لا تبدو المستكة للوهلة الأولى أكثر من حبيبات شفافة صغيرة تشبه قطرات الندى المتصلبة، لكن خلف هذا الشكل البسيط تختبئ رحلة عمرها 2500 عام جمعت بين السحر العطري والتاريخ العميق والاستخدامات الطبية المبكرة.
كانت المستكة يوما رمزا للقيمة والوجاهة في جزيرة خيوس اليونانية، قبل أن تتحول إلى مكون فريد في المطابخ العربية والمتوسطية.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listواليوم، تعود "دموع خيوس" إلى الواجهة كأحد المكونات الطبيعية التي تثير اهتمام الباحثين لخصائصها الصحية، خاصة في الجهاز الهضمي وصحة الفم وانتظام الدهون.
هذا المزيج من التاريخ والعلم جعل المستكة تدخل قوائم الأغذية الوظيفية، تلك التي تقدم قيمة غذائية وطبية في آن واحد، وتدفع الكثيرين إلى السؤال: ماذا يمكن لهذه الحبيبات العطرية أن تفعل لجسمنا؟ وكيف ندمجها بسهولة في طعامنا اليومي؟
المستكة.. رحلة من شجرة المتوسط إلى المائدة
المستكة هي صمغ طبيعي يُستخرج من شجرة المصطكى الشيّاني التي تنمو حصريا في جنوب جزيرة خيوس اليونانية.
وعند تجريح جذع الشجرة تسيل قطرات صمغية شفافة تتصلب مع الوقت لتتحول إلى ما تُعرف بـ"دموع خيوس"، وهو الاسم الذي اكتسبته بسبب شكلها المتدلي الذي يشبه الدموع وطبيعة تكونها التدريجي تحت الشمس.
وتمتاز المستكة بنكهة فريدة تجمع بين الصنوبر والحمضيات والعطور العشبية، مما جعلها مكونا مميزا في الطهي وصناعة العلكة والبخور والعطور منذ العصور القديمة.
وتكشف تركيبة المستكة الكيميائية الغنية بالتربينات ومضادات الأكسدة عن خصائص صحية متعددة دفعت مجلات علمية مرموقة إلى دراسة تأثيراتها المحتملة على الهضم وصحة الفم ومستويات الدهون في الدم، مما أعادها إلى الواجهة كعنصر طبيعي يجمع بين النكهة والفائدة.
فوائد المستكة
تُعد المستكة من أكثر المكونات الطبيعية دراسة في مجال الهضم، وتشير أبحاث منشورة في المكتبة الوطنية الأميركية للطب إلى أن المستكة تساعد في:
إعلان
تخفيف عسر الهضم. تقليل الانتفاخ. تقليل آلام المعدة. حماية بطانة المعدة من الالتهاب.كما درست أوراق علمية عدة تأثير المستكة على بكتيريا الملوية البوابية أو ما تُعرف بـ"جرثومة المعدة" المسببة لقرحة المعدة، ووجدت أن لها خصائص مضادة لهذه البكتيريا، لكن الأدلة لا تزال تحتاج إلى تجارب أوسع لإثبات فعاليتها كعلاج كامل.
بحسب مراجعة نُشرت في المكتبة الوطنية الأميركية، فإن مضغ المستكة:
يقلل البكتيريا المسببة لتسوس الأسنان. يقلل تراكم البلاك. ينعش النفس طبيعيا.وهذا يفسر استخدامها التاريخي كعلكة طبيعية قبل ظهور العلكة التجارية.
في دراسة حديثة نشرتها "ميديكال نيوز توداي" استنادا إلى أبحاث سريرية وُجد أن تناول المستكة قد يساهم في:
تشير تحليلات علمية نُشرت في مجلة بايو ميدكال سنترال العلمية (بي إم سي) إلى أن مستكة خيوس غنية بمركّبات نشطة، أبرزها التربينات والبوليفينولات التي تمنحها تأثيرات واضحة على الصحة.
