عبر سعيها لإسقاط الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بطرق أكثر خشونة، تبدو الولايات المتحدة مقبلة على تفعيل أدوات جديدة للإطاحة بخصومها الخارجيين وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط.
ففي الوقت الذي يرفض فيه مادورو مغادرة منصبه وبلاده، يتحدث أعضاء جمهوريون في الكونغرس الأميركي عما يعرف بـ"مصير بنما"، في إشارة إلى الجنرال البنمي مانويل نورييغا، الذي أسقطته الولايات المتحدة بالقوة نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
فقد اتهمت الولايات المتحدة نورييغا بدعم تجارة المخدرات وغسل الأموال، قبل أن تشن هجوما عسكريا على بنما لإسقاطه بالقوة، وهو نفس المشهد الذي يتكرر في فنزويلا اليوم، حسبما أشارت حلقة (2025/12/4) من برنامج "من واشنطن".
ومع حشد مزيد من القوات الأميركية على شواطئ البحر الكاريبي، لا تبدو تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرب فنزويلا محاولة للتخويف بقدر ما هي تمهيد لإسقاط مادورو بالقوة، في خطوة ربما تعكس تحولا في التعامل مع الخصوم الخارجيين.
فالمسؤولون الأميركيون يتهمون مادورو بدعم عصابات المخدرات وإغراق الولايات المتحدة باللاجئين الذين وصفهم ترامب بالمجرمين والمرضى النفسيين، فضلا عن تمسكهم بفرض الديمقراطية وتعزير حقوق الإنسان في فنزويلا.
لكن هذا الحديث يكشف -حسب تقرير نشره البرنامج- توجها أميركيا لاستخدام ورقة الأزمات الداخلية من أجل التدخل في شؤون الدول التي تقف في قلب الصراع المحموم على توسيع النفوذ بين الدول الكبرى.
" frameborder="0">
استخدام أساليب خشنة
وليس خافيا أن فنزويلا التي تمتلك أكبر احتياطي نفطي معرف في العالم (303 مليارات برميل)، تعتبر حليفا إستراتيجيا لكل من الصين وروسيا وإيران، وهو ما دفع واشنطن لمحاولة تغيير زعيمها الحالي بزعيمة المعارضة ماريا ماتشادو، التي تقول الإدارة الأميركية إنها فازت بالانتخابات الرئاسية الأخيرة قبل أن يتم تغيير نتائجها لصالح الرئيس الحالي.
وبنظرة أكثر عمقا، فإن هذا الرصيد الهائل من النفط يمثل خطرا على الأسعار العالمية واقتصادات حلفاء مهمين لواشنطن في الشرق الأوسط وفي مقدمتهم دول الخليج العربي، التي ربما تخسر ميزانياتها الكثير في حال عادت فنزويلا إلى مستويات إنتاجها النفظي السابقة.
فقد كانت كراكاس تنتج 2.5 مليون برميل يوميا قبل أن تتهاوى هذه الأرقام إلى 900 ألف برميل بسبب العقوبات الأميركية التي جعلتها غير قادرة على بيع وقودها لأي من الدول.
ولو تمكنت فنزويلا من تجاوز هذه العقوبات والعودة إلى حرية الإنتاج فسيكون بمقدورها إغراق السوق العالمية مما يعني ضرب الأسعار العالمية التي تمثل رافدا أساسيا لميزانيات الكثير من الدول، كما جاء في تقرير "من واشنطن".
" frameborder="0">
فشل العقوبات
صحيح أن الأميركيين راهنوا على تهاوي الاقتصاد الفنزويلي تحت وطأة العقوبات وهو ما حدث بالفعل حيث وصلت معدلات التضخم إلى معدلات غير مسبوقة، وهوت قيمة العملة، ما دفع بـ7 ملايين فنزويلي للهروب إلى البرازيل وكولومبيا والبيرو وصولا للولايات المتحدة، في أكبر موجة نزوح عرفها النصف الغربي من الكرة الأرضية.
