من شيرلوك هولمز إلى نفيسة.. الجمهور يحدد مصير البطل - زاجل الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أسامة صفار

Published On 12/9/202512/9/2025

|

آخر تحديث: 23:27 (توقيت مكة)آخر تحديث: 23:27 (توقيت مكة)

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

شارِكْ

تحوّل خيال القارئ أو المشاهد إلى قوة ضاغطة تجبر الكتّاب والمنتجين على إعادة النظر في مصائر أبطالهم سواء في الأعمال الدرامية أو الروايات وتغييرها حسب رغبات الجمهور.

وقد صارت النهايات التي كان يُفترض أن يحددها المؤلف قابلة للتفاوض، بل ويملك الجمهور حق "الفيتو" عليها. وقد يستبعد موت البطل كنهاية للعمل، ويمكن أن يحول شخصية ثانوية إلى محور رئيسي.

اقرأ أيضا

list of 2 items end of list

يستخدم المشاهد أدوات ضغط مختلفة لفرض رؤيته في تشكيل مصائر أبطال العمل، وهي الاحتجاج، وسلطة السوق، وأحيانًا الرقابة الرسمية. ولا يختلف سلوك الجمهور في الشرق والغرب في ذلك.

فكما أعاد الإنجليز شيرلوك هولمز للحياة في بريطانيا رغم أنف مؤلف الرواية آرثر كونان دويل، رفض الجمهور المصري أن يتلقى فريد شوقي "ملك الترسو" صفعة تمثل إهانة. واضطرت شركات الإنتاج في كوريا الجنوبية إلى تعديل نهايات مسلسلات درامية بعد عواصف من ردود الفعل عبر وسائل التواصل.

ساحة مشتركة للتأليف

عرفت نهايات عدد من الأفلام المصرية تغييرات جذرية بفعل ضغط الجمهور أو اعتبارات السوق والرقابة. أحد الأمثلة البارزة هو فيلم "بداية ونهاية" 1960، للمخرج صلاح أبو سيف عن رواية نجيب محفوظ. في النص الأصلي، تنتهي القصة بانتحار البطلة "نفيسة" بعد انكشاف ماضيها.

لكن صلاح أبو سيف واجه اعتراضات من المنتجين الذين خشوا من رفض الجمهور للنهاية القاتمة، فخفف من حدة المشهد وأضفى عليه بعدا عاطفيا، ليجعل النهاية أكثر تقبلا شعبيا.

أما فيلم "اللص والكلاب" 1962 المقتبس عن رواية نجيب محفوظ، فكان من المفترض أن ينتهي بموت سعيد مهران وحده، لكن ضغط الرقابة ورغبة في "عقاب" البطل الخارج عن القانون جعلت النهاية تُكتب بطريقة أكثر مأساوية لتؤكد على رسالة أخلاقية واضحة. هنا لم يفرض الجمهور خياله بقدر ما فرضت الدولة عبر رقابتها خيالا بديلا، خشية أن يتعاطف المتفرج مع "البطل الخارج عن الشرعية".

إعلان

وخاض المخرج يوسف شاهين معركة مشابهة في فيلم "الاختيار" 1971، حيث كان يفكر في ترك النهاية مفتوحة لصراع البطل مع ذاته، لكن ضغط السوق والجمهور الذي يبحث عن "خاتمة واضحة" دفعه إلى تقديم نهاية أكثر تفسيرًا لحالة البطل، خلافًا لما كان يريده على مستوى البناء الفني.

وتعلم الممثل الراحل فريد شوقي الذي اشتهر بلقب "ملك الترسو" الدرس بالطريقة الصعبة عام 1957، حيث دار عرض "ركس" بالإسكندرية غضبا عارما حطم خلاله الجمهور قاعة العرض بعد رفضه "صفعة" تلقاها البطل في الدقائق الأولى من الفيلم.

وكان الدرس هو أن صورة البطل تصبح ملكا للجماهير حين تعرض على الشاشة أو تصدر في صفحات كتاب أو مجلة، وليس لصانع الفيلم أو الممثل أو الكاتب الحق في إهانة، أو إنهاء، أو العبث بصورة، أو حياة هذا البطل، لكونه التصق بكل مشاهد وصار جزءا منه.

