على عكس الصورة النمطية التي تُروّج لفكرة أن العزوبية حياة الحرية والسعادة المطلقة، وأن الرجل العازب يعيش أكثر راحة وانطلاقًا بعيدًا عن قيود الزواج، تكشف الدراسات والأبحاث العلمية عن واقع مغاير تماما.
فقد بيّنت نتائج عدة أن الرجل بطبيعته يميل إلى الارتباط والاستقرار، وأن الزواج يمنحه إحساسًا بالانتماء والدعم النفسي والاجتماعي، في حين أن العزوبية غالبًا ما تقوده إلى الشعور بالوحدة وتراجع مستوى السعادة والرضا عن الحياة.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listيبقى السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتعارض ما تقوله الأبحاث العلمية مع ما يكرّسه الموروث الشعبي من صورة "الرجل السعيد بحريته"؟
الرجل العازب أكثر تعاسة
يختار بعض الرجال العيش دون زوجة، وهو ما يجعلهم محط إعجاب وحسد من بعض أقرانهم المتزوجين والمسؤولين عن أسرة وأطفال.
وبينما يبدو أن العازب أكثر انطلاقا وسعادة وأقل ميلا للارتباط طويل المدى، فإن الواقع يكشف شيئا مغايرا.
وفقا لمركز بيو للأبحاث، فإن 63% من الرجال الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما، في الولايات المتحدة، عازبون، مقارنة بـ34% من النساء. يبحث نصف هؤلاء الرجال عن علاقة ملتزمة، مقارنة بـ35% من النساء العازبات اللاتي لا يبحثن عن علاقة.
في أكتوبر/تشرين الأول 2024، نشرت مجلة علم النفس الاجتماعي وعلم الشخصية دراسة حديثة قلبت المفاهيم التقليدية رأسًا على عقب، فقد ناقض الباحثان إيلين هوان وجيف ماكدونالد الصورة النمطية الراسخة التي تقول إن النساء يبحثن عن الاستقرار الأسري بينما يسعى الرجال وراء الحرية والعزوبية.
جاءت نتائج الدراسة مفاجِئة وصادمة، إذ أظهرت أن النساء العازبات أكثر سعادة من الرجال العازبين. وأوضح الباحثان أن هذا الفارق يعود إلى تحولات اجتماعية عميقة غيّرت نظرة المجتمع إلى العزوبية، وخصوصًا بالنسبة للنساء.
ففي الماضي، كانت المرأة غير المتزوجة تتعرض لضغط اجتماعي قوي يدفعها إلى الزواج خشية أن تُوصم بأنها "غير مرغوبة" أو "ناقصة الاستقرار"، وهو ما كان يولّد شعورًا بالقلق والتعاسة لدى الكثيرات.
إعلان
أما اليوم، فقد أصبح المجتمع أكثر تقبّلا لاستقلال المرأة وقدرتها على عيش حياة مكتملة دون زواج أو تبعية، مما جعل النساء العازبات أكثر ارتياحًا ورضى عن حياتهن.
لكن في المقابل، تطرح الدراسة سؤالا لافتا: إذا كانت النساء أكثر سعادة في العزوبية اليوم، فلماذا لا ينطبق ذلك على الرجال؟ ولماذا يبدو الرجل العازب أكثر بؤسا ووحدة؟
ما الذي يخسره العازب؟
تُظهر الدراسات النفسية والاجتماعية أن معاناة كثير من الرجال من العزوبية لا تعود فقط إلى غياب العلاقة العاطفية، بل إلى المعايير الصارمة المرتبطة بمفهوم الرجولة، والتي تجعلهم يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم أو بناء علاقات إنسانية قريبة.
يقول فريدريك رابينوفيتز، أستاذ علم النفس في جامعة ردلاندز الأميركية، إن العديد من الرجال يعتبرون العلاقة العاطفية منفذهم العاطفي والاجتماعي الوحيد، ولذلك يشكّل غيابها مصدر قلق وفراغ نفسي كبير.
ويوضح، في تقرير نشره موقع فوكس، أن الرجل يتوقع من شريكته أن تكون الملاذ الآمن الذي يثق به ويشاركه تفاصيل الحياة اليومية، من تبادل العاطفة والنكات إلى حل المشكلات وحتى الأعمال المنزلية.
