يقدم قرار مجلس الأمن الدولي (2803) بشأن غزة نفسه كاستجابة دولية متوازنة لما بعد حرب الإبادة على غزة، وكأنه حصيلة إجماع عالمي على "إنهاء نزاع" أنهك الجميع. غير أن بنيته الداخلية تكشف عن محاولة منظمة لتحويل عجز إسرائيل عن تحقيق أهداف الحرب عسكريا إلى إنجاز سياسي-أمني، عبر مسار دولي مغلف بخطاب "السلام والازدهار" و"إعادة الإعمار".
فمنذ السطور الأولى، حين يرحب القرار "بالخطة الشاملة لإنهاء النزاع في غزة" ويثني على "إعلان ترامب التاريخي من أجل السلام والازدهار الدائمين"، يتضح أننا لسنا أمام إطار جديد، بقدر ما نحن أمام شرعنة أممية لخطة أميركية صممت بالتنسيق مع إسرائيل، ثم رفعت إلى مرتبة قرار ملزم تحت مظلة الفصل السابع، وإن لم يعلن ذلك صراحة.
فالقرار ينطلق من تشخيص "الحالة" في قطاع غزة بوصفها تهديدا لـ"السلم في المنطقة وأمن الدول المجاورة"، في محاولة لإعادة إنتاج الدعاية الإسرائيلية-الغربية التي تختزل جوهر الصراع من واقع احتلال استيطاني طويل الأمد لأرض وشعب، إلى "حالة تهديد" صادرة عن قطاع صغير ينبغي ضبطه أمنيا.
ومن هذا التشخيص ينتقل القرار إلى ما يسميه "الخطة الشاملة لإنهاء النزاع في غزة"، حيث إن اختيار كلمة "النزاع" بدلا من الاحتلال أو الاستعمار يعيد تسويق الدعاية ذاتها التي تصور المشكلة كـ "صراع" بين طرفين متماثلين، لا كبنية استعمارية مفروضة بالقوة على الشعب الفلسطيني.
وبدلا من الحديث عن إنهاء الاحتلال، يتحدث القرار عن "إعادة تطوير غزة" و"إعادة إعمارها"، كأن القضية الأساسية هي الضرر العمراني الذي لحق بالقطاع، لا العنف الكامن في بنية السيطرة العسكرية والسياسية التي أنتجت هذا الخراب.
وفي هذا السياق تغيب تسمية إسرائيل كقوة احتلال، ويختفي أي اعتراف بما جرى كحرب إبادة وحصار وتجويع وتهجير، ليحل مكانه قاموس "السلم والتعايش" الذي يساوي بين الضحية والجلاد، ثم يقدم المسار المقترح بوصفه مخرجا "عقلانيا" لتحقيق "الاستقرار"، بينما هو عمليا إعادة تركيب لبنية السيطرة ذاتها، لكن بأدوات أكثر ثباتا وشرعية.
إعلان
اللافت أن القرار يعلن أن الأطراف قبلت بالخطة الشاملة ويدعوها لتنفيذها "بحسن نية ودون إبطاء"، من دون أن يوضح من هم هؤلاء الأطراف، أو كيف يمكن أن يقبل الشعب الفلسطيني بخطة تعيد صياغة مصيره لسنوات قادمة، وتستبدل مبدأ تقرير المصير، كما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة نفسها، بمنطق وصاية دولية صريح، يتحول فيها الفلسطيني من صاحب حق سياسي في التحرير والعودة، إلى متلقٍ لخدمات وإغاثة وبرامج "تنمية" تقرر من فوق.
انطلاقا من ذلك، يصعب قراءة القرار بوصفه خطة "استقرار وإعمار"، بل كصيغة محدثة لإدارة استعمار غزة وتطويعها وفق الرؤية الأمنية الأميركية- الإسرائيلية، يتم بموجبها تجريد المقاومة من سلاحها وشرعيتها، وتحويل غزة إلى مختبر لاقتصاد تابع محكوم بمعادلة صريحة: أمن الاحتلال أولا، ومعيشة الفلسطينيين ثانيا.