وتُظهر هذه الأبحاث أن للمستكة قدرة مضادة للالتهاب قد تساهم في الحد من نشاط بعض الإنزيمات الالتهابية في الجسم.
كما تكشف التجارب المخبرية عن دورها في تعزيز مقاومة الخلايا للإجهاد التأكسدي عبر دعم مضادات الأكسدة الطبيعية، الأمر الذي يساعد في حماية الخلايا من التلف المرتبط بالشيخوخة والأمراض المزمنة.
وتشير دراسات أخرى إلى إمكانية مساهمة المستكة في خفض بعض المؤشرات المرتبطة باضطرابات التمثيل الغذائي رغم أن هذه النتائج لا تزال في مراحلها الأولى ولم تصل بعد إلى درجة الحسم العلمي.
كيف نضيف المستكة إلى غذائنا اليومي؟
إحدى أبرز مزايا المستكة أنها مكون سهل الاستخدام ويمكن دمجه بطرق كثيرة دون تعديل جذري للنظام الغذائي، وإليك بعض الطرق العملية:
يمكن استخدام المستكة بسهولة في المطبخ بعد طحنها، ويفضل تبريدها في الفريزر لتسهيل طحنها دون أن تلتصق، ثم إضافتها بكميات صغيرة إلى عدد من الأطباق، فهي تمنح نكهة عطرية فاخرة حتى عند استخدامها بمقدار ضئيل للغاية، إذ تكفي ربع ملعقة صغيرة لإثراء النكهة.
وتناسب المستكة بشكل خاص:
أطباق الأرز مثل الكبسة والبرياني. المخبوزات كالكعك والخبز. الشوربات البيضاء. الصلصات الكريمية. تتبيلات الدجاج واللحوم.فتضيف لها طابعا عطريا مميزا يجمع بين رائحة الصنوبر والنفحات العشبية.
في الحلويات
تُعد المستكة أحد المكونات الأساسية في مجموعة واسعة من الحلويات الشرقية، إذ تضيف إليها رائحة منعشة وقوة في النكهة، وتُستخدم بكثرة في:
المهلبية والأرز بالحليب. البوظة العربية. كريمة الحلويات. الكنافة والقطايف. الشوكولاتة المنزلية." frameborder="0">
في المشروبات
حتى بكميات صغيرة تمنح المستكة المشروبات نكهة راقية ولمسة عطرية لطيفة، ويمكن إضافتها إلى:
القهوة العربية. الحليب الدافئ مع القرفة. الشاي الأخضر. مشروبات الأعشاب.فتضفي عليها دفئا ورائحة مميزة تجعل التجربة أكثر غنى وخصوصية.
كمكمّل غذائي
تتوفر المستكة أيضا على شكل مكمّلات غذائية بصور عدة، منها:
إعلان
كبسولات بتركيز يتراوح بين 500 و1000 مليغرام. علكة طبيعية. مسحوق جاهز للاستخدام.ويتم اللجوء إليها غالبا لدعم صحة المعدة ونظافة الفم، لكن المختصين ينصحون باستشارة الطبيب قبل تناول أي مكمّل غذائي، خصوصا الحوامل والمرضعات والأشخاص الذين يعانون من حالات طبية أو يتناولون أدوية منتظمة.
المستكة ليست مجرد نكهة عطرية تضفي لمسة خاصة على مطابخ الشرق واليونان، بل هي مادة طبيعية تحمل إرثا يمتد لآلاف السنين، وقد أعادها البحث العلمي إلى الواجهة بفضل فوائدها المحتملة للجهاز الهضمي وصحة الفم والقلب، إلى جانب خصائصها المضادة للالتهاب والأكسدة.
ورغم أن الأدلة العلمية لا تزال في طور التوسع فإن المستكة تظل إضافة ذكية إلى النظام الغذائي، ليس فقط لما تمنحه من طعم مميز، بل لما قد تقدمه من دعم صحي واعد.

0 تعليق