أ ف ب: في تصعيد دبلوماسي غير مسبوق بين بوغوتا وواشنطن، اتهم الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو الولايات المتحدة بارتكاب ما وصفه بـ"عملية اغتيال" ضد أحد الصيادين الكولومبيين، إضافة إلى انتهاك السيادة البحرية لبلاده في البحر الكاريبي، وذلك في إطار العمليات العسكرية التي تقودها القوات الأمريكية لمكافحة تهريب المخدرات في المنطقة.
وفي منشور شديد اللهجة على منصة "إكس" (تويتر سابقاً)، كتب بيترو قائلاً:
"ارتكب موظفون في الحكومة الأميركية عملية اغتيال وانتهكوا سيادة مياهنا الإقليمية"،
مشيراً إلى أن بلاده ستتخذ الخطوات اللازمة للدفاع عن كرامتها الوطنية وحقوق مواطنيها.
حادثة سبتمبر تُفجر الأزمة
تعود خلفية هذه الاتهامات إلى حادثة وقعت في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما أطلقت قوات أمريكية النار على قارب في البحر الكاريبي، ما أدى إلى مقتل المواطن الكولومبي أليخاندرو كارانزا.
وكانت القوات الأمريكية قد بررت العملية حينها بأنها جاءت ضمن مهمة ملاحقة مهربي مخدرات في المياه الدولية، إلا أن السلطات الكولومبية تؤكد أن الهجوم وقع داخل مياهها الإقليمية، وأن القتيل لم يكن متورطاً بأي نشاط غير قانوني.
وقال بيترو في منشوره: "الصياد أليخاندرو كارانزا لم يكن لديه أي صلة بتجارة المخدرات، وكان نشاطه اليومي هو الصيد"، مضيفاً أن ما حدث "جريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة تتعلق بمكافحة المخدرات".
دعوات للتحقيق ومساءلة دولية
وفي تصريحات لاحقة، شدد مسؤولون في الحكومة الكولومبية على أن الحادثة لن تمر دون مساءلة، مطالبين بفتح تحقيق مشترك تحت إشراف الأمم المتحدة لتحديد ملابسات الحادث والمسؤولين عنه.
ونقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر في وزارة الخارجية قوله إن بوغوتا ستطلب توضيحات رسمية من السفارة الأمريكية، مشيراً إلى أن هذه الواقعة تمثل "خرقاً واضحاً للسيادة الوطنية وتجاوزاً للقانون الدولي".
من جانبها، لم تصدر واشنطن تعليقاً رسمياً حتى مساء السبت، لكن مسؤولاً في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قال لشبكة "سي إن إن" إن القوات الأمريكية "تعمل وفق القوانين الدولية" و"لا تستهدف المدنيين".
تحول في الخطاب الرسمي
يأتي هذا التصعيد في وقت يشهد فيه العلاقات الأمريكية–الكولومبية توتراً متزايداً منذ تولي بيترو، وهو أول رئيس يساري في تاريخ البلاد، مهامه عام 2022. فقد دعا مراراً إلى إعادة تقييم سياسات مكافحة المخدرات التي تتبناها واشنطن، واعتبرها "فاشلة ومكلفة بشرياً وبيئياً".
ويرى مراقبون أن اتهام بيترو المباشر للولايات المتحدة يمثل تحولاً جذرياً في الخطاب الدبلوماسي الكولومبي، الذي كان تاريخياً من أكثر حلفاء واشنطن ولاءً في أمريكا اللاتينية.
وقال الخبير في الشؤون الإقليمية، كارلوس بويغ، في حديث لصحيفة "إل تيمبو"، إن "بيترو يستخدم هذه الحادثة لتأكيد استقلال قراره السياسي، وربما لإعادة رسم حدود العلاقة مع واشنطن بما يتماشى مع توجهاته اليسارية".
بوغوتا تتمسك بالسيادة
وفي ختام بيانه، أكد الرئيس الكولومبي أن بلاده "لن تسمح بتكرار مثل هذه الانتهاكات"، مضيفاً أن حكومته ستطالب بتعويضات لعائلة الضحية، وضمانات بعدم تكرار الحوادث في المستقبل.
ويأتي هذا الموقف في وقت حساس تشهد فيه كولومبيا نقاشات واسعة حول إعادة تعريف التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، خصوصاً في مجالات مكافحة المخدرات والوجود العسكري في البحر الكاريبي، مما ينذر بمرحلة جديدة من الشد والجذب السياسي بين البلدين.
0 تعليق