Published On 8/11/20258/11/2025
|آخر تحديث: 13:04 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:04 (توقيت مكة)
غزة- في الوقت الذي يسمح فيه الاحتلال الإسرائيلي بمرور المساعدات والبضائع إلى قطاع غزة، يستمر في التمسك بمعادلة "بقاء الرأس فوق الماء" مع أكثر من مليوني فلسطيني، بما يشبه حالة تركهم في دوامة التجويع دون التعافي من آثاره.
وتظهر هذه السياسة من خلال تحكم إسرائيل في أصناف السلع الواردة وكمياتها وأسعارها، وذلك بهدف تصعيب توفّرها للمستهلكين الذين لا يزالون يعانون من تبعات حرب طاحنة تركت آثارها على أجسادهم.
شح الكميات
تظهر الإحصاءات الرسمية التي حصلت الجزيرة نت على نسخة خاصة منها، أنه منذ التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، سمحت قوات الاحتلال بإدخال ما مجموعه 4453 شاحنة، تشمل جميع ما ورد إلى القطاع من مساعدات وسلع تجارية ومشتقات الوقود.
وحسب الإحصاءات ذاتها، بلغ عدد الشاحنات الواردة إلى القطاع التجاري 1110 شاحنة، من بينها 354 شاحنة أغذية، أي ما نسبته 32% من مجمل الوارد إلى التجار.
واقتصر عدد شاحنات اللحوم من مجموع ما دخل خلال الفترة المذكورة على 10 شاحنات فقط، في حين بلغ عدد شاحنات الخضروات والفواكه 62 شاحنة.
ويقول المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة إن متوسط عدد الشاحنات التي تدخل يوميا يبلغ 171 شاحنة فقط من أصل 600 شاحنة يفترض دخولها وفق البروتوكول الإنساني، مما يدل على أن الاحتلال يصر على استكمال تجويع أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة.
وأوضح الثوابتة، في حديث للجزيرة نت، أن قوات الاحتلال لا تزال تمنع 350 صنفا من الأغذية الأساسية التي يحتاجها الأطفال والمرضى والجرحى والفئات الضعيفة، أبرزها البيض واللحوم الحمراء والدواجن والأسماك ومشتقات الألبان.
تحكم إسرائيلي
وفي هذا الشأن، يقول القائم بأعمال الإدارة العامة للدراسات في وزارة الاقتصاد محمد بربخ إن الاحتلال يملك إحصاءات دقيقة حول استهلاك سكان القطاع للمواد الغذائية الأساسية شهريا بحكم تحكمه في المعابر التجارية، مما يجعل حكومة الاحتلال قادرة على إدارة تدفق السلع بدقة متناهية، حيث يعرف أن سكان غزة يستهلكون نحو:
إعلان
14 ألف طن من الطحين. 3700 طن من السكر. 3300 طن من الأرز 2100 طن من الزيت. 1200 طن من البقوليات.وأوضح بربخ، في حديث للجزيرة نت، أن الاحتلال يعتمد بناء على ذلك سياسة وصفها بـ"إبقاء الرأس فوق الماء"، ويتحكم في السلع الواردة بما يضمن أن يعيش السكان حالة من الجوع دون أن يصلوا إلى الموت الجماعي الكامل.
ويشير إلى أن إجراءات الاحتلال تتحكم في ثالوث الكميات والأسعار والأنواع، وتعيد توزيع السلع بأسعار متصاعدة من التاجر إلى الآخر، حتى تصل للمستهلك بأضعاف قيمتها الحقيقية، ولفت بربخ إلى أن الخلل في الأسعار لا يرتبط فقط بندرة السلع، بل بوجود خطوط خفية تتحكم في عملية البيع والتوريد.
وأكد أن قطاع غزة يعاني هذه الأيام من غياب البنية التحتية اللازمة لتخزين البضائع بعد تدمير المستودعات والمخازن خلال الحرب، الأمر الذي جعل السوق هشة وسريعة التأثر بأي تصعيد أو توقف في التوريد.