على مستوى اللغة، تؤسَس بنية القرار على شبكة من المصطلحات التي تبدو تقنية أو إنسانية، لكنها توظف عمليا كأدوات تضليل. فعبارة "خطة ترامب للتنمية الاقتصادية" التي تتكرر في النص أكثر من مرة، يتم ربطها بشبكة مصطلحات من نوع "تطوير"، "حوكمة"، "تعافٍ اقتصادي"، "ازدهار"، بحيث تعيد إدخال خطاب "السلام الاقتصادي" القديم في غلاف أممي جديد؛ لا سيادة، لا حقوق سياسية، لا حق في مقاومة الاحتلال، بل "منطقة اقتصادية خاصة" بمعايير جمركية تفضيلية لجذب الاستثمار.
تتحول غزة داخل هذه الشبكة من ساحة مقاومة إلى "فرصة استثمارية"، ومن شعب يسعى للتحرر إلى "يد عاملة" في مشروع إعادة تشكيل اقتصادي يدار من خارجها.
حتى عبارة "غزة الجديدة"، المقرونة بضرورة "التعايش السلمي مع جيرانها"، تعكس محاولة واعية لهندسة هوية مقطوعة عن سياقها الوطني الفلسطيني الأوسع. إذ يتعامل القرار مع غزة كملف منفصل عن بقية فلسطين. لا ذكرَ جديا للضفة الغربية أو القدس أو حق اللاجئين في العودة أو بنية الاستيطان. هذا الفصل يفرغ أي حديث عن "دولة فلسطينية" من محتواه، ويحوله إلى أداة لإدارة الصراع في غزة لا لحل القضية الفلسطينية.
ما يعزز هذه النزعة، أن "تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية" ينص عليهما القرار بوصفهما مسارا محتملا لا حقا مبدئيا، إذ يربط تحققهما بسلسلة من الاشتراطات المفتوحة التي لا يملك الفلسطيني أي قدرة على تعريف معناها أو تقييم مدى تحققها.
فعبارات مثل "إصلاح السلطة على نحو مرضٍ"، و"تقدم أعمال إعادة تطوير غزة"، و" استعادة السيطرة على غزة بشكل آمن وفعال"، تترك بلا معايير معلنة، ما يجعل تعريفها وتفسيرها حكرا على الطرفين الأكثر سيطرة: إسرائيل والولايات المتحدة.
وبهذا تعلق الحقوق الجوهرية في فضاء غموض قانوني وزمني، يتيح للتقادم أن يفرغها من معناها، بينما يجبر الفلسطيني على امتثال طويل الأمد، ويخضع لاختبارات هندسة أمنية-اقتصادية تحدد إسرائيل سقوفها، وتعيد واشنطن صياغتها وفق متطلبات لحظة سياسية متغيرة.
أي إننا أمام تكرار لمنطق أوسلو، عبر إعادة إنتاج نموذج "الإدارة الانتقالية" ذاتها التي مزقت القضية والمجتمع الفلسطيني من الداخل، وسمحت للاحتلال بتوسيع الاستيطان، وترسيم الوقائع من طرف واحد.
إعلان
كما أن القرار يعزل السلطة الفلسطينية عن الخطة إلى حين تحقيق شروط الإصلاح المبهمة، ويستبعد حماس والفصائل من المجال السياسي ويمنع مشاركتهم في أي شكل من أشكال الحكم، ما يعني عمليا أن الإرادة الوطنية الفلسطينية، سواء تجسدت في المقاومة أو في تمثيل سياسي منتخب، تستبعد لصالح تحالف دولي- إقليمي فوق وطني يملك المال والسلاح وشرعية القرار.
أما الهندسة المؤسسية التي يطرحها القرار عبر "مجلس السلام" فتمثل قلب المشروع وعصبه. فهذا المجلس يقدم بوصفه سلطة حاكمة فعلية على غزة، يمتلك صلاحيات وسلطات تصرفية عمودها الأمن والمال. ما يرسم هنا أقرب إلى نظام وصاية دولية متكامل، يعيد إنتاج نماذج الانتداب في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن بلغة "إعادة الإعمار" و"الحوكمة الحديثة".
