وتبنى على الاجتماع الذي عقد أخيراً وشهد تصويتاً بأغلبية ساحقة «إعلان نيويورك» (وهو مبادرة سعودية فرنسية لإحياء ودعم فكرة حل الدولتين) التي قدّمتها المملكة، بصفتها داعية سلام وتعايش، في قمة فاس بالمغرب 1982، ثم قدّمتها بصيغة شاملة في قمة بيروت 2002.
ويأتي إلى الأذهان سؤال حول مدى تأثير هذه الخطوة والضغوط الدبلوماسية بشكل عام، خاصة أن الدعاية الإسرائيلية بدأت تضيف الاعتراف بفلسطين لذرائع عملية غزة، وتوسيع الاستيطان في القطاع، ويرد على ذلك الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: «إن على العالم أن لا يخشى ردود الفعل الإسرائيلية على الاعتراف بدولة فلسطينية»، معتبراً أن إسرائيل ماضية في سياسة تقضي بتدمير قطاع غزة وضمّ الضفة الغربية.
والتأثير على إسرائيل لا يجب فهمه على مستوى واحد، فعلى المستوى الخارجي، لا شك أن النجاحات الدبلوماسية الأخيرة تسبّب ضغطاً على إسرائيل على مختلف المستويات، خاصة من أمريكا وأوروبا حيث ارتفع عدد الدول المصوّتة لحل الدولتين فيها إلى أكثر من نصف دولها مؤخراً.
في أوروبا تكبر كرة الثلج من الاعتراف بفلسطين، إلى مراجعة الاتفاقيات التجارية، مروراً ببعض القيود على تصدير الأسلحة، وإن كانت خطوات خجولة حتى الآن، وصولاً إلى بدء المطالبة بعزلها رياضياً، وكما قال رئيس وزراء إسبانيا: «لماذا يجب النظر إلى احتلال روسيا لأوكرانيا بمنظار مختلف عن مشهد احتلال إسرائيل لغزة؟».
أوروبا تبقى الحديقة الخلفية لإسرائيل، ومساحة تنفسها الطبيعية، وبالتالي فالأثر في أوروبا موجع، واليوم لم يكن لسياسيين منتخبين أن يتخذوا هكذا قرار خاصة في دول مثل بريطانيا، إلا إدراكاً منهم أن هذه المعركة تختلف عن سابقاتها، وأن الزخم الشعبي وراءها لم يكن بضغط مظاهرات، بل استمر الدفع الشعبي خاصة من الفنانين والمؤثرين.
في أمريكا بطبيعة الحال التأثير ازداد بوعي الشارع بسردية الفلسطينيين، بالرغم من العزلة المعتادة لغالب الأمريكيين عن أخبار العالم، ولم يعد أسير السردية الواحدة، وهي أن إسرائيل تقاتل الإرهابيين.
لكن من زاوية أخرى لا يجب أن يجعلنا ذلك نعتقد أن التحالف الحكومي لبنيامين نتنياهو يضعف داخلياً، بل على العكس المجتمع الإسرائيلي يتوجّه منذ فترة طويلة إلى اليمين، وبدأ ذلك منذ اغتيال رابين ثم دفن حزب العمال من لدن إيهود باراك.
والمواطن الإسرائيلي معتاد على شكل من أشكال النبذ والعزلة عبر السنوات، وبالتالي لا يمانع أن يكون هذا ثمناً مقبولاً لهدف أكبر تسعى له الحكومة عبر وأد حل الدولتين، وقتل ما أمكن من الفلسطينيين، فنتنياهو يحاول تعظيم الفائدة من معركة أكتوبر، ولا يجب اختزال أن الهروب من المحاكمة هو الدافع حول معاركه.
اليوم ستكون المعركة بين النفوذ الإسرائيلي في شريان اقتصاد وإعلام دول غربية عدة، وبين قدرة العقوبات -إن تمّت- على التأثير في حياة المواطن الإسرائيلي ورجال الأعمال الذين تربطهم مصالح بالغرب، ومن جهة أخرى يأتي النجاح الدبلوماسي في الأمم المتحدة ليمثّل ضغطاً كبيراً مدفوعاً بقوة أوروبية عربية، حيث مثّل طوفان الأقصى الفرصة لنتنياهو، ويمثل طوفان نيويورك خسارة الفرصة.
أخبار ذات صلة
0 تعليق