تسببت تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أزمة إعلامية حادة بين واشنطن وأبوجا، حيث لوّح بالتدخل العسكري في نيجيريا لوقف ما وصفه بـ”القتل القياسي” للمسيحيين على أيدي جماعات مسلحة “متطرفة”.
واستعرض برنامج "المرصد" في حلقة (2025/11/24) تفاصيل هذا التوتر الذي تحول إلى حرب مصطلحات بين وسائل الإعلام الأميركية والنيجيرية، حيث استخدمت منابر إعلامية غربية مصطلح "الإبادة الجماعية" لوصف ما يجري في نيجيريا، في حين رفضت وسائل إعلام نيجيرية هذا التوصيف بشدة ووصفته بالمغالطة التامة.
وجاءت تصريحات ترامب بعد أيام من هجمات دموية شنها مسلحو جماعة "بوكو حرام" ومجموعات منشقّة عنها في 4 مقاطعات شمال شرقي البلاد، استخدموا خلالها طائرات مسيّرة وأحرقوا ثكنة عسكرية.
ووصف الرئيس الأميركي نيجيريا بأنها تشهد تعصبا دينيا خطِرا يستهدف المسيحيين، محذرا من أن بلاده قد تتحرك "بشكل عنيف عسكريا" إن لم تتخذ الحكومة النيجيرية إجراءات فورية.
وفي سياق متصل، رد الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو بحزم على هذه الاتهامات، معتبرا أن وصف بلاده بالتعصب الديني لا يعكس الواقع الوطني ولا جهود حكومته لحماية حرية الدين والمعتقدات لجميع النيجيريين.
وأكدت مصادر حكومية نيجيرية أن العمليات الإرهابية تستهدف الجميع دون تمييز بين مسيحيين ومسلمين، وأن معظم ضحايا "بوكو حرام" هم من المسلمين أنفسهم.
وكشف تقرير لشبكة "سي إن إن" أن تركيز ترامب على أوضاع المسيحيين في نيجيريا جاء بعد مشاهدته تقريرا إخباريا على قناة "فوكس نيوز" أثناء سفره لقضاء إجازته الأسبوعية.
ووصفت مصادر مطلعة هذه الخطوة بإستراتيجية "فن الصفقات"، حيث أراد الرئيس الأميركي لفت نظر العالم إلى نزاع سبق له أن فكّر بالتوسط لحله، في تكتيك شبيه بما استخدمه مع زعماء كوريا الشمالية وأوكرانيا.
وعلى صعيد ردود الفعل الداخلية، انقسمت الآراء في المجتمع النيجيري بين مؤيد للتدخل الأميركي كوسيلة لإنهاء غياب الأمن، ورافض كليا له تمسكا بسيادة الدولة، في حين ذهبت آراء أخرى نحو الترحيب بالمساعدة العسكرية الأميركية شرط عدم المساس بالسيادة الوطنية.
وأعربت أصوات سياسية ودينية نيجيرية عن تخوفها من "اجتياح أميركي" قد يعيد سيناريوهات التدخلات العسكرية الكارثية في المنطقة.
سياحة القنص
ومن جهة أخرى، تناول البرنامج في جزئه الثاني ملفا مروعا من سجلات الحرب البوسنية، حيث أعلن المدعي العام في ميلانو فتح تحقيق جنائي حول ما بات يُعرف بـ"سياحة القنص البشري" في سراييفو إبان حصار المدينة بين عامي 1992 و1995.
وأظهرت التحقيقات الصحفية أن أثرياء أوروبيين، بينهم إيطاليون، دفعوا مبالغ ضخمة قد تصل إلى 100 ألف يورو يوميا لقوات صرب البوسنة مقابل السماح لهم بقنص السكان البوسنيين المحاصرين داخل المدينة كنوع من الترفيه والتسلية.
وكانت تكلفة قنص الأطفال هي الأعلى مقارنة بكبار السن، في جريمة وصفها المدعي العام الإيطالي بأنها تهدف لـ"إرضاء النزعة الوحشية والخسيسة".
وفي إطار التحقيق، قدّم الصحفي الإيطالي إيزيو غافاتسيني، الذي أمضى سنوات طويلة في جمع أدلة وشهادات مصورة ووثائق، دعوى قضائية تاريخية في فبراير/شباط 2025.
وسلط غافاتسيني الضوء على شبكة معقدة من السياح الأجانب الذين سافروا من مطارات أوروبية لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في يوغسلافيا السابقة، حيث كانوا يُصطحَبون إلى التلال المحيطة بسراييفو ويطلقون النار على المدنيين المحاصرين.
وأثارت التحقيقات الصحفية جدلا واسعا خاصة بعد نشر صحيفة "التلغراف" البريطانية اتهامات للرئيس الصربي الحالي ألكسندر فوتشيتش بالمشاركة في هذه الرحلات، استنادا إلى وثائق وصور وفيديوهات قدمها الصحفي الاستقصائي الكرواتي دوماغوي مارغيتيتش.
ونفى فوتشيتش بشدة كل الاتهامات ووصفها بـ"التضليل الخبيث" الهادف لتقويض مصداقية بلاده.
وعلى المستوى التاريخي، كشف البرنامج أن أخبار القناصة السياح ليست جديدة بالكامل، بل ظهرت لأول مرة في 30 مارس/آذار 1995 ضمن مقال في صحيفة "لا ستامبا" الإيطالية للمراسل الحربي جوزيبي زاكاريا، لكنها طُمست على مر السنين بسبب الفظائع الأخرى التي استأثرت بالأضواء خلال الحرب البوسنية، لا سيما مجزرة سربرنيتسا.
وأكد ضباط مخابرات بوسنيون سابقون وجود وثائق رسمية تثبت هذه الجرائم، في حين تنشط رئيسة بلدية سراييفو السابقة بنيامين كاريتش في تجميع الوثائق لتحريك الملف داخل البوسنة وأمام المحاكم الأوروبية.
يذكر أن حصار سراييفو استمر 1425 يوما، وخلّف نحو 14 ألف ضحية، من بينهم 250 شخصا قُتلوا بالقنص، معظمهم من الأطفال.
Published On 25/11/202525/11/2025
|آخر تحديث: 01:23 (توقيت مكة)آخر تحديث: 01:23 (توقيت مكة)


0 تعليق