كتب محمد الجمل:
ما زال المواطنون والنازحون في قطاع غزة يواجهون ظروفاً قاسية، ويعيشون في خطر كبير، خاصة بعد موجة التصعيد الأخيرة التي كشفت مدى هشاشة وقف إطلاق النار.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من قطاع غزة، وركزت على معاناة المواطنين والنازحين، منها مشهد يوثق تحوّل المناطق الصفراء في القطاع إلى أماكن شديدة الخطورة، ومشهد آخر يُسلّط الضوء على مخاوف المواطنين من تجدد المجاعة في القطاع، ومشهد ثالث يرصد استمرار تقييد عدد شاحنات المساعدات التي تصل للقطاع بشكل يومي.
مناطق خطيرة
تغيّر الوضع الأمني والميداني في قطاع غزة بعد موجة الغارات العنيفة التي شهدها القطاع، الأحد الماضي، إذ كثفت قوات الاحتلال تمركزها على طول ما بات يُعرف بـ"الخط الأصفر".
وأكد مواطنون أن كافة مناطق شرق وشمال وجنوب القطاع، التي ما زالت خاضعة لسيطرة الاحتلال، شهدت تصاعداً في الاعتداءات والهجمات الإسرائيلية، بما يشمل إطلاق نار مستمراً، وقصفاً مدفعياً، وتحليقاً مُكثفاً من المسيّرات في الأجواء.
ولأول مرة منذ بداية التهدئة الحالية، أعلن الاحتلال، مساء الأحد الماضي، جميع المناطق المظللة باللون الأصفر، وتشمل نصف مساحة قطاع غزة، أنها مناطق قتال خطيرة، داعياً جميع سكان القطاع إلى سرعة إخلائها، بينما أطلقت دبابات ومسيّرات قذائف دخانية وقنابل حارقة تسببت بحرق عشرات الخيام لمواطنين عادوا إلى أراضيهم ومحيط منازلهم المدمرة شرق مدينة خان يونس.
كما تقدّمت دبابات باتجاه بلدة عبسان، وتمركزت عند مشارف البلدة، وكشفت غالبية المناطق فيها، ما تسبب بحالة نزوح واسعة، إذ أُجبر المواطنون على العودة إلى منطقة المواصي غرب مدينة خان يونس مجدداً.
وأشار المواطن محمد قديح، من سكان بلدة عبسان الجديدة، شرق خان يونس، إلى أن الوضع قبل التصعيد الأخير كان جيداً نوعاً ما، وكان يُجهز لعودة عائلته إلى محيط منزلهم المدمر، عبر إقامة خيمة من الصفيح لكن، منذ الأحد الماضي، أصبح الوضع هناك خطيراً جداً، والقصف وإطلاق النار تصاعد، كما أن الدبابات باتت متوقفة على حافة البلدة من الناحية الشرقية.
وبيّن أن غالبية المواطنين الذين عادوا للبلدة وباقي بلدات شرق خان يونس، اضطروا مؤخراً إلى إخلاء بيوتهم، ونزحوا باتجاه الغرب من جديد.
ولفت قديح إلى أن الاحتلال يحاول خلق واقع جديد في مناطق شرق خان يونس، ويعمل على تقسيم المدينة مكانياً، جزء خاضع لسيطرته الكاملة، وجزء يسمح للسكان بالتحرك فيه، وهذا ينطبق على مدينة غزة، وشمال القطاع، ورفح بالكامل.
مخاوف تجدّد المجاعة
بمجرد إعلان حكومة الاحتلال إغلاق المعابر أمام السلع والمساعدات في قطاع غزة، تدفق عشرات آلاف المواطنين على البسطات والمتاجر، لشراء ما استطاعوا من سلع غذائية بهدف تخزينها، خشية تجدد المجاعة التي استمرت منذ بداية آذار حتى نهاية أيلول الماضي.
وركّز مواطنون على شراء سلع غذائية، ومواد تنظيف قابلة للتخزين الطويل، خاصة السكر، وزيت الطعام، والسمنة، والأرز، والطحين، إضافة إلى الصابون بمختلف أنواعه.
وقال المواطن إبراهيم زيدان" إن سكان القطاع عامة يخشون تجدد المجاعة، ويتوقعون إعادة إغلاق المعابر في أي لحظة، فالتهدئة الحالية تبدو هشة، والاحتلال يتلكأ من أجل خرقها، وما حدث الأحد الماضي دليل على ذلك.
وأوضح أنه كغيره من المواطنين عمل على وضع مخزون من المواد الغذائية ومواد التنظيف في خيمته، بحيث لا يقتربون منه طالما البضائع متوفرة في السوق، مع ضمان تجديده، عبر تبديل السلعة بأخرى، حتى لا يفسد.
