Published On 18/11/202518/11/2025
|آخر تحديث: 12:37 (توقيت مكة)آخر تحديث: 12:37 (توقيت مكة)
تُرسل الأقمار الصناعية البيانات من وإلى الأرض دون انقطاع، ويعتقد الجميع أن هذه الاتصالات الفضائية مشفرة لحماية المعلومات السرية من أي متلصص يمتلك طبقا فضائيا، ولكن الحقيقة المقلقة هي عكس ذلك تماما.
كشفت دراسة حديثة أجراها فريق من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو وجامعة ميريلاند أن تهديدات الخصوصية والأمان لا تنتقل دائما عبر الأسلاك، بل تأتي على شكل إشارات الأقمار الصناعية التي قلما فكر أحد في تفقدها والتي تُركت عرضة للتنصت بشكل كامل، وهو ما قد يشعل جدلا واسعا بين شركات الأمن السيبراني ومشغلي الاتصالات وكذلك داخل الوكالات العسكرية والاستخباراتية حول العالم.
أسرار كثيرة بتكلفة بسيطة
استخدم الباحثون في تجربتهم جهاز استقبال للأقمار الصناعية متاحا تجاريا بتكلفة 800 دولار فقط، وضعوه على سطح أحد مباني الجامعة في حي لا جولا البحري في سان دييغو لالتقاط اتصالات الأقمار الصناعية، وبمجرد توجيه طبقهم نحو الأقمار المختلفة وقضاء أشهر في تفسير الإشارات الغامضة -ولكن غير المحمية- التي تلقوها، تمكن الباحثون من التقاط مجموعة مقلقة من البيانات الخاصة.
وشملت البيانات مكالمات ورسائل نصية أميركية على شبكة "تي-موبايل" (T-Mobile) وبيانات تصفح ركاب الطائرات الذين يستخدمون واي فاي الطائرة، بالإضافة إلى اتصالات من وإلى بنى تحتية حيوية مثل المرافق الكهربائية ومنصات النفط والغاز البحرية، وحتى اتصالات عسكرية بين الولايات المتحدة والمكسيك، التي كشفت مواقع الأفراد والمعدات والمنشآت.
وقال آرون شولمان أستاذ جامعة كاليفورنيا في سان دييغو وأحد قادة البحث: "لقد صُدمنا تماما عندما اكتشفنا أن هناك أجزاء حيوية وحساسة من بنيتنا التحتية تعتمد على هذا النظام الفضائي، وكنا نظن أنها ستكون مشفرة، ولكن مع كل اكتشاف جديد كانت النتيجة نفسها: لم تكن مشفرة".
إعلان
وقدمت المجموعة ورقتها البحثية الشهر الماضي في مؤتمر جمعية الحوسبة الآلية في تايوان، تحت عنوان (لا تنظر إلى الأعلى)، وعلّق شولمان قائلا "لقد افترضوا أن لا أحد سيتمكن من فحص ومسح هذه الأقمار لمعرفة ما يُرسل منها، وكان هذا هو أسلوبهم في الأمان، ولكنهم لم يتوقعوا أن أحدا ما سينظر إلى الأعلى".
وأفاد الباحثون أنهم قضوا العام الماضي في تحذير الشركات والوكالات التي اكتشفوا أن بياناتها الحساسة كانت معرضة للاختراق عبر الاتصالات الفضائية، وسرعان ما تحركت معظم هذه الجهات، بما في ذلك شركة "تي-موبايل" لتشفير اتصالاتها وحماية بياناتها، أما البعض الآخر بما في ذلك بعض مشغلي البنية التحتية الحيوية الأميركية والذين نبههم الباحثون مؤخرا، فما زالوا لم يضيفوا التشفير إلى أنظمتهم القائمة على الأقمار الصناعية.
يُذكر أن الباحثين أجروا تجربتهم على جزء صغير من الأقمار الصناعية الثابتة المدار التي يمكنهم التقاط إشاراتها من سان دييغو، أي حوالي 15% من الأقمار العاملة، وهذا يعني أن كميات هائلة من البيانات لا تزال على الأرجح مكشوفة عبر اتصالات الأقمار الصناعية، ويعتقد مات غرين أستاذ علوم الحاسوب بجامعة جونز هوبكنز والمتخصص في الأمن السيبراني أن كميات كبيرة من بيانات الأقمار الصناعية ستظل معرضة للاختراق لسنوات قادمة، حيث تبين أن أي شخص عادي يمكنه الوصول إلى هذه المعلومات من خلال لاقط هوائي فقط.
