في مشهد استثنائي مزج بين سحر الطبيعة وعظمة التاريخ، شهدت مدينة البترا الوردية رصدا لظاهرة فلكية نادرة، تمثلت في "ظهور البدر العملاق فوق السيق بمحاذاة مبنى الخزنة الشهير".
ونجحت "جمعية الرواد للسياحة الفلكية"، بالتعاون مع سلطة إقليم البترا التنموي السياحي، في توثيق هذه اللحظة التاريخية مباشرة من أمام الخزنة، في حدث يعيد تسليط الضوء على "الإرث الحضاري والعلمي للأنباط".
"الثبات القمري الكبير"
فسر أستاذ الفيزياء النظرية، الدكتور عمار السكجي، ندرة هذا المشهد بتزامنه مع فترة "الثبات القمري الكبير" Major Lunar Standstill، وهي ظاهرة فلكية دورية "تتكرر مرة واحدة فقط كل 18.6 سنة".
وبين السكجي أن القمر يصل خلال هذه الدورة إلى "أقصى مدى في مداره حول الأرض"، مما يجعله يشرق ويغرب من "أبعد النقاط شمالا وجنوبا على الأفق".
وهذا التموضع الفلكي الدقيق هو ما أضفى على ظهوره في سماء البترا خلال هذه الفترة "طابعا نادرا ومميزا".
دقة هندسية تحاكي "الانقلاب الصيفي"
من جانبه، كشف الباحث مأمون النوافلة، رئيس جمعية الرواد للسياحة الفلكية، عن التفاصيل الهندسية المذهلة لهذا التطابق. وأشار إلى أن القمر أشرق فوق الموقع عند "زاوية 57 درجة شمال شرق"، وهي أقصى زاوية لشروق القمر خلال فترة الثبات.
ومع حركته الظاهرية، انزاح القمر تدريجيا ليصل إلى "زاوية ميل تبلغ 62 درجة" لحظة تعامده وظهوره من أعلى السيق بمحاذاة الخزنة.
وتكمن المفارقة العلمية في أن مبنى الخزنة "يتخذ الاتجاه الفلكي ذاته تقريبا"، وهي نفس الزاوية التي تشرق عندها الشمس في البترا خلال "الانقلاب الصيفي".
رصد منهجي قبل التشييد
أكد الخبراء أن هذا التطابق ليس وليد الصدفة، بل هو دليل قاطع على أن الأنباط "أجروا رصدا منهجيا طويل الأمد لحركات الأجرام السماوية قبل تشييد الخزنة". ويعكس ذلك مستوى متقدما من المعرفة الفلكية التي وظفوها ببراعة في "التخطيط والتوجيه الهندسي لمعالم مدينتهم".
سياحة فلكية واعدة
شدد كل من النوافلة والسكجي على أن المدينة الوردية "تزخر بالعديد من معالم الفلك الآثاري". وأكدا عزم الجمعية، بالشراكة مع سلطة الإقليم، على تنظيم "فعاليات رصدية وسياحية مستقبلية" لتوثيق المزيد من هذه الظواهر، بما يفتح آفاقا جديدة لـ "السياحة الفلكية" في الأردن.

0 تعليق