تخيل أنك تصل إلى مكانة لم يصل لها أحد قبلك، يتم اختيارك أول رائد فضاء في بلدك، ثم تجبر على أن تتبول في سروالك! هذا ما حدث لـ"آلان شيبرد" أول أمريكى في الفضاء، لم يكن ذلك اضطهادا أو نوعا من العقاب، ولكنه كان سهوا من وكالة ناسا بشأن أمر من أساسيات الحياة، وهو "قضاء الحاجة".
خططت وكالة الفضاء الأمريكية للسفر خارج الأرض بمنتهى الدقة، كيف سيسافر الرائد وكيف سيعود بسلام، كيف سيتخطى عوائق الجاذبية وكيف ستدور مركبته حول الأرض، ولكنها لم تفكر في تزويد رائد الفضاء بأى إمكانية للتبول أو التبرز، روجت لبطل خارق يغزو الفضاء ونسيت أنه مازال إنسان يحتاج لدخول الحمام.
حدث ذلك تحديدا عام 1961، وسرعان ما أدركت ناسا أن عدم وجود تخطيط للحمامات يُمثل مشكلة فوضوية في الفضاء، لكن الحلول لم تكن سهلة منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، أُرسلت الوكالة مجموعة متنوعة من الحلول المؤقتة إلى الفضاء على مر السنين، بما في ذلك أكياس التبول، وأصفاد المرحاض، والحفاضات للبالغين، ومقاعد المراحيض ذات الأشرطة، ودفعت ملايين الدولارات فقط لتحقيق هذا الهدف، وذلك لأن الجاذبية التي توجد على الأرض وتسحب فضلاتك إلى أسفل بعيدًا عنك، لا توجد في الفضاء، ويمكن لأي قطرات أو قطع من براز أن تطفو خارج المرحاض، وهذا ليس جيدًا لصحة رواد الفضاء، ولا للمعدات الحساسة داخل محطة الفضاء، ومن هنا نكشف فى هذا التقرير عن معاناة رواد الفضاء الحقيقية مع التبول والتبرز خارج كوكب الأرض خاصة النساء بطبيعة أجسادهن المختلفة، وحاجتهم للجلوس أثناء التبول وللراحة خلال فترات الحيض.
الصدمة الأولى: "افعلها في بدلتك"
قاد آلان شيبرد أول رحلة فضائية بشرية للولايات المتحدة في 5 مايو 1961، لم تكن هناك خطة لكيفية تبوله، حيث كان من المفترض أن تستغرق الرحلة حوالي 15 دقيقة فقط، لكن المهندسين لم يأخذوا في الاعتبار المدة التي قد يحتاجها شيبارد للجلوس على منصة الإطلاق أولاً، وبينما ينتظر 3 ساعات كاملة، أدرك شيبارد أن مثانته أصبحت ممتلئة بشكل مزعج، طلب من الفريق الذهاب للحمام ثم الصعود للصاروخ مرة أخرى ولكن الطاقم أصر على بقائه في مكانه.