المكالمات والرسائل تمر عبر الأقمار الصناعية
كشفت الدراسة أن المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تمكن الباحثون من الحصول عليها كانت مكشوفة بسبب اعتماد شركات الاتصالات على الاتصالات الفضائية لتوفير التغطية الخلوية في المناطق النائية، وهو جانب غالبا ما يُغفل في البنية التحتية للشبكات، ففي بعض المناطق الجبلية أو الصحراوية داخل الولايات المتحدة، تتصل الأبراج الخلوية بالأقمار الصناعية التي تنقل إشاراتها إلى الشبكة الأساسية للمشغل، وهو ما يُعرف في عالم الاتصالات باسم "النقل الخلفي" (Backhaul).
وتبيّن للباحثين أن هذه الروابط الفضائية لم تكن مشفرة، ما يعني أن أي شخص يمتلك جهاز استقبال فضائي في نفس النطاق الجغرافي لتلك الأبراج -حتى إن كان على بعد آلاف الكيلومترات- يمكنه التقاط الإشارات المرسلة.
وكانت بيانات "تي-موبايل" مثيرة للاهتمام، ففي غضون 9 ساعات فقط من تسجيل إشارات النقل الخلفي للأقمار الصناعية عبر طبق استقبال واحد، جمع الباحثون أرقام هواتف أكثر من 2700 مستخدم بالإضافة إلى محتوى المكالمات والرسائل، ولكن تمكن الفريق من الاستماع إلى جانب واحد من المحادثة فقط والذي تضمن الرسائل والمكالمات المتجهة إلى الأبراج البعيدة، لا تلك المرسلة من الأبراج نحو الشبكة الأساسية، لأن ذلك يتطلب طبق استقبال آخر في موقع مختلف لاستقبال الطرف المقابل من الإشارة.
ومن جهة أخرى كشف الباحثون أن شركة الاتصالات المكسيكية "تيلميكس" (Telmex) كانت تبث مكالمات صوتية غير مشفّرة عبر الأقمار الصناعية، كما اكتشفوا أن شركة "إيه تي آند تي" (AT&T) المكسيكية كانت ترسل بيانات خام تتضمن حركة الإنترنت الخاصة بالمستخدمين، ورغم أن أغلب هذه البيانات كانت محمية ببروتوكول "إتش تي تي بي إس" (HTTPS)، فقد احتوت أيضا على بيانات وصفية تتعلق بالمكالمات والرسائل النصية، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ عثر الباحثون على مفاتيح تشفير يُعتقد أنها كانت قادرة على فك معلومات حساسة أخرى أرسلتها الشبكة.
أسرار عسكرية وحيوية حساسة بيد الباحثين
كشف جهاز استقبال إشارات الأقمار الصناعية ذو الـ800 دولار عن تسرب خطير في الاتصالات العسكرية واتصالات جهات إنفاذ القانون غير المحمية، مثل اتصالات إنترنت غير مشفرة من سفن بحرية عسكرية أميركية بالإضافة إلى أسماء السفن، أما بالنسبة للجيش والشرطة في المكسيك، فكانت الثغرات أكثر خطورة، إذ اكتشف الباحثون اتصالات مباشرة وغير مشفرة مع مراكز القيادة البعيدة ومنشآت المراقبة ووحدات عسكرية وأمنية.
إعلان
وفي بعض الحالات تضمنت تلك الاتصالات معلومات استخباراتية حساسة تتعلق بأنشطة تهريب المخدرات، كما تضمنت بيانات عن تتبع المعدات العسكرية وصيانتها، بما في ذلك طائرات مروحية وسفن حربية والمركبات المدرعة مع تحديد مواقعها وتفاصيل مهامها، وقال الباحث شولمان عقب ذلك "عندما بدأنا نرى بيانات تتعلق بطائرات مروحية عسكرية، لم يكن حجم البيانات هو ما أقلقنا، بل مدى حساسية تلك المعلومات".
ولم تقتصر المعلومات على القطاع العسكري، حيث رصد الباحثون اتصالات غير محمية تخص بنية تحتية حيوية، مثل شبكات الطاقة ومنصات النفط والغاز البحرية، وفي إحدى الحالات وجدوا أن شركة الكهرباء الفدرالية المكسيكية "سي إف إي" (CFE) المزود الرئيسي للكهرباء في البلاد ويخدم نحو 50 مليون عميل كانت تبث اتصالاتها الداخلية دون أي تشفير، وتضمنت المعلومات أوامر عمل تحمل أسماء العملاء وعناوينهم، بالإضافة إلى تقارير عن أعطال المعدات ومخاطر السلامة.
وتعقيبا على التجربة قالت نادية هينينجر أستاذة التشفير في جامعة كاليفورنيا سان دييغو والتي شاركت في قيادة الدراسة: "التصور الأمني الذي كان يدور في أذهان الجميع هو ضرورة تشفير كل شيء، لأن هناك حكومات تتجسس على كابلات الألياف الضوئية في البحر أو تُجبر شركات الاتصالات على السماح لها بالوصول إلى البيانات، ولكن ما نراه اليوم هو أن هذا النوع نفسه من البيانات يُبث إلى جزء كبير من الكوكب عبر الأقمار الصناعية".

0 تعليق