بين الخوف ورغبة النجاة.. أسباب استمرار النساء في زيجات مسيئة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

يفترض الكثيرون أن المرأة -التي تعيش في علاقة زوجية مؤذية تتعرض فيها للتهديد أو حتى الاعتداء- تختار البقاء بإرادتها، وأن لديها القدرة على إنهاء الإساءة إذا غادرت بكل بساطة. ولكن الواقع مختلف تماما.

لماذا تواصل الزوجة المعنفة البقاء؟

تبقى النساء في علاقات مسيئة لأسباب مختلفة، وقد يصعب عليهن ترك شريكهن المسيء حتى لو أردن ذلك. وكأي رباط آخر، فإن العلاقة التي تنتهي بالإساءة تبدأ بالوقوع في الحب. ولذا عندما تترسخ العلاقة، وخاصة بعد الإنجاب، غالبا ما يكون تركها أصعب لعدة عوامل، أبرزها:

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

الخوف من فقدان الأبناء دور "الأب"

قد تظن بعض المُعنفات أن الزوج يُمكن أن يكون أبا صالحا لأطفالها حتى لو أساء معاملتها، لكن الحقيقة أنه رغم ما قد يبذله أفراد الأسرة غير المُسيئين من جهود كبيرة لحماية الأطفال من آثار العنف الأسري، لكن للأسف، في معظم الحالات، يكون الأطفال على دراية كاملة بالإساءة، ويعانون من آثارها حتى لو لم يشهدوها.

ونسبة كبيرة من الأطفال الذين يعيشون مع العنف الأسري يتعرضون أيضا للإساءة، وقد يعتبر الأزواج العنيفون الأطفال وسيلة للسيطرة على الزوجة. ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن جميع الأطفال الذين يعيشون في أسر تعاني من العنف الأسري يعانون من الآثار الخطيرة، سواءً كانت الإساءة مباشرة أو غير مباشرة.

نسبة كبيرة من الأطفال الذين يعيشون مع العنف الأسري يتعرضون للإساءة (فري بيك)

الأفكار المشوهة في عقل الضحية

إن التعرّض للتحكم والإيذاء يُعدّ تجربة صادمة تترك الضحية في حالة ارتباك وتشكيك في الذات، وقد تدفعها أحيانًا إلى لوم نفسها على ما تتعرض له. ففي كثير من الأحيان يلجأ المعتدون إلى التحرش بضحاياهم ثم اتهامهم، مما يرهقهم نفسيًا ويزرع فيهم شعورًا باليأس والذنب ويشوّه إدراكهم للواقع.

فقد روت بعض الناجيات من العنف، وفقًا لتقارير معهد دراسات الأسرة الأميركي -وهو مؤسسة غير ربحية تُعنى بدعم الأسر- بقولهن "كنت أعتقد أنني أستحق ما حدث.. شعرت بالخجل والإحراج من التحدث عن الأمر لأني ظننت أنني السبب فيه".

إعلان

كما أشارت أخريات إلى أنهن اعتدن التقليل من شأن الإساءة كوسيلة للتأقلم، أو لم يُدركن أصلًا أنهن يتعرضن للعنف، خاصة في الحالات التي يعمد فيها الزوج المعتدي إلى تبرير سلوكياته عبر إلقاء اللوم على المرأة واتهامها بانعدام القيمة أو عدم استحقاق الاحترام والأمان.

وتلك الإساءة المتكررة، سواء كانت خفية أم صريحة، تسبب حالة دائمة من الارتباك والتوتر لدى الشخص المُتضرر. ومع مرور الوقت، يُصاب عقل الضحية وجسدها باضطراب كبير، مما يُصعّب عليها فهم ما يجري. ويزداد الارتباك إن كان الزوج يكرر عبارات مثل "أنا آسف" و"لن يتكرر الأمر".

ولذا عندما تعجز النساء عن إدراك الإساءة التي يتعرضن لها، يكاد يكون من المستحيل الخروج من هذه الحالة من الارتباك.

الخوف من الرحيل يفوق خشية البقاء

يساهم الخوف من خطر الأذى الجسدي والنفسي في تشويه الصورة الذاتية وجلد الذات، إذ قد يستخدمه المعتدون للسيطرة على النساء وإبقائهن حبيسات أو مجبورات على السلوكيات التي لا يقبلن بها، وتحديدا الخوف من الرحيل وإنهاء الزواج.

