عاجل

جيلٌ كبر مع الثورة.. كيف يرى سوريا بعد عام على الإطاحة بالأسد؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

دمشق- ذات صباح رمادي بمدينة إدلب السورية، يفتح خزيمة العيدو، طالب العلوم السياسية، نافذة غرفته المطلة على شارع مزدحم، الضوضاء التي تصل إليه اليوم لا تشبه صخب طفولته حين وقعت مجزرة الأقلام في بلدة حاس قضاء المدينة.

بين الإطلالتين، مرت 14 سنة غيّرت كل شيء: السلطة، والمؤسسات، وحتى الأسئلة التي يطرحها الشاب العشريني عن بلده ومستقبله.

ويواجه خزيمة، كسائر أبناء جيله (مواليد 1998- 2005)، سؤالا وجوديا بشأن الهوية والانتماء ورؤية البلاد، فقد نشأ هذا الجيل في ظل الحرب والنزوح، والآن يخطو مرحلة الشباب في دولة تتشكل من جديد، ويعيد فيها تعريف علاقته بالحاضر والمستقبل.

" frameborder="0">

ذكريات ومستقبل

ويصف خزيمة طفولته بقوله للجزيرة نت إنه "عاشها كلها داخل الثورة"، حيث المظاهرات الأولى وصدى القصف، ومجزرة الأقلام في المدرسة، كلها مشاهد محفورة في ذاكرته.

ورغم ذلك، يشعر اليوم بتغير ملموس بعد عام على سقوط النظام ويعيش "فرحا شديدا ممزوجا بحزن على الشهداء والمعتقلين الذين لم يشهدوا هذه اللحظة".

واليوم يمكن لخزيمة أن يحلم أن يصبح سياسيا أو دبلوماسيا، ويُمثّل بلده في المحافل الدولية، وهو "حلم كان يبدو مستحيلا في السابق".

أما أحمد علي (22 عاما) طالب هندسة معلوماتية من مدينة حلب، فلم يكن شعوره كخزيمة بانطلاق الثورة، ويقول إنه يحمل ذاكرة مشوشة عن طفولته، كأن شريطا قد مُسح من حياته.

ويقول للجزيرة نت "ما أتذكره هو رائحة القرية حين كانت العائلة كلها تجتمع، قبل أن تبتلع الثورة تفاصيل البيت وتفصلنا عن بعضنا"، مشيرا إلى أن 14 عاما مضت لم ير خلالها أخاه.

ميدان - سوريا إدلب مقاتلين ثوار الثورة
الشباب كان عماد الثورة حين انطلقت ووقودها حتى سقوط نظام بشار الأسد (رويترز)

وحين يستعيد أحمد صورة سوريا القديمة، يقفز إلى ذهنه مشهد الرشوة والذل، وطوابير تأجيل الخدمة الإلزامية، والقلق على الحواجز، والأسئلة المعتادة عن الدولار أو الهاتف المجمرك، فقد كان الخوف جزءا من الشارع.

إعلان

ويشير إلى أنه لم يشعر بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد، بأي تغيير جذري في حياته، ويقول "الطرقات انفتحت، لكني لا أرى استقرارا، بل على العكس، الخوف من المستقبل يلازمني".

ويصف وضعه المعيشي بأنه أصعب من ذي قبل، فدخول البضائع الأجنبية وضعف الرواتب جعلا الحياة اليومية سباقا على فرصة شبه معدومة.

ورغم دراسته في هندسة المعلوماتية، لا يرى أحمد مستقبلا لمجاله في حلب، ويوضح أن طموحاته تواجه سخرية من المحيط، حتى عند تطوير تطبيقين إلكترونيين للأطباء، لم يأخذا على محمل الجد، يقول بلا تردد "لا مستقبل هنا، ومن يريد العيش يبحث عن عمل بالخارج".

بيت قديم متهالك في منتصف شارع الأمين بدمشق(الجزيرة)
الأجيال التي تحيي ذكرى انتصار الثورة السورية تطمح في التغيير بكل شيء وتحقيق أحلامها (الجزيرة)

في انتظار الأمل

فيما يستعيد محمد بلال، (22 عاما)، من ريف حلب ويعيش في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، طفولته في حي شرقي المدينة، حيث كان يساعد والده في المكتبة بعد انتهاء الدوام المدرسي. ويقول "لا أتذكر كيف بدأت الثورة ولا أعرف شيئا عنها، كان عمري 8 سنوات فقط".

