنين التاسع والعاشر الميلادي، وهو يقع في السور الشرقي للمدينة القديمة، وقد أُعيد بناؤه حديثا في العام 1860.

إعلان

مع ذلك، حافظ الباب حتى اليوم على تصميمه المعماري المتقن الذي يعكس العمارة الإسلامية الأغلبية مع مزيج من الهندسة المعمارية الدفاعية، حيث يزدان بأقواس متناسقة وزخارف دقيقة تبرز براعة الحرفيين الذين عملوا على تشييده قبل أكثر من ألف عام.

Tunis, Tunisia - August 6, 2024: An old hand drawn used postcard with a stamped postage stamp showing the city gate Bab el Bhar, also known as Porte de France.
في 1925 نصبت فرنسا تمثال الكاردينال لافيجري عند باب البحر لكنه أُزيل عام 1962 بعد احتجاجات ونُقل إلى حديقة متحف قرطاج (شترستوك)

لماذا باب البحر؟

تقول روايات أهالي المدينة إن باب البحر كان يقع مباشرة قبالة مرفأ بحيرة تونس قبل تشييد الحي الأوروبي خارج أسوار المدينة والشارع الرئيسي الذي يمتد اليوم على مسافة تفوق الكيلومتر قبالة الباب. ويعني هذا أن البنايات الحديثة بوسط العاصمة وشارع الحبيب بورقيبة قد شُيدت فوق جانب من بحيرة تونس، لكن لا توجد إثباتات تاريخية تؤكد هذه الرواية.

وتاريخيا، وبحسب اليونسكو، لعب باب البحر دورا حيويا في الحياة التجارية لمدينة تونس، فقد كان حلقة وصل بين المدينة العتيقة والمناطق الساحلية، وشكّل منفذا لمرور القوافل والبضائع القادمة من البحر، وهو ما جعله شاهدا على التبادل التجاري والثقافي الذي أسهم في ازدهار المدينة عبر العصور.

أما الأوروبيون فقد أطلقوا عليه اسم "باب فرنسا" مع دخول الاستعمار الفرنسي إلى تونس عام 1881. وعلى امتداد تاريخه الطويل، شهد هذا الباب العديد من التحويرات.

في العام 1860، وبعد هدم أسوار المدينة القديمة، فُكك الباب وأُعيد تركيبه في مدخل شارع البحرية (شارع الحبيب بورقيبة اليوم)، بطلب من قنصل فرنسا ليون روش.

وفي العام 1925، وضعت سلطات الاحتلال الفرنسي تمثال الكاردينال شارل مارسيال لافيجري، حاملا في يده اليمنى الإنجيل وفي يسراه الصليب، بالساحة المطلة على "باب البحر" بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.

لكن التمثال أثار احتجاجات من الطبقات المحافظة ومن طلاب جامع الزيتونة الشهير، فجرى تفكيكه في العام 1962 بقرار من سلطات المدينة، ونُقل التمثال إلى حديقة متحف قرطاج، حيث لا يزال معروضا هناك حتى اليوم.

Tunisz, Tunézia - 2024. augusztus 21.: Tunisz óvárosának bejárata Bab al-Bharban
وسط ساحة النصر المطلة على باب البحر، تضفي المياه المنبعثة من النافورة أجواء نشطة أمام المحلات التجارية (شترستوك)

مزار للسياح

يمثل "باب البحر" إحدى الوجهات الرئيسية للسياحة بالعاصمة، إلى جانب قرية سيدي بوسعيد ومتحف باردو ومدينة قرطاج الأثرية. لكن تجار المدينة القديمة والحرفيين يعولون أساسا على الوفود السياحية القادمة عبر الرحلات البحرية التي تحط دوريا كل أسبوع في ميناء حلق الوادي، مما يجعل هذا المعلم نقطة استقطاب للزائرين على مدار العام.

وتحاول المدينة الاستفادة من قطاع الرحلات البحرية الدولية الذي يشهد انتعاشا تدريجيا بعد فترة ركود سادت قبل عقد بسبب الهجمات الإرهابية التي عرفتها تونس ثم جائحة كوفيد-19 حتى عام 2022.

وتوقع مدير محطة الرحلات والسفن السياحية بميناء حلق الوادي قدوم حوالي نصف مليون سائح عبر الرحلات البحرية في عام 2025.

ويحرص الأدلاء السياحيون على قيادة السياح لدخول المدينة القديمة عبر قوس "باب البحر"، حيث تحيط به الأسواق التقليدية والأزقة المزدحمة التي تعكس روح المدينة القديمة. ويمنح موقعه الإستراتيجي إطلالات فريدة تجمع بين الطابع التاريخي والمشهد الحضري الحديث، مما يجعله نقطة جذب لعشاق التصوير والفنون.

إعلان

ويقول سائح بريطاني قدم في رحلة بحرية: "زرت تونس قبل سنوات وأتيت إلى هذا المكان. ما زلت أحتفظ بذكريات من هذا القوس الجميل، إنه يشبه الأسوار القديمة في أوروبا لكن له طابع مميز. كانت تجربة رائعة وممتعة في المدينة القديمة".

ووسط ساحة النصر المطلة على الباب، تضفي المياه المنبعثة من النافورة أجواء نشطة أمام المحلات التجارية. ويقول عبد القادر سويسي، بائع إكسسوارات تقليدية: "المنطقة تنبض بالحياة، لكن الأزمة الاقتصادية تلقي بظلالها على التجارة. ننتظر قدوم السياح والرحلات البحرية لإنقاذ الوضع".

رغم مرور عدة قرون، لا يزال الباب يحتفظ بقيمته المعنوية والثقافية، حيث يخضع لصيانة دورية تنفذها بلدية تونس للحفاظ على متانته وتفاصيله الزخرفية.

وتقول منظمة اليونسكو: "هذا يضمن بقاءه ماثلا كرمز متجدد للهوية التونسية، كما يعكس في الوقت ذاته الجهود المبذولة لحماية التراث العمراني من عوامل التعرية والزمن".

0 تعليق