والموت بل موت الأحباء بل الحبيب الأول والأكبر والأقرب من الحقائق التي يقف العقل قبل القلب أمامها حائرًا، خاصة وهو مؤمن بأن هذا هو قدر الله وقضاؤه، وأنه أمر سيمر على كل البشر ودرب سيسلكه الجميع.
أكتب كل هذه المقدمة لأقول رحيلك يا أبي كان حدثًا جللًا ومصابًا عظيمًا. نعم كنت أعلم بأن الموت حق وأواسي بها نفسي عند النوائب ولكن بعد فقدك أيقنت أنه شيء فوق طاقتي على التحمل، لم يكن فقدانًا فقط بل صدعًا كبيرًا في سيرة حياتنا، لقد كنت كل شيء، فعلًا كل شيء، ليس لي ولا لأسرتي وعائلتي بل لكل من يعرفك ويقترب من بياض قلبك وسمو روحك وكرم سجاياك.
لقد تجاوزت يا والدي مرحلة الأب المثالي لتكون الرمز المثالي لمعنى أن تكون رحيمًا ومحبًا ومسؤولًا وصانع فرح.
نعم ليس لدي إخوة، ولكن وجودك ملأ هذا الفراغ مبكرًا، فكنت الشقيق والصديق والرفيق، وعرفت معنى أن يكون اسمك رمزك حين أغشى أي محفل وأذكر اسمي فيبادر الجميع بالحفاوة والترحيب كوني ابنك، يحتفون بي لأنهم يحتفون بذكرك، وأدركت حينها أن السمعة الطيبة رأس المال الحقيقي لي ولنا.
رحلت يا أبي، ولن ترحل من قلوبنا وقلوب من جبرت خواطرهم ومن حفظت صلة الرحم بهم ومن آنستهم في وحشتهم.
رحلت يا أبي وليتك كنت معي وأنت ترى وتسمع سيل المكالمات التي تلقيتها بعد رحيلك ودهشت أيما إدهاش من كلام الناس، فكلهم أجمعوا على جملة واحدة «نعزيك ونعزي أنفسنا في هذا الرجل، فهو طيب القلب نقي السريرة».
رحلت يا أبي وليتك انتظرت قليلًا، فهناك عشرات الأسرار التي أود أن أبوح بها لك، وعشرات الأمور التي أرغب أن أستشيرك فيها، وعشرات الأماكن التي أتمنى أن أرافقك في زيارتها.
رحلت يا أبي وتركت لي ولشقيقاتي وأحفادك أرثًا عظيمًا ألا وهو سيرتك العطرة وذكرك الطيب. نم قرير العين يا والدي وهنيئًا لك دعوات الناس بالرحمة والمغفرة. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
أخبار ذات صلة
0 تعليق