الملصق الدعائي لفيلم "اللص والكلاب" (الجزيرة)

جمهور يرفض الموت

وتعلم الكاتب البريطاني آرثر كونان دويل مبدع سلسلة شارلوك هولمز الدرس نفسه في بداية القرن العشرين بعد أن قتل المحقق الأشهر في الرواية البوليسية، واضطر لإعادته تحت ضغط الجمهور، وقد فاجأ دويل قراء مجلة "ستراند" في عام 1893 بنهاية صادمة يسقط خلالها هولمز من أعلى شلال مائي بسويسرا، وذلك في قصة بعنوان "المشكلة الأخيرة".

لكن رد الفعل تجاوز كل توقعاته؛ فقد استقبل القراء الخبر كأنه فاجعة شخصية، وارتدى بعضهم شارات سوداء حدادًا، وألغى أكثر من 20 ألف مشترك اشتراكهم في المجلة، وواجه دويل غضبا شعبيا لدرجة أن الناس كانت تحدّق فيه في الشوارع كما لو كان ارتكب جريمة.

ونتيجة لهذا الضغط، ألف 1901 رواية "كلب آل باسكرفيل"، لكنه لجأ إلى حيلة سردية بأن جعل أحداثها تسبق موت هولمز، وحققت الرواية نجاحا باهرا أثبت أن الجمهور ما زال متعطشًا للمحقق الأسطوري.

ورغم أن دويل ظل يشكو من أن هولمز طغى على أعماله الأخرى، فإن "الموت والبعث" جعل المحقق رمزًا لأدب بوليسي لا يشيخ، وأحد الأمثلة النادرة على قوة القارئ في تغيير مصير بطل روائي.

وتكرر الأمر نفسه في السينما الأميركية مع شخصية جون رامبو، حيث كان يفترض أن ينتهي فيلم "الدم الأول" 1982 (First Blood) بانتحاره بعد معركة خاسرة مع قوات الشرطة، لكن ضغط النجم سيلفستر ستالون والجمهور جعل النهاية تتغير، لتفتح الباب أمام سلسلة سينمائية كاملة.

عروض تجريبية لاختبار النهايات

وبين العروض التجريبية التي أدت إلى تغيير النهاية، والتصويت غير الرسمي الذي يتلقى صناع الدراما نتيجته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تولد نهاية جديدة وأحيانا مشروعات كبرى، وكانت حقبة قد شهدت بدء الوعي الإنتاجي بدور الجمهور في دراما العمل، ومع تجربة العرض التجريبي في الثمانينيات لفيلم "متجر الرعب الصغير" 1986 (Little Shop of Horrors) تأكدت الفكرة.

وتدور أحداث "متجر الرعب الصغير" حول "سيمور"، وهو بائع زهور وديع يكتشف نبتة آكلة للبشر تُدعى "أودري الثانية"، مما يدفعه لارتكاب جريمة قتل للحفاظ على حياة النبتة وجذب الشهرة والثروة، ليواجه في النهاية سيطرة هذا النوع من النبتة على العالم.

انتهت النسخة الأصلية بموت "الأبطال" أمام النبتة المفترسة، لكن عند عرض الفيلم على جمهور تجريبي، واجه صناع العمل سؤالا استنكاريا صادما هو "لماذا تقتلون الشخصيات التي أحببناها؟"، وقد أُعيد تصوير النهاية لتنجو الشخصيات ويُهزم الشر.

إعلان

وفي فيلم "أنا أسطورة" 2007 (I Am Legend)، يموت البطل روبرت نيفيل (ويل سميث) في النسخة التجارية. لكن الجمهور يتبنى بحماس النسخة البديلة التي تنتهي بنجاته واكتشافه إنسانية "المصابين". وأدى انتشار هذه النسخة عبر الإنترنت إلى حالة قبول تفوق النسخة التي تنتهي بموت نيفيل، وهو ما دفع المنتجين لاحقًا للتفكير في جزء ثانٍ يستند إليها.

وفي الدراما التلفزيونية، كان خيال الجمهور أكثر تأثيرًا لأنه ممتد عبر مواسم. في "مفقود" 2004 (Lost)، كان من المفترض أن يموت الطبيب جاك شيبرد في الحلقة الأولى كصدمة درامية، لكن تدخل الشبكة التلفزيونية وحساسية الجمهور المتوقعة جعلت الشخصية تعيش، لتتحول إلى مركز السرد لـ6 مواسم كاملة.

كذلك في "أشياء أغرب" 2016 (Stranger Things)، كان ستيف هارينغتون مجرد شخصية ثانوية مكتوبة للموت في الموسم الأول، لكن تفاعل الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي مع أداء الممثل جو كيري أجبر صناع العمل على منحه حياة أطول، حتى صار أحد أعمدة نجاح المسلسل.

0 تعليق