أسعار الذَّهَبُ فَوْقَ 4120 دُولَارٍ: زَخَمٌ فَنِّيٌّ وَ قُوًى خَفِيَّةٌ تَتَحَدَّى أُسُسَ الاِقْتِصَادِ التَّقْلِيدِيَّةَ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
صعد الذهب من مستوى 4115 دولارا للأونصة ليسجل 4150 دولارا. مشتريات الصين في أكتوبر بلغت نحو 0.9 طن فقط، وكذلك حوالي 1.2 طن في الأشهر السابقة.

شهدت أسواق المعادن الثمينة ارتفاعا لافتا اليوم، الثلاثاء، حيث صعد الذهب من مستوى 4115 دولارا للأونصة ليسجل 4150 دولارا ، في حين سجلت الفضة مستوى قويا عند 51 دولارا للأونصة. المفارقة الكبرى أن هذه المكاسب جاءت على الرغم من وجود عوامل تقليدية تعد معيقة لصعود المعدن الأصفر، أبرزها صلابة الدولار الأمريكي، وانتهاء الأزمة الحكومية المؤقتة في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى ارتفاع مؤشرات الأسهم العالمية.

يعكس هذا الأداء المتناقض حالة فريدة في الأسواق، يتفوق فيها "الزخم المضاربي والفني" على المؤشرات الاقتصادية الأساسية. ويشير هذا بوضوح إلى أن تحركات السوق الحالية مدفوعة بعوامل قصيرة المدى تفرض نفسها على الأسعار بطريقة استثنائية.

لماذا يرتفع الذهب رغم ضعف الأساسيات؟

يظهر التحليل العميق للسوق أن العوامل الاقتصادية التقليدية لا تقدم دعما حقيقيا لهذا الصعود.

فعادة، يقلل ارتفاع الدولار من جاذبية المعادن للمستثمرين الدوليين، لكن الزخم الفني الحالي يغلب هذه الضغوط. كما تغيب محفزات "الملاذ الآمن"؛ فلا توجد توترات جيوسياسية كبيرة تدفع المستثمرين نحو الذهب للتحوط. بل على العكس، يظهر انتعاش الأسهم العالمية شهية عالية للمخاطرة، ومع ذلك يستمر المشترون في تفضيل الذهب، مندفعين بإشارات فنية قوية.

وحتى الطلب المادي من الأسواق الكبرى يبدو ضعيفا؛ فمشتريات الصين في أكتوبر بلغت نحو 0.9 طن فقط، وكذلك حوالي 1.2 طن في الأشهر السابقة. هذا الأداء المنخفض يقلل من تأثير الطلب التقليدي، ويزيد من أهمية المضاربات المحلية والعالمية في دفع الأسعار.

بعبارة أخرى، السوق يشهد اليوم صعودا مستقلا عن الأسس المعروفة.


قوى خفية تحرك السوق

ما يميز موجة الصعود الحالية ليس فقط الزخم الفني، بل ظهور عوامل غير تقليدية أعادت تشكيل حركة الأسواق العالمية.

يأتي على رأسها "الخوارزميات والتداول عالي التردد". فقد أصبحت أنظمة التداول الآلي هي اللاعب الرئيس في دفع الأسعار، خاصة عند اختراق مستويات المقاومة الحرجة (مثل 4130-4140 دولارا). هذه الأنظمة تنفذ آلاف الأوامر في أجزاء من الثانية، مما يخلق موجات صعودية متسارعة يصعب تفسيرها بالأساسيات التقليدية.

عامل آخر هو "إعادة توجيه السيولة". فبعد موجة من التقلبات في سوق العملات المشفرة، لاحظ المحللون انتقال جزء من السيولة نحو الذهب والفضة كأصول أكثر استقرارا ، مما يعزز الطلب المؤقت.

يضاف إلى ذلك تأثير "صناديق التحوط الكبرى"، حيث بدأت بعض هذه الصناديق ببناء مراكز قصيرة الأجل على المعادن للاستفادة من الزخم الفني، وليس بالضرورة للتحوط من المخاطر الاقتصادية.

الارتباط الجديد بأسعار الطاقة

ولعل العامل الأحدث هو "الارتباط الجديد بين الذهب وأسعار الطاقة". فالارتفاع الأخير في أسعار النفط أفرز علاقة غير تقليدية تشجع المستثمرين على اللجوء للمعادن كأداة تحوط محتملة ضد "التضخم المستقبلي" ، حتى لو لم تشر المؤشرات الاقتصادية الحالية إلى ضغوط تضخمية كبيرة.

أمثلة تاريخية على هيمنة الزخم

هذا السلوك ليس جديدا. ففي أغسطس 2011، ارتفع الذهب بسرعة من 1600 دولار إلى 1920 دولارا للأونصة، مدفوعا بالمضاربات الفنية ومخاوف أزمة ديون أوروبا، قبل أن يتراجع بحدة. وتكرر المشهد في 2016، بصعود مفاجئ من 1040 إلى 1240 دولارا، دعمه المضاربون الفنيون وانخفاض مؤقت للدولار، ثم تلاشى الزخم. وكذلك في 2020، قبل اختراق مستوى 2000 دولار، قادت الخوارزميات موجات صعود قصيرة ومركزة.

قراءة فنية وسيناريوهات محتملة

يشير التحليل الفني المتقدم إلى أن مؤشر القوة النسبية (RSI) يقف عند مستويات 62-65، مما يعكس زخما صعوديا مستمرا، مع احتمال حدوث تصحيح مؤقت. كما أن اختراق المتوسط المتحرك القصير (50 يوما) للمتوسط الطويل 200 يوم قد أعطى إشارة شراء قوية.

تبقى مستويات الدعم الرئيسية بين 4110-4120 دولارا، بينما تقع المقاومة القادمة بين 4160-4180 دولارا.

بناء على ذلك، يبقى السوق أمام سيناريوهين: إما "استمرار الزخم" نحو 4205 دولارات للذهب و 53 دولارا للفضة، أو حدوث "تصحيح سريع" يعود بالأسعار إلى نطاق 4100 دولار للذهب و 50 دولارا للفضة.

وعليه فأن السوق الحالي يظهر سلوكا مضاربيا بامتياز، حيث تتفوق الخوارزميات والقراءات الفنية على المؤشرات الاقتصادية التقليدية.

0 تعليق