فالقرار يشير بوضوح إلى أن المجلس "يشرف ويدعم لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية"، ما يعني إسناد إدارة غزة إلى نخبة تكنوقراطية بلا مشروع وطني تحرري، تختارها وتمولها وتراقبها بنية الوصاية الدولية، وتختزل صلاحياتها في الإدارة وتقديم الخدمات. أي إننا أمام محاولة منهجية لتجريد المجتمع الفلسطيني من السياسة، وتحويل الفعل السياسي إلى خدمة مدنية، فيما تحتكر القرارات السيادية في مجلس السلام، وقوة الاستقرار والمانحين.
الهندسة تمتد أيضا إلى المجال التربوي والثقافي عبر إنشاء "مسار للحوار بين الأديان قائم على قيم التسامح والتعايش السلمي"؛ بهدف "تغيير العقليات والسرديات". تبدو اللغة محايدة وإيجابية، لكنها في سياق الخطة تعمل كأداة لإعادة تشكيل الوعي العام بما ينسجم مع منطق "غزة الجديدة"؛ تحويل المقاومة إلى خطاب كراهية، وإعادة تأطير التكيف مع الواقع الاستعماري بوصفه "تسامحا".
وإذا استحضرنا تجربة "مشروع دايتون" في الضفة، الذي أعاد بناء أجهزة أمنية عقيدتها الأساسية "التنسيق الأمني"، بدا واضحا أن الخطة تحاول توسيع هذا المنطق، بحيث يشمل إعادة إنتاج جيل جديد يتشكل وعيه ضمن معادلة الهدوء مقابل تحسينات اقتصادية.
التجربة التاريخية تقول بوضوح إن القرارات التي تتجاهل حقيقة الاستعمار الاستيطاني ولا تعترف بحق الشعوب في التحرر قد تفرض وقائع مرحلية، لكنها لا تستطيع أن تمحو شعب أو تصادر حقه في المقاومة والتحرر
وفي صلب هذه الهندسة يقف بند نزع السلاح باعتباره الشرط المؤسس لـ"غزة الجديدة". فالقرار ينص على أن قوة الاستقرار تعمل على "ضمان نزع السلاح… وتدمير البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية"، فيما يكرر مرفق القرار أن الأنفاق ومرافق إنتاج السلاح "ستدمر ولن يعاد بناؤها"، وأن عملية الإخراج الدائم للأسلحة ستكون تحت إشراف مراقبين مستقلين وبرامج تمويل دولية.
وبهذا يتحول نزع السلاح إلى عملية اجتثاث كاملة، تسبق أي نقاش حول التحرير أو السيادة أو الحقوق التاريخية، وهذا الاجتثاث لا يستهدف سلاح المقاومة وحسب، بل يجرم فكرة المقاومة ذاتها، ويعيد تعريف كل أدوات الدفاع عن النفس بوصفها "إرهابا".
وفي المقابل، يغيب تماما أي ذكر لإرهاب الدولة الذي مارسته وتمارسه إسرائيل بلا مساءلة. وهذا التعريف يتقاطع مع فكرة "العفو" التي تعرضها الخطة على أعضاء حركات المقاومة إذا ما التزموا "بالتعايش السلمي"، وهنا يتكشف منطق المقايضة المقترح: تفكيك المشروع الوطني التحرري مقابل تسوية فردية-وظيفية تخرج المقاومة من الحقل السياسي، وتحولها إلى "مشكلة أمنية" تعالج بالعفو المشروط أو العقوبة.
حتى في البنية الأمنية الداخلية، يعاد تعريف "الأمن الفلسطيني" عبر إنشاء قوة شرطة فلسطينية جديدة، "مدربة ومدقق في أفرادها"، تعمل بالتنسيق مع قوة الاستقرار، وإسرائيل، ومصر. الهدف هنا ليس بناء منظومة أمنية وطنية بقدر ما هو إنشاء جهاز وظيفي ينسق أمنيا مع الاحتلال لنزع السلاح ومنع أي عودة للمقاومة بوصفها "تهديدا إرهابيا".
