«ساينس ألرت»
الأخطبوط والحبار من أكثر الكائنات البحرية قدرة على التمويه، إذ يمكنهما تغيير لون جلدهما بسرعة مذهلة لتندمج مع أي بيئة تقريباً، سواء كانت صخوراً ملونة أو شعاباً مرجانية.
هذه القدرة الخارقة لطالما أثارت دهشة العلماء والباحثين، وأصبح فهمها أكثر واقعية بعد أن تمكن فريق بحثي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو من إنتاج كميات كبيرة من صبغة طبيعية تعرف باسم «الزانثوماتين»، وهي المسؤولة عن تمويه هذه الحيوانات وقدرتها على التلون الفوري.
حتى وقت قريب، كان الحصول على «الزانثوماتين» أمراً صعباً للغاية، فجمعها من الحيوانات أو تصنيعها كيميائياً كان شبه مستحيل، وكانت الكميات المنتجة بالكاد تكفي لإجراء التجارب العلمية.
الفريق البحثي تمكن من تحويل البكتيريا إلى مصانع حيوية قادرة على إنتاج الصبغة بكميات كبيرة تصل إلى ثلاثة غرامات لكل لتر، أي أكثر بما يقارب 600 مرة من الطرق التقليدية. هذا الإنجاز يمثل طفرة حقيقية في فهم هذه المادة النادرة وإمكانيات استخدامها مستقبلاً في تطبيقات علمية وصناعية متعددة.
يكمن السر في هذه التقنية في ما أطلق عليه الباحثون اسم «التخليق الحيوي المقترن بالنمو»، فالبكتيريا عادة لا تهدر طاقتها لإنتاج مركبات ليست ضرورية لبقائها، لكن الباحثين وجدوا طريقة لربط نمو البكتيريا بإنتاج «الزانثوماتين» وحمض الفورميك، الذي يعمل وقوداً لها. بمعنى آخر، لا تستطيع البكتيريا النمو إلا إذا أنتجت الصبغة، ما يشكل حلقة تغذية راجعة تحفز إنتاجها بشكل مستمر ومكثف، وتضمن استمرارية العملية بطريقة طبيعية وفعالة.
وبالإضافة إلى ذلك، استخدم الباحثون أدوات المعلوماتية الحيوية والتطور المختبري التكيفي لتحسين كفاءة البكتيريا وتمكينها من استخدام مصدر غذائي بسيط مثل الجلوكوز لإنتاج الصبغة، ما يعزز إمكانات التصنيع الحيوي المستدام للمواد الطبيعية ويقلل الحاجة إلى موارد باهظة.
ويؤكد الباحثون أن هذا الإنجاز لا يقتصر على دراسة تمويه الأخطبوطات، بل يمثل أيضاً نموذجاً لمستقبل الإنتاج الحيوي.

0 تعليق