رائد الفضاء ألان شيبرد
وكما ذكر موقع " Space"، تلقى شيبرد كلمات مقلقة تتمثل في جملة "افعلها وأنتَ مُرتديًا البدلة"، ونفذ رائد الفضاء التعليمات، فتبول وهو يرتدي بدلته الفضائية، مُسببًا تماسًا كهربائيًا في أجهزة الاستشعار الحيوية الإلكترونية، حيث إنه لم تكن بدلة شيبرد الفضائية مُجهزة بنظام لجمع البول، وبذلك صعد أول أمريكي إلى الفضاء مرتديًا ملابس داخلية مبللة.
لم تُخاطر ناسا بمثل هذه المخاطرة مع مهمة جون جلين إلى الفضاء خلال أول رحلة مدارية لمركبة ميركوري في 20 فبراير 1962، التي استغرقت 4 ساعات و55 دقيقة، حيث كانت بدلة جلين الفضائية مُجهزة بأول نظام فعال لجمع البول، وحزام احتواء قابل للارتداء، وسوار مطاطي قابل للدحرجة، وأنبوب بلاستيكي، وصمام ومشبك، وحقيبة بلاستيكية لجمع البول، والتي ستُرشد الأنظمة التي يستخدمها رواد الفضاء الذكور طوال برنامج مكوك الفضاء، وظل هذا النظام معروضًا للجمهور في المتحف الوطني للطيران والفضاء منذ عام 1976.
بعد ذلك، بدأت ناسا بتزويد رواد الفضاء ببعض أدوات التبول، حيث كانت بعض أدوات جمع البول الأولى تأتي بثلاثة أحجام، وأطلقت عليها ناسا اسم "أصفاد اللف"، ولم تكن مصممة للاستخدام من جانب النساء، وكانت الأصفاد المصنوعة من اللاتكس متصلة بأنبوب بلاستيكي، وصمام، ومشبك، وحقيبة تجميع، ولم يكن نظامًا ممتازًا، حيث كان يسرب أحيانًا.
قطع البراز تطفو في الهواء
كانت مهمات الفضاء "جيميناي" في ستينيات القرن الماضي أول محاولة من ناسا للتعامل مع البراز في الفضاء، حيث كانت أولى الأجهزة المصممة لهذا الغرض أكياسًا تُلصق برواد الفضاء، وكشفت ناسا عبر موقعها الرسمي، "بعد التبرز، كان على عضو الطاقم إغلاق الكيس وعجنه لخلط مبيد بكتيريا سائل بمحتوياته لتحقيق درجة الاستقرار المطلوبة للبراز، ولأن هذه المهمة كانت كريهة وتتطلب وقتًا طويلًا، فقد استُخدمت أطعمة قليلة الرواسب وملينات بشكل عام قبل الإطلاق".

أكياس البراز الخاصة برواد الفضاء
لم تكن الأداة المستخدمة في مهمات أبولو أفضل حالًا بكثير، فقد كانت لا تزال نظامًا يعتمد على الأكياس، حتى أن ناسا تحتفظ بسجل لجميع عينات البراز التي جُمعت في مهمات أبولو، ولكن مع ذلك لم يتم التعامل مع كل عينة بشكل سليم، فخلال مهمة أبولو 10 عام 1969، قال رائد الفضاء توم ستافورد فجأةً: "أحضروا لي منديلًا سريعًا.. هناك فضلات تطفو في الهواء"، فيما قال رائد الفضاء جون يوند: "لم أفعل ذلك.. إنها ليست من مخلفاتي"، وفقًا لنص من ناسا.
وطورت ناسا "نظامًا لاحتواء البراز" ليستخدمه رواد فضاء أبولو خارج المركبة الفضائية، ويتكون النظام من "سروال داخلي قصير بطبقات من مادة ماصة" مثل الحفاضات الضخمة، ووفقًا لناسا، "يُستخدم هذا السروال لاحتواء أي فضلات".

حفاض الفضاء الحالى
فتحة في الحائط.. هكذا كان أول مرحاض في الفضاء
انتقل العمل في الفضاء من مجرد رحلة فضائية تمتد لعدة ساعات إلى حياة تستمر لأشهر متواصلة، وذلك بعد أن أنشأت ناسا "سكاي لاب" أول محطة فضائية لها عام 1973، وأصبحت هناك حاجة إلى مرحاض فضائى، حيث دعمت سكاي لاب ثلاث مهمات فضائية مأهولة في عامي 1973 و1974؛ حيث امتدت آخرها وأطولها 84 يومًا.

