مراسلو الجزيرة نت
Published On 21/11/202521/11/2025
|آخر تحديث: 16:15 (توقيت مكة)آخر تحديث: 16:15 (توقيت مكة)
موسكو – في قرار من شأنه زيادة التوتر في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وتعميق الأزمة مع المعارضة، أعلنت السلطات في جورجيا أنها قررت عدم السماح لمواطنيها بالتصويت في الخارج.
وقال رئيس البرلمان الجورجي شالفا بابواشفيليان إن القرار جاء تحسبا من تعرض الناخبين لضغوط خارجية، وأوضح أن "الانتخابات البرلمانية لعام 2024 أظهرت مدى قسوة الضغط الإعلامي والسياسي عليهم، وبالتالي سيتعين على المواطنين الجورجيين العودة إلى البلاد والإدلاء بأصواتهم في مكان تسجيلهم".
ووفقا له، فإن الجورجيين المقيمين في الخارج قد يتلقون معلومات مضللة حول الأحداث الجارية في البلاد. لكنه أشار إلى أن حظر التصويت يتوافق مع المعايير الدولية، وهو ساري المفعول في بلدان كأرمينيا وأيرلندا ومالطا.
ازدواجية التوجه
وتتعرض تبليسي (العاصمة الجورجية) لاتهامات بشن سلسلة هجمات على مصالح الاتحاد الأوروبي في البلاد، كما حصل عندما أوقفت الحكومة ما يُسمى بمكتب مكافحة الفساد، المُنشأ بناءً على توصية من الاتحاد، عن العمل في جورجيا، ونقلت مهامه إلى ديوان المحاسبة.
وبدأت الأزمة بين الطرفين تتفاقم عقب الانتخابات البرلمانية التي أُجريت العام الماضي، والتي تبعها قرار السلطات الجديدة في تبليسي ممثلة في حزب "الحلم الجورجي" بتعليق انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي.
وكانت الجمهورية السوفياتية السابقة الواقعة في جنوب القوقاز قد حصلت على وضع مرشح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول 2023، لكن بروكسل اتهمت جورجيا هذا الشهر بـ"تراجع ديمقراطي خطير"، وقالت إنها تعتبرها الآن دولة مرشحة "اسميا فقط".
وتجد جورجيا نفسها في وضع جيوسياسي معقد بين موسكو والغرب. فمن جهة، تجاور روسيا وتعارض الانضمام إلى العقوبات الغربية ضدها. ومن جهة أخرى، تسعى للاندماج في الهياكل الأوروبية كالاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، مما يُنشئ سياسة "مزدوجة الاتجاه"، حيث تسعى إلى الموازنة بين هذين الجانبين من خلال المحافظة على العلاقات مع موسكو، وفي الوقت نفسه تعزيز روابطها مع الغرب.
مفترق طرق
يرى محلل شؤون دول جنوب القوقاز ألكسندر يودين أن القرارت الأخيرة في جورجيا، والتي لاقت انتقادا شديدا من الاتحاد الأوروبي، تأتي في سياق إعادة ضبط التوجه نحو المؤسسات الغربية، بحيث لا تؤدي إلى التفريط في العلاقات مع الجار التاريخي الممثل في روسيا والتحول إلى ضحية للتجاذب بين موسكو وبروكسل.
إعلان
وبحسب تحليله للجزيرة نت، فإن القرار الأخير بمنع الناخبين من التصويت في الخارج جاء ردا على قطع الاتحاد الأوروبي علاقاته مع الحكومة الجورجية ومحاولة نزع الشرعية عن دولة كانت تُعد أقرب شريك سياسي له في جنوب القوقاز.
ووفق يودين، فإن قرار الاتحاد الأوروبي بتجميد انضمام جورجيا، والتصريحات الصادرة عن المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي والتي تُبطل شرعية الانتخابات البرلمانية والرئاسية الجورجية لعام 2024، والتهديدات بفرض عقوبات على المسؤولين الحكوميين، وفرض قيود على تأشيرات السفر للدبلوماسيين والمواطنين الجورجيين، كلها أمور قد أضرت بشدة بمصداقية الاتحاد، وقوضت التعاون في جميع المجالات من الاقتصاد إلى السياسة.
ويضيف أن الاتحاد الأوروبي، من خلال تطبيق معايير دون إستراتيجية واضحة أضعف شركاءه في جورجيا ومكّن القوى المعارضة له فيها، ويخاطر بذلك بفقدان موطئ قدمه في واحدة من أهم جمهوريات جنوب القوقاز، والتسبب بإحداث فراغ جيوسياسي لصالح موسكو.
مظاهرات ومواجهات واسعة في جورجيا بعد تعليق مفاوضات الانضمام للاتحاد الأوروبي pic.twitter.com/4A6KitkfZB
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) November 29, 2024
سياسات متهورة
من جانبه، يوضح المتخصص في الشؤون الجورجية غيفي أباشيدزه أن الخلاف الدبلوماسي المتواصل بين تبليسي وبروكسل انفجر لأول مرة في عام 2022، عندما أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى زعزعة الأمن الإقليمي وغيرت ميزان القوى في الجوار الشرقي لأوروبا بشكل كبير، مما أعطى زخما للتكامل الأوروبي الأطلسي من السويد عبر مولدوفا إلى البوسنة والهرسك.
يقول أباشيدزه: لقد بدا وكأن الوقت قد حان لجورجيا لتحويل شراكتها الأوروبية والأطلسية التي اكتسبتها "بشق الأنفس" إلى شراكة سياسية واقتصادية شاملة، وللاتحاد الأوروبي لتعزيز نفوذه وتوسيع نطاق وجوده الجيوسياسي المحدود في جنوب القوقاز.
لكن الخطأ الذي ارتكبه الاتحاد -حسب أباشيدزه- يكمن في أن بروكسل، وبدلا من ترشيح جورجيا للانضمام له في عام 2022، ضغطت على تبليسي للانضمام إلى نظام العقوبات على روسيا، مما أدى إلى سلسلة من الأحداث التي تسببت بدورها في تأزيم العلاقات الثنائية وانعدام تام للتواصل بين الطرفين.
ويقول إن قرار السلطات في جورجيا جاء في سياق تصعيد مستمر للصراع مع بروكسل، وتغذيه إشارات الخلاف المتبادلة المتكررة مثل قرار المفوضية الأوروبية بعدم دعوة تبليسي إلى المنتديات السياسية الرفيعة المستوى، وانضمام رئيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى المتظاهرين في الشوارع المطالبين بالإطاحة بالحكومة، مما أدى إلى قرارها بعدم حضور الجمعية البرلمانية الأوروبية واتخاذها قرارات موجهة بالأساس ضد السياسات الغربية.
ويختم المحلل بأن ذلك قد يؤدي إلى تهديدات إستراتيجية وأمنية خطيرة للاتحاد الأوروبي في جورجيا، التي تُعد منطقة ذات أهمية جيوستراتيجية رئيسية بوصفها موطنا لممرات النقل والبنية التحتية للطاقة الحيوية لمستقبل سلاسل التوريد الأوروبية الآمنة والمستقرة، خاصة في ضوء العقوبات التي ينفذها الاتحاد ويخطط لها على النقل عبر موسكو لإنهاء جميع واردات الوقود الأحفوري الروسية بحلول نهاية عام 2027.
إعلان

0 تعليق