وكان قطاع غزة قبل الحرب يستقبل نحو 120 إلى 122 ألف شاحنة سنويا من السلع المختلفة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم، وكان المخزون الإستراتيجي يكفي لمدة لا تتجاوز 45 يومًا فقط، لكن التعرض حاليا لأي أزمة جديدة سيشل السوق فورًا.
وفي ختام حديثه، يؤكد المدير العام للدراسات في وزارة الاقتصاد أن الاحتلال الإسرائيلي يتحكم عمدًا في كمية إدخال السلع الأساسية بما يضمن استمرار سيطرته على السوق ضمن هندسة ممنهجة للتجويع، واستخدام الأدوات الاقتصادية كتقنية عقابية ناعمة، في وقت يفترض أن يكون الغذاء حقا أساسيا لا يخضع للمساومة السياسية.
" frameborder="0">
انعكاسات صحية
ويبدو أن الاحتلال وضع حدا لكمية السعرات الحرارية التي يتناولها كل شخص في قطاع غزة، كي لا يصل لمستوى التعافي من المجاعة، ويتضح ذلك من تحكمه في كمية ونوعية المواد الأساسية مثل البروتينات والدهون التي يحتاجها الجسم فعلًا للبقاء بصحة جيدة.
يقول طبيب التغذية أحمد الفرا إن سوء التغذية في غزة انتقل من مرحلة النقص الشديد في السعرات الحرارية الذي كان في بداية المجاعة وما صاحبها من هزال عام وفقدان كبير في الوزن، إلى مرحلة نقص البروتين، وهي الأكثر انتشارا حاليا في القطاع، إذ بات أغلب السكان يعتمدون على أطعمة فقيرة من البروتين، في ظل غياب اللحوم والبيض والألبان عن موائدهم.
ويشرح الفرا للجزيرة نت تبعات غياب البروتين عن جسم الإنسان، والذي يُسبب انتفاخ الوجه والبطن والأطراف، كما يدمّر المناعة، مما يجعل الجسم عاجزًا عن مقاومة الأمراض، الأمر الذي يتسبب في ضعف في الإدراك العقلي لدى الأطفال، وتأخر في النمو، ومشكلات في الغدة الدرقية والهرمونات الجنسية، إضافة إلى آثار على التحصيل العلمي والطول.
ويرى الفرا أن النظام الغذائي في غزة بات مختلًا بشكل خطير، إذ يعتمد السكان على النشويات فقط، بينما تندر الدهون الطبيعية الضرورية لتغذية الخلايا العصبية، ولذلك يلاحِظ تراجعا في الذاكرة وضعفا عامًا في الحيوية.
ويحذر من أن الوضع يزداد قسوة لدى الفئات الأكثر هشاشة مثل الجرحى والحوامل والأطفال الحديثي الولادة، "لأن البروتين أساسي في ترميم الأنسجة وشفاء الجروح والكسور، وقلته تؤدي إلى التهابات رئوية تتحول إلى مضاعفات خطيرة، لم تكن مألوفة قبل الحرب، لكنها نتيجة مباشرة لنقص المناعة وسوء التغذية"، حسب قوله.
إعلان
ويشير الفرا إلى أن حالات الولادة الجديدة تعكس الكارثة بوضوح، "حيث لا يتجاوز أوزان المواليد الجدد الكيلوغرام ونصف الكليوغرام أو اثنين، بعد أن كانت الأوزان الطبيعية بين 3 و3.5 كيلوغرامات قبل الحرب، وهذا مؤشر على سوء تغذية الأمهات".
ويختم الطبيب حديثه بنبرة حزينة قائلا "سوء التغذية أصبح شريكًا دائما للأمراض المزمنة، ونفقد كل يوم حالات في العناية المركزة، ليس فقط بسبب الإصابات أو الفيروسات، بل لأن الجسد بات عاجزًا عن المقاومة بعد أن أنهكه الجوع ونقص البروتين".

0 تعليق