وعاش محمد أغلب طفولته هاربا من الحرب والنزوح، فقد نزح من مدينة حلب إلى ريفها ومن ثم إلى مناطق شمال شرق سوريا حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد".

ويشير إلى أنه لم يمتلك وثائق شخصية لأنه كان مطلوبا للنظام السابق، مما جعله محاصرا "لا أستطيع الخروج، وحياتي كلها كانت هروبا من الحرب والبدء من الصفر" يقول محمد للجزيرة نت.

ويصف سوريا بأنها "وطن بدائي"، ويشير إلى العقوبات التي تمنعه من ممارسة أشياء بسيطة مثل شحن الألعاب الإلكترونية التي يحب ممارستها، وهو يخشى العودة إلى مدينته، ويقول "أفتقد الأمان لا أثق أنني لن أتعرض لمكروه لقد رأينا ما حدث خلال عام بعد سقوط النظام".

ولكن رغم ذلك يرى بارقة أمل عبر الانفتاح الدولي على سوريا قائلا "أشعر أن هناك فرصة متقدمة من الممكن أن تعطى لسوريا عندما أرى الرئيس السوري أحمد الشرع يجتمع مع نظيره الأميركي دونالد ترامب"، لكن أمله يتراجع أمام "خطاب الكراهية بين السوريين" على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويحلم الشاب محمد بتحويل شغفه بالألعاب الإلكترونية إلى مصدر دخل عبر الإنترنت إذا أزيلت العقوبات، ويؤكد استقلالية وذكاء جيله قائلا "جيلنا مختلف عن سابقه، لقد تعلمنا من الإنترنت".

تغير ملموس

ومن مدينة درعا، يروي الطالب في كلية الحقوق، مراد المفعلاني، (20 عاما)، ذكرياته الأولى مع الثورة، والهتافات في المظاهرات، وتوتر البيت، والشوارع الفارغة قبل الغروب.

وعندما كان يسمع عبارة "سوريا قبل 2024″، يختصرها بـ3 كلمات: بلد الحواجز، والخوف، وانعدام الأمل. واليوم، يلاحظ تغيرا ملموسا، فالحركة في المدينة أهدأ، والناس يتحدثون أكثر عن العمل والدراسة والمستقبل بدلا من أخبار المداهمات والخوف المعتاد.

لكنه يشعر بقوة الخوف من المستقبل، كما يقول، "لم يعد ذاك الخوف القديم، لكنْ هناك خوف من القادم".

ويرى مراد فرصا أفضل اليوم للتدريب والدراسة، رغم أن الطريق لا يزال صعبا، ويؤكد أن أكبر تحدٍّ يواجهه هو إيجاد وجهة واضحة وسط التغييرات السريعة ويقول "كل شيء يتغير بسرعة، وأنا ما زلت أبحث عن طريقي (مستقبلي)".

إعلان

وأمله الأكبر -كما يقول- يكمن في متابعة الدراسة خارج البلاد والعودة لخدمة منطقته، ويضيف "الحلم الأقرب لي هو إيجاد هدف وطريق واضح لحياتي"، ويتابع "تربّينا على الخوف لكننا لم نستسلم له ونحاول أن نجد معنى لحياتنا بعد سنين الضياع".

ضبابية المشهد

وتشير دراسات إلى أن الأجيال التي نشأت في بيئات ما بعد التحولات العنيفة، سواء كانت ثورات أو حروبا، تحمل سمات مشتركة: ذاكرة منقوصة، وشعورا طويل الأمد بعدم اليقين، ورغبة في القطع مع البُنى القديمة حتى لو لم تتبلور بدائل واضحة.

ووجدت دراسة صادرة عن مركز كارنيغي أن الشباب الذين نشؤوا خلال الاضطرابات غالبا ما يعانون مستويات أعلى من القلق بشأن المستقبل، خاصة في ظل اقتصاد هش وفرص غير مستقرة.

أما تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فيؤكد أن شباب ما بعد النزاعات أكثر استعدادا للمشاركة الاجتماعية، وأكثر اندفاعا نحو التعليم والتقنيات الحديثة، لكنهم يشعرون بأن المؤسسات الرسمية أهملت احتياجاتهم، وأن الانتقال السياسي لم يترجم إلى تحسّن ملموس في حياتهم اليومية، ما يدفعهم للتفكير في الهجرة حتى في الدول التي شهدت تغيرا سياسيا كبيرا.

0 تعليق