وتقول إحدى السيدات عن سبب استمرارها في العلاقة رغم الاعتداء المتكرر عليها "كنت خائفة منه.. وكنت أعلم أنه سيجعل رحيلي كابوسا قبيحا وممتدا أكثر من البقاء".

وبالتالي تصبح محاولة ترك المعتدي أمرا خطيرا خاصة إذا ما شعرت النساء بالفخ بسبب تهديدات الزوج بإيذاء الأطفال كورقة للضغط عليها.

بقاء المرأة في علاقة زوجية مؤذية ليس دليلاً على ضعفها بل نتيجة منظومة معقدة من الخوف (بيكسلز)

الرغبة في أن تكون المُنقذة

تصف الكثير من المعنفات بعد النجاة من علاقة زوجية مؤذية رغبتهن في مساعدة شركائهن، أو حبهن لهم، على أمل أن يتمكنوا من تغييرهم يوما ما وتعديل سلوكهم من خلال الصبر والاحتمال وتكرار المحاولات.

في حين تتحدث أخريات عن قيم أو التزامات داخلية أو حتى صور نمطية لديهن تجاه الزواج أو شريك الحياة، وذلك باعتبارات مثل قول البعض إن "الزوجة الجيدة هي التي تستمر رغم المشقات" أو "يمكنك إصلاح كل شيء بالحب والولاء" أو "أن تكوني مطلقة هو أمر أسوأ" أو "استمري من أجل أطفالك" وغيرها الكثير من المعايير التي تساهم الصور النمطية الثقافية أو الدينية المغلوطة في تعزيزها لدى الكثير من النساء حول العالم، وتحديدا في الدول العربية والشرق الأوسط.

استمرار النمط بين الأجيال المتتابعة

نشرت الكثيرات وصفا لكيفية تأثير تجارب العنف السابقة على شعورهنّ بذواتهنّ أو علاقاتهنّ الصحية أو حتى على مفاهيم مثل العلاقة المفترضة بين الرجل والمرأة. تقول إحداهن "شاهدتُ والدي يضرب أمي طوال حياتي. ثم وجدت شخصا يُشبه أبي تماما ويفعل مثله" أو "لأن من يُربّى على يد الحيوانات، يُعاشر الذئاب". وذكرت بعضهن ضغوطا عائلية ودينية "أخبرتني أمي أن الله سيغضب مني إذا فسخت زواجي، وأنها بدورها ستغضب عليّ".

لن يصدقها أو يدعمها أحد

عندما تلجأ المرأة إلى الأصدقاء أو العائلة أو غيرهم طلبا للمساعدة، فقد يتجنبونها، أو ينبذونها، أو يلومونها، أو يضغطون عليها للبقاء، أو يردون عليها بطرق أخرى متنوعة قد تُسبب ضررا وتهديدا إضافييَن.

المخاوف والقيود المالية

أخيرا يمكن للإساءة والضغوطات المادية أن تلعب دورا مهما، وهي مشكلة موجودة في جميع حالات العنف المنزلي تقريبا. كما يُمارس المُسيء ببطء ومنهجية سيطرة متزايدة على الشؤون المالية خاصة عندما يشعر بالقلق من رحيل الزوجة.

إعلان

ولذلك حينها قد لا يبدو قرار المغادرة خيارا مُجديا، لأنها لن تستطيع تخيل كيف ستُعيل نفسها وأطفالها إذا كان لديها أطفال.

الحاجة إلى الكثير من الدعم والتفهُّم

في ضوء ما سبق، يتضح أن بقاء المرأة في علاقة زوجية فاشلة أو مؤذية ليس قرارا بسيطا أو نابعا من ضعف شخصية، بل نتيجة شبكة معقدة من الضغوطات التي تتقاطع لتقييد حركتها وتشل قدرتها على اتخاذ القرار.

ولذلك، من المهم فهم هذه العوامل ليس تبريرا لاستمرار العنف، بل للنظر إلى الضحية بإنسانية أكبر، وإدراك حجم الألم والخوف والارتباك الذي تعيشه، ولاستيعاب دور الفرد والمجتمع في تقديم دعم حقيقي للمرأة، يتجاوز اللوم والإنكار.

0 تعليق