أول مرحاض فى الفضاء بمحطة سكاى لاب
ووفقا لما ذكره موقع "business insider"، كان أول مكان يعد بمثابة "مرحاض" رواد الفضاء عبارة عن فتحة في الحائط، متصلة بمروحة وكيس بلاستيكي، وبعد قضاء حاجتهم، كان على رواد سكاي لاب تجفيف برازهم بالمكنسة الكهربائية باستخدام الحرارة لإلقائه في خزان النفايات أو دراسته، وقال رائد الفضاء مايك ماسيمينو إنه استخدم قيودًا للفخذين عندما احتاج للجلوس على مرحاض الفضاء، لأن الجلوس عليه كان أشبه بركوب دراجة هوائية، ثم جاء عصر مكوك الفضاء ومعه النساء والمراحيض المتقدمة في الفضاء.
صُمم المرحاض الأصلي عام 2000 للرجال في محطة الفضاء الدولية، وكان من الصعب على النساء استخدامه، لأنه كان عليهن التبول واقفات، وللتبرز استخدم رواد الفضاء أحزمة للفخذ للجلوس على المرحاض الصغير وللحفاظ على إغلاق محكم مع مقعد المرحاض، لكنه لم يكن يعمل بشكل جيد وكان من الصعب الحفاظ على نظافته.
ولتمكين رائدات الفضاء من التبول أثناء الإطلاق والسير في الفضاء، ابتكرت ناسا نظام احتواء الامتصاص القابل للاستخدام لمرة واحدة، والذي صُمم لامتصاص البول، ولم يكن نظام المرحاض سهل الاستخدام، كان عرض الفتحة أقل من 4 بوصات، أي حوالي ربع حجم فتحة المرحاض العادية، وكان على رواد الفضاء التدرب على استخدام المرحاض على الأرض أولاً، حتى أن بعض الرحلات التجريبية تضمنت كاميرا خاصة أسفل المقعد لإتقان التصويب.
ووصل بعد ذلك مرحاض روسي الصنع، بلغت تكلفته 19 مليون دولار، إلى محطة الفضاء الدولية، وأصبح ثاني مرحاض في المحطة، عندما تعطل المرحاض الأول وساعد في إعادة تدوير البول.
الدورة الشهرية فى الفضاء.. معاناة لا يعرف عنها رواد الفضاء الذكور
كانت فالنتينا تيريشكوفا الروسية أول امرأة تخوض غمار الفضاء، كان ذلك عام 1963، ومنذ ذلك الحين، سارت 99 رائدة فضاء أخرى على خطاها وسافرت خارج الغلاف الجوي للأرض، لكن السؤال المُلح هو: كيف تتعامل رائدات الفضاء مع دورتهن الشهرية في ظل انعدام الجاذبية؟ هل سيتدفق دم الحيض كأي شيء آخر؟ على عكس كل المخاوف، كانت الدورة الشهرية طبيعية كما هي على الأرض، بينما افترض الكثيرون أن تدفق الطمث يكون عكسيًا في الجاذبية الصغرى، لم تُبلّغ عن أي حوادث من هذا القبيل.

أول أمريكية فى الفضاء
ووفقا لما ذكره موقع "Times of India"، قد لا تحتاج رائدات الفضاء إلى تحمل دورتهم الشهرية، حيث يمكنهم إيقافها مؤقتًا أثناء مهمتهم من خلال بعض الأدوية الهرمونية، وذلك لتحديات قاسية في الفضاء، مثل النظافة، وزيادة وزن السدادات القطنية وغيرها من الأدوات الصحية، وموارد المياه المحدودة.
ولكن ما الذى سيحدث في حال لم تتوقف الدورة الشهرية وخاصة أن الأدوية اختيار قد لا تفضله بعضهن؟ في أول رحلة لرائدة فضاء أمريكية والتي كانت بعد عشرين عاما من إرساله أول امرأة روسية، وهى رائد الفضاء سالى رايد، اقترحت ناسا في البداية على رايد إرسال 100 سدادة قطنية لها في رحلة استكشافية مدتها أسبوع واحد، لكن أبلغت رايد مهندسي ناسا أنهم يستطيعون تقليص العدد المقترح إلى 50% دون مشكلة.
وفقًا للمركز الوطني الأمريكي لمعلومات التكنولوجيا الحيوية، كما جاء عن موقع wethecurious، يبلغ إجمالي كمية الدم المفقودة خلال دورة شهرية واحدة عادةً حوالي 60 مل، وقد تصل كمية الدم المفقودة في الدورات الشهرية الغزيرة إلى حوالي 80 مل، وتحتوي السدادة القطنية ذات الامتصاص العادي على حوالي 6 مل من دم الحيض، وباستخدام هذه الأرقام، يمكن افتراض أن الدورة الشهرية الواحدة قد تحتاج إلى حوالي 10 إلى 14 سدادة قطنية، وبطبيعة الحال، يختلف كل جسم عن الآخر، وربما يكون العدد الفعلي حوالي 20.
23 مليون دولار لإنشاء مرحاض فضائى متطور
بسبب صعوبة استخدام المراحيض السابقة، أنفقت ناسا 23 مليون دولار، في عام 2018، على مرحاض جديد ومُحسن، وصمم المرحاض الجديد كمرحاض مفرغ مصمم خصيصًا، يتكون من جزأين: خرطوم مزود بقمع في نهايته للتبول، ومقعد مرحاض صغير مرتفع للتبرز، وهذا الحمام مليء بمقابض الأيدي والأقدام لمنع رواد الفضاء من الاستلقاء أثناء قضاء حاجتهم.