يستكمل القرار منطق نزع السلاح بصيغة انسحاب إسرائيلي مشروط ومفتوح على إعادة التدخل متى شاء الاحتلال. فهو ينص على أنه "ومع إحكام القوة سيطرتها وإرساءَها الاستقرار، تنسحب قوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة وفق معايير ومحطات زمنية مرتبطة بعملية نزع السلاح… باستثناء وجود محيط أمني سيظل قائما إلى حين تأمين غزة على نحو كافٍ من أي تهديد إرهابي متجدد".
إعلان
المعنى واضح هنا، أن الانسحاب ليس حقا للفلسطينيين ولا التزاما محدد الزمن، بل أداة ضغط تفاوضية مرتبطة حصرا بمعايير يحددها الطرف الأقوى، إذ إن هذا النص يترك هامشا واسعا لوجود عسكري دائم عند أطراف القطاع، مع إمكانية إعادة التوغل متى رأت إسرائيل ذلك "ضرورة".
الأخطر أن القرار يفتح الباب لإعادة تقسيم غزة ذاتها إلى مناطق "صالحة" وأخرى "خارجة عن القانون". ففي مرفق القرار يرِد أنه "وفي حال تأخرت حركة حماس أو رفضت هذا المقترح، فإن ما سبق، بما فيه العملية الموسعة للمساعدات، سينفذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي تسلم من قوات الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية".
هذا التقسيم يتيح إنشاء جيوب داخل القطاع تطبق عليها ترتيبات "غزة الجديدة" قبل غيرها، وتفضل في الإعمار والمساعدات والاستثمار. بذلك يتحول الحصار الجماعي إلى أداة تفكيك اجتماعي-جغرافي، تعاد عبرها صياغة القطاع في صورة "كانتونات" داخلية يكافأ المتعاون منها مع بنية الوصاية، فيما تترك المناطق الأخرى لعقاب جماعي وإفقار منهجي.
ولا يخفي القرار ارتباطه العضوي بمشروع ترامب الأوسع. فالديباجة ترحب بـ"إعلان ترامب التاريخي من أجل السلام والازدهار الدائمين"، والمتن يحيل صراحة إلى "خطة السلام للرئيس ترامب لعام 2020" و"خطة ترامب للتنمية الاقتصادية"، حيث يستخدم مسار غزة لتلميع مشروع تطبيع إقليمي أوسع.
فالخطة لا تنظر إلى غزة بوصفها ملفا منفصلا، بل كحلقة أولى في إطار إقليمي يعاد فيه ترتيب العلاقة بين إسرائيل وعواصم المنطقة ضمن معادلة: أمن إسرائيل مقابل أدوار وظيفية وتمويل ومكاسب اقتصادية.
هنا تصبح غزة بوابة اختبار رمزية: إن نجحت "غزة الجديدة"، تقدم دليلا على قابلية مشروع "السلام الاقتصادي" للتعميم وتعميق التطبيع والاتفاقات الأبراهامية، بما يشكل امتدادا عمليا لـ"صفقة القرن"، لكن بأدوات جديدة تستثمر في خراب الحرب لتثبيت "صفقة ما بعد الحرب".
ما هو أبعد من القرار ونصوصه التقنية، يكشفه موقف السلطة الفلسطينية المرحب بالقرار، وهو تعبير مكثف عن بنية السلطة الوظيفية وعن عمق عطبها السياسي. فمجرد الترحيب يمنح الخطة غطاء فلسطينيا رمزيا يسهل تسويقها كمسار سياسي، لا كبنية وصاية أمنية تعيد إنتاج السيطرة بأدوات دولية.
المفارقة أن القرار نفسه يستبعد السلطة من الخطة، ويؤسس عمليا لانسلاخ ولايتها عن القطاع، ويكرس فصل غزة عن الضفة إداريا وماليا وسياسيا وديمغرافيا، ومع ذلك اختارت السلطة التفاوض على موقع لها داخل منظومة مرسومة سلفا، لا على مضمون هذه المنظومة ولا على شروطها المؤسسة.
