الاثنين 06 أكتوبر 2025 | 12:27 مساءً

بسام عبد السميع
نحن بشرٌ نعبر ممراتٍ من الامتحانات اليومية، قد ننجح في واحد ونفشل في الآخر، قد نقاوم اليوم ثم نسقط غدًا، قد نغضب من الفساد ونحن عاجزون، ثم نغري أنفسنا ببريق الفساد حين يلوح لنا.
القيم ليست تاجًا نضعه مرة وإلى الأبد- إلا من يسر الله له ذلك وهو امر لا يدرك إلا مع آخر لحظة في الحياة - التمسك بالقيم امتحان يومي يتجدد في كل موقف، يتغير بتغير احتياجاتنا، وبتغير وعينا وقوتنا وقدرتنا على الاحتمال.
كلمة “شريف” في ثقافتنا تُستخدم كما لو أنها وسامٌ دائم، لكن الحقيقة أنها ليست هوية بل حالة. يمكن أن تكون شريفًا في موقف، وتضعف في موقف آخر، لا لأنك منافق، بل لأنك بشر.
الفضيلة الحقيقية ليست في أن تبقى نقيًا إلى الأبد، بل في أن تعرف نفسك، وتخاف من ضعفها، وتعود بعد السقوط لتقاوم من جديد.
من يقاوم مرة لا يضمن أن يقاوم دائمًا، ومن يسقط مرة لا يُحكم عليه بأنه سقط للأبد.
الإنسان يتحرك بين الاختبارات، وفي كل اختبار يتكشف وجهٌ جديد من داخله.
المال والسلطة ليسا مجرد إغراءات، هما عدسات تغيّر زاوية رؤيتنا للعالم.
الفقير قد يقبل الفساد لأنه يخاف أن يُسحق،والغني قد يرفضه لأنه يستطيع أن يعيش بدونه.
في الحالتين، القرار لم يكن قائمًا على القيم فقط، بل على مساحة الحرية التي يملكها الإنسان عند الاختيار.
وحين يضيق الخيار، تصبح الأخلاق عبئًا أصعب من حمل الاحتياج. وهنا يظهر الامتحان الحقيقي: هل نختار القيم ونحن نعلم ثمنها؟ أم نختار المكسب ونلبسه تبريرًا أخلاقيًا؟
الشرف ليس وسامًا، بل حالة ديناميكية.
اليوم أقاوم لأنني واعٍ وقوي، وغدًا قد أضعف وأسقط.
اليوم أرى مكاسب السقوط واضحة فأبتعد، وغدًا قد تبدو لي مكاسبه أكبر فأتهاوى.
الوعي والقوة ليسا ثابتين، بل موجات ترتفع وتنخفض.
لهذا، يصعب أن أطلق على نفسي أو غيري صفة “شريف” على وجه الدوام،
وأصعب منه أن أصف الآخرين سلبًا أو إيجابًا، لأننا جميعًا مشاريع بشرية تحت الاختبار المستمر.
حين تختبرنا القيم بالاحتياج، ينكشف كل شيء: مساحة حريتنا، عمق وعينا، قدرة مقاومتنا، والثمن الذي نحن مستعدون لدفعه لنحافظ على ضميرنا.
لسنا ملائكة ولا شياطين. نحن بشر نسير في ممر الامتحانات اليومية، وقدرة كل واحدٍ منا على الحفاظ على نفسه لا تُعرف إلا في لحظة القرار، تلك اللحظة التي لا يشهدها أحد إلا نحن وربنا.
لهذا، أفضل ما نقوله عن أنفسنا ليس “نحن شرفاء على الدوام”،
بل:“نحن نحاول أن نكون شرفاء… في كل لحظة، ونعرف أن الشرف يُختبر في كل لحظة، وأن سقوطنا لا يعفينا من استعادة الشرف، وأن قيامنا لا يضمن أننا لن نسقط - وليس هذا تبريرا او بابا للسقوط والمعاودة ، فهناك سقوط تصعب بعده العودة". ويقيني ان الصدق لا يحتاج إلى دعاية او لافتة، والحقيقة لا يؤكدها التصفيق بل غالبا ما يكون التصفيق ملازما للكذب والخداع مسؤولين وحكومات وشعوب.
0 تعليق