المرحاض فى الفضاء
كما أنه للتبول، يمكنهم الجلوس أو الوقوف ثم إمساك القمع والخرطوم بإحكام على بشرتهم حتى لا يتسرب شيء، وللتبرز، يرفع رواد الفضاء غطاء المرحاض ويجلسون على المقعد، تمامًا كما هو الحال هنا على الأرض، لكن هذا المرحاض يبدأ بالشفط بمجرد رفع الغطاء لمنع الأشياء من الانجراف بعيدًا، وللسيطرة على الرائحة الكريهة، كما أنه لضمان إحكام تثبيت مقعد المرحاض على جلوس رواد الفضاء، يكون مقعد المرحاض أصغر من مقعد المرحاض في منزلك.
فيما أصبح يستخدم رواد الفضاء من الجنسين حفاضات متطورة ذات قدرة امتصاصية العالية عند السير في الفضاء.
كيف يتخلص رواد الفضاء من الفضلات؟
تعد مراحيض محطة الفضاء الدولية فعالة جدًا في جمع البول، حيث يُعاد تدوير حوالي 90% منه ليصبح ماءً صالحًا للشرب لرواد الفضاء، وفي بعض الأحيان، يُعاد براز رواد الفضاء إلى الأرض ليدرسه العلماء، ولكن في معظم الأحيان، تُحرق نفايات الحمام، بما في ذلك البراز، حيث يُفرغ البراز بالمكنسة الكهربائية في أكياس قمامة تُوضع في حاويات محكمة الإغلاق.
كما يضع رواد الفضاء ورق التواليت والمناديل والقفازات، فالقفازات تساعد في الحفاظ على نظافة كل شيء، في الحاويات أيضًا، ثم تُحمل الحاويات في سفينة شحن تحمل الإمدادات إلى محطة الفضاء، وتُطلق هذه السفينة نحو الأرض وتحترق في الغلاف الجوي العلوي للأرض، وإذا سبق لك أن رأيت شهابًا، فربما لم يكن نيزكًا يحترق في الغلاف الجوي للأرض، بل ببساطة ربما كان براز رواد فضاء مشتعلًا.

حمام محطة الفضاء الحالى
ومازالت معاناة المرحاض في الفضاء مستمرة، حيث صرحت رائدة الفضاء المتقاعدة، بيجي ويتسون، التي قضت وقتًا في الفضاء أكثر من أي رائد فضاء آخر في ناسا، إن الطفو رائع، لكن الذهاب إلى الحمام في الفضاء ليس كذلك، وقالت عن المرحاض: "بعد أن يمتلئ، عليك ارتداء قفاز مطاطي وتكديسه"، وبعد عرض كل هذه التحديات والصعوبات قد يتغير نظرتك للسفر إلى الفضاء، فهى ليست عملية طفو في انعدام الجاذبية ومتعة الخروج من الكوكب ولكنها حياة قاسية يجبر على العيش فيها علماء وباحثون يجرون تجارب خارج الأرض.

0 تعليق