ثابت الوهم علماً والعلم استثناء.. ! - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في زمنٍ بات فيه الظهور أهم من الجوهر، تولد كل يوم شخصيات وهمية ترتدي معاطف العلم، وتتكلم بثقة مصطنعة، وتقدّم نفسها وبشهادات دكتوراه وهمية كمنقذة للبشرية من القلق والرهاب والاكتئاب، رغم أنها لا تملك سوى شهادة بكالوريوس في الاقتصاد أو التسويق، بشهادات مزيفة بتغيير بسيط في حروف أسماء الجامعات لمن يدقق!

فجأة تصبح «متخصصة في الدماغ والطاقة والفيزياء»، والهندسة المالية؟

هذا التخصص غير الموجود بأي جامعة بالعالم!! وفوقها تفتح «عيادة علاجية» في دولة مجاورة، تستقبل مرضى التوحد والاكتئاب، وتبيع لهم الوهم في علبة أمل، بجهازٍ لا يداوي ولا يشفي، لكنه يدرّ المال والنجاح الزائف ببركات تأثير بلاسيبو.. هذه الشخصيات تستغل الضعف الإنساني ببراعة! تبدأ الجلسة بعبارات مثل: «عندك بلاوي في مخك»، ثم تسكت دقيقة لتصنع وهماً بالهيبة والعمق! المريض المصدوم يتجمد، وهي تواصل استعراضها بحديثٍ عن الذبذبات والعمر العقلي والطاقة السلبية وتشبكه بأسلاك كهربائية! وكأنها اكتشفت نظرية جديدة في علم الأعصاب! لا شهادات طبية، ولا ترخيص طبي، ولا حتى ورقة بحث واحدة محكمة! مجرد مجموعة أوراق مكررة في مواقع غير معترف بها، لكنها تُقدَّم للناس وكأنها إنجازات علمية عظيمة.

ورغم هذا الوهم، تنجح هذه الشخصيات في جذب الإعلاميين والمشاهير الذين يزورون «العيادة» وينشرون الصور معها، فيتحول الزيف إلى حقيقة اجتماعية مدعومة بالبريق الإعلامي، فهم بارعون ببناء العلاقات وإبهار عقولنا العربية بالشهادات الرنانة حتى لو كانت مزيفة... الشهادات التي تبهر لتتسع دائرة التصفيق، وتخبو الأسئلة، وفي الخلفية جيش إلكتروني يهاجم من يشكك في مصداقيتها ويدافع عنها كأنها وليّة من أولياء «العلم الحديث».

المؤلم في المشهد أن الكفاءات الحقيقية، الباحثين والأطباء السعوديين الذين تعبوا ودرسوا في أعرق الجامعات، يقفون أمام هذا العبث محبطين، يشاهدون الجهل يتنكر بعباءة العلم بينما هم يُستبعدون من المشهد لأنهم لا يجيدون الترويج لأنفسهم أو لا يملكون جمهوراً يصفق لهم! يُهمَّش صوت العالِم الحقيقي، ويُضخَّم صوت من يبيع الأمل المعلّب، حتى صار بعض شبابنا يثق بالمؤثر أكثر من الطبيب، وبالمحتوى الترويجي أكثر من البحث العلمي.

لقد آن الأوان أن نقف كمجتمع عربي واعٍ أمام هذا الانحدار.. فلا يليق ببلد يقود العالم في مشاريع الابتكار والذكاء الاصطناعي أن يُخدع بأكاذيب «الطاقة الكونية» و«العلاج بلا دواء»... ولن نخدع.. فلدينا عقول سعودية تشعّ علماً في كل مجال، ويجب أن نرفعها لا أن نحبطها بمشاهير الزيف وCon Artists.

الأوطان لا تُبنى بالتصفيق للوهم، بل بتقدير من يحمل الحقيقة مهما كانت صعبة، لأن الوطن الذي لا يحمي علمه من الدخلاء، سيستيقظ يوماً ليجد أن عقوله النابغة صمتت أو هاجرت... وتركَت الساحة لمن يبيع «اللاشيء» بثمنٍ باهظ..

أخبار ذات صلة

 

0 تعليق