ويرى رابينوفيتز أن السبب في ذلك هو أن الكثير من الرجال تربّوا على كبت العواطف، إذ يُنظر إلى التعبير عنها بوصفه علامة ضعف، لذلك يعتمدون على الشريكة كمنفذ وحيد للتعبير عن مشاعرهم، وحين لا تكون لديهم علاقة، يشعرون بالعزلة والحرمان العاطفي، خاصة أنهم غالبًا ما يفتقرون إلى الصداقات العميقة أو الدوائر الاجتماعية الداعمة.
إلى جانب الآثار النفسية، تشير أبحاث عديدة إلى أن الزواج ينعكس إيجابًا على صحة الرجل الجسدية والنفسية، فبحسب منشورات كلية الطب بجامعة هارفارد، يتمتع الرجال المتزوجون بصحة أفضل وأعمار أطول مقارنة بغير المتزوجين، إذ يوفّر الزواج نمط حياة أكثر انتظامًا واستقرارًا يشمل تغذية متوازنة، وممارسة الرياضة، ورعاية طبية مستمرة.
في المقابل، يكون العازبون والمطلقون والأرامل أكثر عرضة للتدخين والسلوكيات غير الصحية. وتلعب الزوجة في كثير من الأحيان دورًا داعمًا وموجّهًا عبر تشجيع زوجها على العناية بصحته وتعديل عاداته اليومية.
كما يضيف تقرير نشره موقع "سيكولوجي توداي" أن الإحساس بالاهتمام والرعاية داخل العلاقة الزوجية يسهم بدوره في تحسين المزاج العام للرجل، إذ غالبًا ما تتحمل النساء الجزء الأكبر من تنظيم الحياة المنزلية والاهتمام بالتفاصيل اليومية، مثل إعداد الطعام أو التذكير بالمواعيد الطبية، وهي جوانب يفتقدها الرجل العازب، مما يفسّر شعوره المتكرر بالبؤس والوحدة مقارنة بالمتزوجين.
مزايا الزواج كما أثبتها العلم
تُظهر الأبحاث والدراسات أن الزواج لا يقتصر على كونه علاقة اجتماعية أو عاطفية فحسب، بل هو أيضًا عامل مؤثر في الصحة والسعادة ونمط الحياة. ومن أبرز المزايا التي يتمتع بها المتزوجون مقارنة بغيرهم من العزاب:
إعلان
نمط حياة صحي ومتوازن: الزواج يشجّع على تناول طعام صحي وممارسة الرياضة بانتظام، مع الابتعاد عن العادات الضارة مثل التدخين أو السهر المفرط.
الاهتمام بالصحة والوقاية المبكرة: الأزواج غالبًا ما يذكّرون بعضهم بالفحوصات الطبية ويشجّعون على العلاج المبكر، مما يساهم في الوقاية من الأمراض المزمنة.
تخفيف الشعور بالوحدة والاكتئاب: وجود شريك حياة يوفّر إحساسًا بالأمان والانتماء، مما يقلل من احتمالات الإصابة بالاكتئاب والعزلة الاجتماعية.
الدعم العاطفي والنفسي: الدعم الذي يقدمه الشريك يساعد على الشفاء السريع من الأمراض وتحسين الحالة النفسية بفضل الشعور بالمساندة والتعاطف.
ارتفاع معدلات السعادة والرضا: تشير الدراسات إلى أن المتزوجين يتمتعون بمستويات أعلى من الرضى عن الحياة مقارنة بغير المتزوجين، بفضل المشاركة العاطفية والاستقرار.
تعزيز الصداقة والتفاهم: الزواج الناجح يقوم على شراكة قائمة على الصداقة والتفاهم، ما ينعكس إيجابًا على السعادة والراحة النفسية للطرفين.
الاستقرار الاقتصادي والغذائي: إعداد الطعام في المنزل بجهود مشتركة يقلّل من التكاليف ويضمن جودة أعلى مقارنة بالأطعمة الجاهزة.
تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال: يمنح الزواج فرصة لبناء أسرة، ما يضفي فرحًا ومعنى للحياة، كما يتيح للأبوين التعلم المستمر واكتشاف جوانب جديدة من ذواتهما من خلال التربية والرعاية.

0 تعليق