وذكر أن ما قام به المواطنون، مساء الأحد الماضي، كان طبيعياً، فالتدفق على المحال التجارية والبسطات لتخزين السلع سلوك طبيعي بعد ما عاناه المواطنون من أزمات خلال فترة المجاعة، لكن الأمر المثير للقلق والمحزن، هو قيام بعض الباعة والتجار بإغلاق بسطاتهم، وإخفاء السلع، بهدف احتكارها ورفع أسعارها، وهناك من قاموا بشراء السلع من السوق بكميات كبيرة لذات الغرض، لكن إلغاء قرار فتح المعبر عاد عليهم بالسلب، كأن الله عاقبهم على سوء نواياهم.
بينما قال المواطن محمد السلطان: إن التهدئة الهشة، والوضع غير المستقر، يدفعان الجميع للخوف من القادم، وهذا دفعه وغيره من المواطنين للتوجه إلى المحال التجارية وشراء السلع بهدف التخزين.
وأشار إلى أنه أُعجب باقتراح زوجته، شراء ما تحتاجه الأسرة من أي سلعة بنسبة الضعفين، جزء للاستخدام الفوري، وآخر للتخزين، وبذلك يكون تخزين كمية من الطعام والمواد الاستهلاكية بالتدريج، ودون أن يرهق نفسه مادياً عبر الشراء مرة واحدة.
ولفت إلى أن الطقس يخدمه وغيره من المواطنين، فاقتراب الشتاء يوفر فرصة للتخزين، فالفصل البارد لا يسهم في فساد السلع، خاصة الطحين، كما يحدث في فصل الصيف.
تقليص مستمر للمساعدات
رغم مرور 12 يوماً على سريان اتفاق وقف إطلاق النار، إلا أن الاحتلال لم يلتزم مطلقاً بمعظم بنوده، خاصة فيما يتعلق بدخول المساعدات الإنسانية بكميات كافة، تصل إلى 600 شاحنة يومياً.
وما زال الاحتلال يقلص كميات المساعدات التي تصل للقطاع من خلال المعابر، ويهدد باستمرار بوقفها، بل اتخذ قراراً بذلك، وبعدها بساعات تراجع عنه.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن إجمالي ما دخل إلى القطاع منذ بدء سريان قرار وقف إطلاق النار بلغ 986 شاحنة مساعدات إنسانية فقط، من أصل 6,600 شاحنة يفترض دخولها حتى مساء أول من أمس، وفقاً لما تم الاتفاق عليه في نصوص القرار.
وتضمنت القوافل الإنسانية 14 شاحنة محملة بغاز الطهي، و28 شاحنة سولار مخصصة لتشغيل المخابز، والمولدات، والمستشفيات، والقطاعات الحيوية المختلفة، في ظل النقص الحاد بهذه المواد الحيوية، التي يعتمد عليها السكان بشكل مباشر للحياة اليومية، بعد أشهر طويلة على الحصار والتدمير الممنهج الذي خلّفته حرب الإبادة التي ارتكبها الاحتلال ضد سكان قطاع غزة.
وأشار المكتب الإعلامي إلى أن متوسط عدد الشاحنات التي تدخل القطاع يومياً منذ بداية سريان وقف إطلاق النار، لا يتجاوز 89 شاحنة فقط من أصل 600 شاحنة يُفترض دخولها يومياً، ما يعكس استمرار سياسة الخنق والتجويع والابتزاز التي يمارسها الاحتلال بحق أكثر من 2.4 مليون مواطن في غزة.
وأكد أن هذه الكميات المحدودة لا تغطي الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية والمعيشية، وأن قطاع غزة بحاجة ماسّة إلى تدفق عاجل ومنتظم لما لا يقل عن 600 شاحنة مساعدات يومياً تشمل المواد الغذائية والطبية والإغاثية ووقود التشغيل وغاز الطهي، لضمان الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة.
في حين، بيّن مواطنون أنهم ومنذ بداية اتفاق التهدئة لم يتسلموا أي مساعدات غذائية أو عينية من الجهات الإغاثية، بخلاف ما كانوا يتوقعونه بأن يتم استئناف توزيع المساعدات بعد اتفاق التهدئة.
وقال المواطن بسام عامر: إنه لم يتسلم سوى طرد صغير من اللجنة المصرية، مستهجناً عدم توزيع المساعدات من برنامج الغذاء العالمي، أو وكالة الغوث "الأونروا"، وغيرهما من المؤسسات الإغاثية.
واستغرب عامر صمت الوسطاء وضامني الاتفاق على استمرار خرق الاحتلال للاتفاق، خاصة ما يتعلق بعدد الشاحنات اليومي، التي يسمح بدخولها، وتلاعب سلطات الاحتلال بهذا البند الأخير.
وشدّد على ضرورة التصدي لعصابات سرقة المساعدات، ومعاقبتهم، لما تسببوا به من أذى بليغ للمواطنين، ومنعهم وصول الغذاء إلى مستحقيه.

0 تعليق