صحيح أن النص يترك الباب مواربا أمام "عودة السلطة إلى غزة" بعد استكمال إصلاحات خارجية، لكن هذه الإصلاحات لا تستند إلى رؤية وطنية ولا إلى إطار زمني أو سياسي محدد، بل تحال إلى "مقترحات مختلفة"- من خطة ترامب إلى المقترح السعودي-الفرنسي؛ أي إلى شروط تصاغ خارج أي مسار تحرري فلسطيني، وتتحكم إسرائيل في تفسيرها وتحديد مستوى تحققها.
وبهذا يصبح تعليق دور السلطة على "الإصلاحات" مساويا لعزلها الفعلي عن الخطة، وتثبيت موقعها كهيئة تابعة تنتظر تصديقا خارجيا قبل السماح لها باستعادة أي دور في مصير القطاع.
ولا يبدو الدور العربي والإسلامي أقل إشكالية، خصوصا أن القرار يقدم هذا الدور بوصفه "شريكا إقليميا" أو "داعما ماليا" للجنة التكنوقراطية وصندوق الإعمار وقوة الاستقرار. هذا التموضع لا يعبر عن إرادة عربية إسلامية فاعلة بقدر ما يعكس تسليما لابتزاز وقف الحرب وإنهاء الإبادة وتهدئة الميدان بأي ثمن.
تحت ضغط هذا الابتزاز، توقع العواصم على مقاربة تمنح الخطة غلافا إقليميا من دون أن تلامس أصل المشكلة، أو تفكك البنية التي أنتجت الإبادة. وبدلا من صياغة موقف يرفض نزع السلاح ومنطق الوصاية، ويعمل على تفكيك الاستيطان والحصار أو حماية الحقوق الفلسطينية، يصبح الحرص على "الاستقرار" مدخلا للتفريط في هذه الحقوق وتثبيت وقائع ما بعد الحرب.
هكذا تتحول المشاركة العربية الإسلامية، إلى غطاء لخطة تعيد إنتاج الظروف ذاتها التي مهدت للكارثة، وتغلق الباب أمام تشكل جبهة عربية إسلامية قادرة على مواجهة مسار يعمق الأزمة ولا يحلها.
مع ذلك، يحمل القرار في داخله بذور فشله. فالتناقض المركزي فيه أنه يعد بـ"السلام والاستقرار"، لكنه يتجاهل طبيعة الصراع بوصفه صراع تحرر من استعمار استيطاني، ويتجاوز الأسباب التي ولدت المقاومة: النكبة والتهجير والاحتلال والاستيطان والحصار والقتل المنهجي، وتجريد المجتمع من حقوقه الأساسية. فالاستقرار الذي يقترحه القرار ليس استقرارا عادلا، بل هدوءا مفروضا بقوة السلاح والمال.
إعلان
لذلك يصعب تخيل قبول طويل الأمد بهذه الهندسة؛ شعب واجه حرب إبادة بهذا المستوى، وقدم هذا القدر من التضحيات، لا يمكن أن يرى في نزع سلاحه وتسليم أمنه لقوة دولية تعمل مع إسرائيل "حلا عادلا".
بالنسبة لقوى المقاومة، يقرأ نزع السلاح كدعوة صريحة للاستسلام، لا كبداية لمسار سياسي متوازن. أي إن فرض هذه الهندسة بالقوة سينتج بالضرورة أشكالا جديدة من المقاومة، سرية وعلنية.
لا ينكر أحد الحاجة إلى إعادة الإعمار وإغاثة الناس المحاصرين أو إلى إدارة مرحلة ما بعد حرب الإبادة، لكنه إعمار مرتبط بمشروع التحرير ولا ينفصل عنه. من هذا المنظور، أي إعادة إعمار تبنى على نزع سلاح المقاومة ووضع غزة تحت وصاية مجلس دولي، هي إعادة إعمار لهيكل السجن لا لتحرير السجناء.
والتجربة التاريخية تقول بوضوح إن القرارات التي تتجاهل حقيقة الاستعمار الاستيطاني ولا تعترف بحق الشعوب في التحرر، قد تفرض وقائع مرحلية، لكنها لا تستطيع أن تمحو شعبا أو تصادر حقه في المقاومة والتحرر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق