غالبا ما يُستشهد بمقولة الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري أرويه الشهيرة “أنا لا أتفق معك، لكنني سأكافح حتى تعبر عن رأيك”، إلا أن الواقع يظهر أن حرية التعبير في أوروبا تخضع لاعتبارات عرقية ودينية.
وقد تناولت حلقة (2025/10/16) من برنامج "مواطنون درجة ثانية" مدى التفاوت في ممارسة حرية التعبير بين المسلمين الأوروبيين من أصول عربية والأوروبيين أصحاب البشرة البيضاء، مسلطة الضوء على التمييز العنصري الذي يواجه الأقليات في الغرب.
حيث توقف البرنامج عند حادثة مجلة تشارلي إيبدو التي أعادت نشر رسومات مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم عام 2006، فالصحيفة عكست التعريف الأكثر قسوة لحرية التعبير حين بررت ما ارتكبته آنذاك بأنها "تقول ما تشاء كيفما تشاء وعمّن تشاء"، لكنها دفعت حياة صحفيّها آنذاك ثمنا لهذه الحرية.
اقرأ أيضا
list of 4 items end of listومن وجهة نظر ممثل اتحاد الصحافة الفرنسية أوليفييه دا لاج فإن انتشار المسلمين في فرنسا على مدى عقود زرع شعورا بالخوف لدى الفرنسيين البيض من سيطرة المسلمين، ما سمح للفرنسيين بانتقاد المسلمين بشكل جماعي بينما يحجم الصحفيون عن انتقاد اليهود أو الحكومة الإسرائيلية خشية التعرض لحملات منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي.
أما الصحفي المستقل طه أبو حفص الفرنسي من أصول جزائرية فقد تحدث عن نضاله ضد العنصرية في فرنسا، مؤكدا أن العنصرية التي يتعرض لها يوميا، تظهر من أصغر المواقف إلى أكبرها؛ إذ يستحوذ الفرنسي الأبيض على أرقى معاملة مقارنة به، وبكل من هم من عرقيات مختلفة.
ويقول أبو حفص إنه لكونه من "صحفيي الأقليات" فإنه لا يتمتع بحرية حقيقية للتعبير، وإن تلك الحرية تتحدد في فرنسا بحسب أصول الشخص إن كانت فرنسية أم لا، وكذلك لون بشرته وعناصر أخرى، هي في الحقيقة التي تحدد حدود حرية التعبير التي تكفلها له فرنسا. ويصنف أبو حفص نفسه على أنه "مواطن درجة ثالثة" في فرنسا التي يحمل جنسيتها.
وفي تعداده للمواقف التي تعرض لها للاضطهاد بسبب اصوله العرقية، أكد الصحفي ذو الأصول الجزائرية أن معداته الصحفية غالبا ما تُتلف عمدا أثناء تغطيته للأحداث السياسية.
إعلان
كما تحدث أبو حفص عن تغريمه بمبلغ 1500 يورو بعد انتقاده استغلال وزارة الداخلية لوجود شرطية من أصل جزائري ضمن كادرها لنفي وجود العنصرية في جهاز الشرطة الفرنسي.
من جانبه تحدث المحامي الفرنسي أريه عليمي عن الموقف القانوني من هذه الممارسات التي ترتكبها عناصر الشرطة الفرنسية ضد الأقليات، وقال إن الداخلية الفرنسية لا ترغب في وجود صحفي يوثق حوادث العنصرية التي تحدث هناك.
وأكد أن الرجل الأبيض بالفعل يتمتع بحقوق تتفوق على نظيره من صاحب الأصول العربية أثناء قيامه بالعمل الصحفي خاصة إن كان ما يغطيه من أحداث مرتبط بالعنصرية ضد الأقليات.
حرق القرآن
وفي الدانمارك، تفاخر السياسي اليميني المتطرف راسموس بالودان بقيامه بحرق القرآن في الساحات العامة، الأمر الذي يدرجه القانون الدانماركي ضمن قانون الحرية "العامة للتعبير"، رغم ما يخلفه هذا الحدث من أثر عميق لدى جموع المسلمين بالغرب.
