المفقودون في غزة.. شهداء لم يصلوا إلى قبورهم بعد، وأهالٍ يبحثون عن حق الوداع - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
النساء في غزة يحفرن الأرض بأيديهن، بأظافرهن، بقلوبهن، يبحثن لا عن نجاة، بل حق الدفن لأحبابهن

صمت يفوق حجم الركام، صمت يشبه انقطاع العالم عن نفسه، يخيم على غزة كغيمة من رماد ثقيل، يحمل في ثناياه أسماء كانت تنبض بالحياة، وأحلاما لم تكتمل، ووجوها غابت خلف طبقات الإسمنت.

لم يعد الأهالي يبحثون عن معجزة تعيد نبضا توقف، بل عن آخر حق إنساني؛ حق الوداع، حق أن يحمل الشهيد على الأكتاف لا أن يبقى تحت الأحجار.

لم تعد العائلات تقف أمام الأنقاض فحسب، بل أمام احتمالات تمزق القلب أمام فوهة غياب مفتوح، يحدقون في المكان وكأنه قبر مفتوح على أمل أخير، ينادون، يهمسون، يصرخون، لكن الصدى يعود إليهم شاحبا، فيصير الرجاء خيطا متعبا يمسك به فقط كي لا ينهاروا، بل عن جسد يعيد جزءا من كرامة.


النساء في غزة يحفرن الأرض بأيديهن، بأظافرهن، بقلوبهن، يبحثن لا عن نجاة، بل حق الدفن لأحبابهن.

الأنقاض في غزة كل حجر فيها يزاح يكشف صمتا جديدا، وذكرى جديدة ووجعا لا ينتهي؛ فالغائبون تحت الركام ليسوا أعدادا في تقارير الأخبار، هم وجوه محفوظة في ذاكرة بيوتهم، لا أحد ينتظر عودة، بل ينتظر الجميع استعادة الجسد الذي يليق به أن يحمل على الأكتاف لا أن يترك تحت الركام.

أما الوقت، فيمر كالسكاكين على قلب أهالي المفقودين، يحاولون بشتى الطرق الوصول إلى أبنائهم تحت الركام، فلا يزال آلاف الشهداء في قطاع غزة تحت الأنقاض؛ بسبب غياب المعدات الثقيلة ومنع الاحتلال الإسرائيلي إدخالها، إضافة إلى تمركز الاحتلال خلف الخط الأصفر (المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي في القطاع).

وبحسب التقديرات الفلسطينية فإن نحو عشرة آلاف جثمان ما زال مفقودا تحت الأنقاض، أرقام ثقيلة لا تشير إلى إحصاء بقدر ما تكشف حجم الفقد الذي لم يعلن بالكامل بعد.

بين هذه الأعداد تقف قصص تحمل أسماء ووجوها معروفة كالفلسطينية هند محمد التي فقدت شقيقتها، والفتى يامن قنيطة الذي فقد والدته خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

"عندنا أمل تكون عايشة"

تقول هند محمد بكلمات من القهر اللامتناهي: "عندنا أمل تكون أختي عايشة تحت الركام، رغم يقيننا الكامل إنها ارتقت، لكنه الأمل هو الشيء الوحيد الذي نصبر به أنفسنا".

وتضيف هند تفاصيل تشبه الجرح المفتوح: "أصعب شيء عندما أعلنوا عن اتفاق وقف الحرب، كان هذا الإعلان بمثابة موت محقق لأنفسنا، فهذه شقيقتي التي تمنت الحرب أن تنتهي، ها نحن اليوم نستقبل انتهاء الحرب ونحن نبحث كيف ننتشلها من تحت الأنقاض".

وتكمل وهي تحبس دموعا لا تتوقف: "أنا لم أستطع أن أتخيل أن شقيقتي لم يعد لها قبر نذهب إليه، حتى في وداعنا ليس لنا أي حق، الشعور صعب".

"انتظار فوق الركام"

الشعور لا يختلف كثيرا عن الفتى يامن قنيطة (14 عاما)، فقد أمه، وبات ينتظرها يوميا لعلها تجيء، يعبر يامن بصوته الحزين: "أنا مش قادر أستوعب إنه إمي استشهدت هي وأخويا الزغير، أنا حاسس فيهم، ويا ريتني معهم".

ويسترسل بكلماته المبكية: "أنا كل يوم ببحث عن أي خيط بيتعلق فيهم، بحاول أبحث لعلني أصل إلى أجسادهم الطاهرة، للأسف لا يوجد أي معدات، أنا أناشد العالم بأن تقف لإدخال المعدات لانتشال أمي وأخي وكل المفقودين تحت الركام".

ويعبر: "أنا بنام فوق ركام بيتنا، لم أستطع أن أترك أمي، مشتاق لها، وأتمنى لو تعود يوما دقيقة كي أحتضنها، أواسي نفسي بصورنا مع بعضنا البعض لكن الألم أكبر من أن يحتمل".

لم ينته القهر بعد، فما تحت الأنقاض يفوق الأرقام المعلنة عبر وسائل الإعلام، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية ارتفعت حصيلة الشهداء في القطاع إلى 70,112 شهيدا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول 2023.

0 تعليق