يظل السؤال حول ما إذا كانت عملة "البيتكوين" قد نجحت فعلا في إزاحة "الذهب" عن عرشه كـ "ملاذ آمن"، هو الشغل الشاغل للمستثمرين حول العالم. وفي هذا السياق، تناول تقرير موسع نشرته وكالة "بلومبيرغ" هذه المقارنة الشائكة، مؤكدا أن "الذهب لا يزال الأصل الأكثر موثوقية عندما تنهار الأسواق أو تتعرض الأنظمة المالية لهزات عميقة".
وأوضح التقرير، الذي أعده الكاتب الاقتصادي جون ستيبك، أن فكرة المقارنة بين الأصلين عادت بقوة بعد أن لامس كل منهما مستويات قياسية جديدة خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ففي ذلك الشهر، تجاوز سعر الذهب حاجز الـ 4 آلاف دولار للأونصة، في حين صعدت بيتكوين فوق 100 ألف دولار للوحدة الواحدة، قبل أن يتراجع كلاهما لاحقا.
وبحسب التقرير، فإن هذا "التزامن في الأداء" يدفع إلى التساؤل عما إذا كان التصحيح الأخير مؤقتا أم مقدمة لمرحلة استقرار جديدة.
الذهب: تأمين ضد تدهور العملات الورقية
استند التقرير إلى تحليل عميق قدمه الخبير المالي دهافال جوشي، كبير الاستراتيجيين في مؤسسة "بي سي إيه ريسيرش" (BCA Research). أكد جوشي أن "الذهب هو الأصل التأميني الرئيسي في الأنظمة النقدية القائمة على العملات الورقية ".
وأشار إلى أن المعدن الأصفر يقوم بدور حيوي في "حماية الثروة من تدهور قيمة النقود"، خاصة في ظل قدرة البنوك المركزية على "إصدارها بلا قيود". وأضاف جوشي أن "المستثمرين حول العالم ما زالوا يعتبرون الذهب وسيلة حفظ الثروة في مواجهة تقلبات النظام المالي العالمي".
ووفقا لـ "بلومبيرغ"، يرى جوشي أن القيمة طويلة الأجل للذهب تعتمد على عاملين أساسيين: أولهما حجم الثروة العالمية الكلية، وثانيهما نسبة هذه الثروة التي تتجه إلى الذهب كلما زادت المخاوف من "تآكل قيمة النقود".
وأوضح أن ارتفاع الطلب على الذهب في السنوات الأخيرة يرتبط بشكل مباشر بتزايد "الريبة من السياسات النقدية التوسعية وتراجع الثقة بالدولار كعملة احتياط عالمية". ولفت التقرير إلى أن هذا الاتجاه لا يقتصر على الأفراد، بل يشمل أيضا "البنوك المركزية في الأسواق الناشئة"، التي ضاعفت مشترياتها من الذهب لتقليل اعتمادها على الأصول المقومة بالدولار.
ونقل التقرير عن جوشي قوله إن "الطلب المتزايد على الذهب يعكس رغبة المؤسسات المالية في الحصول على أصول خارجة عن السيطرة السياسية للنظام المالي الأميركي".
بيتكوين: تأمين رقمي.. ولكن محدود
في المقابل، تناول التقرير وجهة النظر التي ترى في بيتكوين "بديلا رقميا للذهب". وقدرت "بلومبيرغ" أن القيمة السوقية الإجمالية لبيتكوين تبلغ نحو تريليوني دولار، مقارنة بنحو 30 تريليون دولار للذهب.
هذا الفرق الهائل في الحجم يظهر أن الأصلين سيستفيدان من زيادة الثروة العالمية، لكن جوشي يشير إلى أن "بيتكوين قد تستفيد أكثر نسبيا" من اتساع قاعدة المستثمرين الشباب الباحثين عن أدوات تحوط رقمية.
ومع ذلك، عبر الكاتب جون ستيبك عن تحفظه قائلا: "أنا لست من منكري بيتكوين، فقد أثبتت وجودها وحققت أرباحا هائلة، لكنها لا توفر الاطمئنان المادي الذي يمنحه الذهب في أوقات الأزمات".
وأضاف: "عندما أشعر بالقلق على النظام المالي، يمكنني شراء عملات ذهبية وحفظها في خزنة. أما بيتكوين فلا يمكن أن تمنحني هذا الشعور بالسيطرة المادية على الثروة".
وأشار التقرير إلى أن مفهوم التأمين الاستثماري يقوم أساسا على التحوط ضد "السيناريوهات القصوى"؛ أي تلك التي تفقد فيها الأنظمة النقدية والمالية استقرارها.
وأوضح أن "الذهب يتميز بقدرته على البقاء خارج دائرة النفوذ السياسي أو التقني". في حين أن "بيتكوين تعتمد على شبكة رقمية يمكن أن تتأثر بالأعطال، أو الرقابة، أو حتى انقطاع الكهرباء في حالات الطوارئ".
الثقة في الذهب تتعزز
وخلص تقرير "بلومبيرغ" إلى أن الذهب لا يزال يحتفظ بصفته "الملاذ المادي الأخير" في مواجهة الانهيارات. وأكد أن الثقة بالمعدن الأصفر تتزايد كلما تراجع الإيمان بسلامة الأنظمة النقدية الورقية.
وأضاف أن تجربة العقدين الماضيين، من الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلى صدمات التضخم الأخيرة، أظهرت أن المستثمرين "يعودون دائما إلى المعدن الأصفر حين يفقدون الثقة بالأسواق".
وعلى الرغم من أن التقرير أشار إلى تجربة المستثمر تشارلي موريس من مؤسسة "أطلس بالس"، الذي حقق أداء جيدا بمحفظة تجمع بين الذهب وبيتكوين (تعرف بـ "بولد بروتوفوليو")، إلا أن رأي ستيبك ظل واضحا: "حتى في أفضل الظروف، سأظل أفضل المعدن الأصفر في مواجهة الانهيارات الحقيقية... فربما أكون تقليديا، لكن التجربة تثبت أن الذهب لا يخون في الأزمات".
وأكدت "بلومبيرغ" أن "الذهب يظل الأصل الأكثر استقرارا وملموسية في مواجهة هشاشة النظام المالي العالمي"، بينما تظل بيتكوين "رهانا رقميا واعدا، لكنه لم يثبت بعد أنه قادر على الصمود في لحظات الانهيار الفعلي".

0 تعليق