وتحدث بالودان عن حرقه للقرآن 3 مرات أمام السفارة التركية في يناير/كانون الثاني 2023، معتبرا أن هذا الفعل عمل بسيط لا يقارن ببقية أفعاله، وبرر فعله هذا بأنه "اعتراض" على تدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في ممارسة حرية التعبير في السويد.
وقال إنه رغب في إيصال رسالة أنه لا حدود لحرية التعبير حتى وإن وصلت لحرق "كتابكم المقدس"، معتبرا أن ارتكابه لهذا الفعل لا يتعلق بالإسلام ولا بالشعب التركي أو "الناتو"، لكن اعتراضه على ما لوح به أردوغان آنذاك.
وفي لحظة تاريخية، صوت البرلمان الدانماركي بالأغلبية على قانون يجرم حرق القرآن والكتب المقدسة الأخرى في ديسمبر/كانون الأول لعام 2023، بعد 500 عملية حرق القرآن في أماكن عامة في الدانمارك خلال الشهور الستة الأخيرة في نفس العام، الأمر الذي أدى لتأجيج غضب المسلمين محليا وعالميا.
وحالات حرق القرآن لم تقتصر على الدانمارك فحسب بل وصلت إلى دول عدة، فكانت السويد من أبرز المناطق التي اشتعلت فيها حالات حرق القرآن، تحت ذريعة حرية التعبير.
وتحدث وزير خارجية السويد السابق توبياس بيلستروم عن عزم بلاده التصدي لأي محاولات مستقبلية لحرق القرآن، وأشار إلى الإجراءات التي اتخذتها حكومة السويد بشأن قانون النظام العام الذي يتعلق بحفظ الحريات ومن ضمنها حرية التعبير والتظاهر وغيرها.
وأضاف بيلستروم أن حكومة السويد تسعى لتحديد صلاحيات الشرطة السويدية بتقييم ما يخص قضايا الأمن الوطني ومنح تصاريح لتنظيم المظاهرات.
واعتبر أن استهداف القرآن تحديدا بحرقه هو عملية تصدر من أشخاص يرغبون في إثارة الانقسام وتهدف إلى إثارة الفرقة بين العالم الإسلامي والسويد، و"هو الأمر الذي اعترف به الجناة أنفسهم بعد التحقيق معهم".
ومن جانبه، أكد السياسي الهولندي السابق يورام فان كلافيرين -الذي تحول من يميني متطرف معادٍ للإسلام لسنوات إلى داعم للمسلمين- على وجود تمييز عنصري يمارس ضد المسلمين بشأن ملف حرية التعبير والاعتقاد بشكل عام في الغرب وفي هولندا.
واعتبر أن العالم الغربي يكيل مفهوم حرية التعبير بمكيالين، فمن ناحية يتوقعون من الفرد رأيا ليبراليا تقدميا وعلمانيا وفي اللحظة التي يستخدم فيها المسلم هذه الحقوق نفسها لإعطاء رؤية محافظة عن الأسرة على سبيل المثال يصبح الأمر مشحونا للغاية وبعد ذلك تبدأ جميع أنواع القوى الأخرى بالشحن ضده، الأمر الذي يحرم المسلمين من كثير من المميزات.
إعلان
وتحدث عن التمييز العنصري الذي يفرض ضد المسلمين تحديدا، فهم محاصرون بين فكي العنصرية اليمينية وقيود الحرية اليسارية، فاليمينيون من الأوروبيين يكرهون أن يتمتع المسلم بهذه الحرية، فقط لأنهم جاؤوا من بلاد أخرى ويندرجون تحت عرقيات و"أصول متخلفة".
في حين لا يحمل اليساريون ضغينة ضد المسلمين، لكنهم لا يتوافقون معهم في آرائهم ومعتقداتهم، ويرون "أن على كل مسلم ألا يمارس دينه بشكل ظاهر بل يجب أن يؤمن بما يعتقده الغرب".
Published On 19/10/202519/10/2025
|آخر تحديث: 13:52 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:52 (توقيت مكة)
0 تعليق