بالتالي، لا يمكن اختزال الوضع الفنزويلي في أنه مجرد خلاف سياسي مع الولايات المتحدة أو جزء من الصراع مع بكين وموسكو اللتين تحاولان استخدام كراكاس لإزعاج واشنطن بالمخدرات والمهاجرين، لأن الواقع في جزء منه يعكس عجز دولة غنية عن إطعام شعبها.
لكن هذا التهاوي الاقتصادي الذي دفع ملايين الناس لمغادرة فنزويلا لم يكن كافيا لكي يغادر مادورو منصبه كرئيس للبلاد، بعدما نجح في تعزيز قدرات البلد الزراعية بحيث أصبح قادرا على إنتاج ما يأكله شعبه، كما يقول الخبير في الشؤون اللاتينية خالد هندي.
وحتى الحديث الأميركي عن تجارة فنزويلا بالمخدرات ليس واقعيا لأن كولومبيا كانت أكبر موردي الكوكايين للسوق الأميركية خلال فترة تحالفها مع الولايات المتحدة، وكذلك أفغانستان التي كانت من كبار مصدري المخدرات خلال الوجود الأميركي فيها، والآن المكسيك، حسب هندي.
لذلك، فإن ما يجري حاليا هو صراع على النفوذ العالمي حيث تحاول الولايات المتحدة سحب ورقة فنزويلا من يد الصين وروسيا بعدما خسرت تحالفها مع كولومبيا التي أصبحت قوة يسارية صاعدة في أميركا اللاتينية بعد أن كانت رأس حربة تستخدمها واشنطن في صراعها القديم مع كراكاس، برأي الخبير نفسه.
في المقابل، يقول جيمس براورد ستوري، وهو آخر سفير أميركي في كراكاس، إن قطر ساعدت قبل عامين في تقدم المفاوضات الأميركية الفنزويلية لكن مادورو لم يلتزم بإجراء انتخابات جديدة كما تعهد، وبقي يدعم عصابات المخدرات ويساعد حزب الله اللبناني.
سياسة أميركية جديدة
وعلى هذا، فإن أي تفاوض محتمل لا بد وأن يكون على أساس رحيل مادورو، وإلا فإن الولايات المتحدة ستوجه ضربات لمنشآت نفطية غالبا حتى تدفع الفنزويليين للخروج عليه وإسقاطه، كما يقول ستوري.
ولم يختلف المسؤول السابق عن شؤون فنزويلا وكولومبيا في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جيم ماركوارت، عن الرأي السابق، بقوله إن استخدام كراكاس للمخدرات والمهاجرين كسلاح ضد واشنطن، ورفضها لتعزيز حقوق الإنسان هو المحرك الرئيسي للولايات المتحدة، التي قال إنها "ستوجه ضربة عسكرية لفنزويلا على الأرجح لإسقاط النظام وتأسيس آخر ديمقراطي".
بيد أن هندي رد على هذه الاتهامات بقوله إن من غير المعقول أن يتاجر أغنى بلد في أميركا اللاتينية بالمخدرات، وإن الحصار الأميركي "هو الذي أضعف الاقتصاد الفنزويلي وليس فساد السلطة كما تروج الدعاية الأميركية".
والخلاصة -برأي المتحدث- أن فنزويلا أصبحت أكبر ساحة صراع على النفوذ في العالم، وأن واشنطن تحاول اختبار نوع جديد من الضغط السياسي الاقتصادي ربما يتحول لمنهجية في التعامل مع الملفات الشرق أوسطية مستقبلا، بحيث يحل التدخل في الأزمات الداخلية للدول محل فرض العقوبات عليها.
Published On 4/12/20254/12/2025
|آخر تحديث: 5/12/2025 00:07 (توقيت مكة)آخر تحديث: 5/12/2025 00:07 (توقيت مكة)

0 تعليق