أسعار الذهب والفضة على خط المنطق: لماذا تنتهي مسرحية القمم التاريخية؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
هبط الذهب من عرش ذروته التاريخية التي سجلها عند 4,381 دولارا للأونصة، ليعود ويتداول صباح اليوم، الثلاثاء 28 أكتوبر 2025، عند مستويات 3,960 دولارا.

في مشهد دراماتيكي، هبط الذهب من عرش ذروته التاريخية التي سجلها عند 4,381 دولارا للأونصة، ليعود ويتداول صباح اليوم، الثلاثاء 28 أكتوبر 2025، عند مستويات 3,960 دولارا. هذا الهبوط الحاد لم يكن صدفة، بل هو بداية التصحيح الحتمي لـ "فقاعة" تغذت على تراكمات نفسية واقتصادية، وقادها تضخيم إعلامي منسق من قبل المؤسسات الكبرى.

لقد شهدنا سباق شراء محموما تغذيه "فوبيا فقدان الفرصة" (FOMO)، حيث تم الترويج لأوهام وصول الذهب إلى مستويات 5,000 دولار و 6,000 دولار خلال عام 2025، دون أي أساس اقتصادي حقيقي، أو أزمة فعلية، أو حرب عالمية تبرر هذا الاندفاع الجنوني.

ما حدث كان فخا محكما، ارتفعت فيه الأسعار على أكتاف الخوف والعاطفة، لا على أكتاف الواقع. والآن، يبدو أن الستار يسدل على هذه المسرحية.

الفائدة والانكسار: الذهب لا يستجيب للنمط التاريخي

القاعدة الذهبية في الأسواق تقول: "خفض الفائدة الأمريكية يعني ارتفاع الذهب". لكن هذه المرة، انكسر النمط التاريخي.

نحن على أعتاب قرار مرتقب من مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يتوقع أن يتضمن خفضا للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. ورغم ذلك، لم يظهر الذهب أي حماسة تذكر. السبب بسيط: الأسواق كانت قد "سعرت" هذا القرار بالكامل مسبقا.

حتى لو شهدنا ارتدادا فنيا قصيرا نحو مستويات 4,100 دولار، بهدف إغلاق الفجوة السعرية الموجودة بين 4,109 – 4,111 دولارا، فإن هذا الصعود سيكون مؤقتا ومحدودا. سيكون مجرد تفاعل فني مع الحدث، وليس تغييرا في الاتجاه العام الهابط.

الكبار وصناع السوق: نهاية اللعبة

الدليل الأوضح على نهاية "المسرحية" يأتي من سلوك "المال الذكي". خلال الأسبوعين الماضيين، شهدت صناديق الذهب المتداولة (ETFs)، وعلى رأسها صندوق "GLD" الشهير، عمليات سحب ضخمة.

المؤسسات الكبرى خرجت بهدوء مع نهاية هذا الشهر، تاركة المستثمرين الأفراد يطاردون سراب القمم الجديدة التي لن تأتي.

في المقابل، ارتفعت مؤشرات الأسهم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، مدفوعة بنتائج أرباح قوية للشركات. هذا الأداء القوي زاد من جاذبية الأصول ذات العائد (الأسهم)، وأضعف بشكل كبير شهية السوق نحو الذهب، الذي يعتبر "أصلا ميتا" لا يقدم عائدا.

الدولار وعوائد السندات: إعادة التوازن

رغم أن مؤشر الدولار يبدو ثابتا نسبيا، إلا أن القوة الحقيقية تكمن في عوائد السندات الأمريكية. مع تجاوز العوائد لمستويات 4.75%، أصبح الاحتفاظ بالدولار أو السندات خيارا مربحا للغاية.

في بيئة كهذه، يصبح الاحتفاظ بالذهب (الذي لا يدر فائدة) "أصلا مكلفا"، حيث يخسر المستثمر "تكلفة الفرصة البديلة" (Opportunity Cost) التي كان سيجنيها من السندات. بدأ المستثمرون الكبار بالفعل في إعادة توزيع محافظهم نحو أدوات أكثر مردودية، مما يزيد الضغط البيعي على المعدن الأصفر.

فقاعة الخوف: تصحيح الأوهام

الارتفاعات الأخيرة لم تكن سوى انعكاس لهلع جماعي. لقد تغذت هذه الفقاعة على سرديات متتالية لم تتحقق:

سردية الانهيار الاقتصادي العالمي. سردية انفجار الديون وانهيار الدولار. سردية شراء البنوك المركزية لكميات هائلة (والتي تبين أنها مبالغ فيها). سردية انخفاض المعروض العالمي من الذهب.

مع انكشاف زيف هذه الروايات واحدة تلو الأخرى، بدأت رحلة تصحيح الذهب لتعيده إلى أرض الواقع الاقتصادي.


التحليل الفني: إشارات الهبوط تتحدث

يتداول الذهب اليوم عند 3,960 دولارا وسط ضغط بيعي متصاعد، والرسوم البيانية تؤكد الاتجاه:

المتوسطات المتحركة: تنحدر بوضوح، مما يشير إلى سيطرة البائعين. الزخم (Momentum): الزخم الصعودي يتآكل تدريجيا. أحجام التداول: أحجام التداول المرتفعة أثناء الهبوط تؤكد أن البيع تقوده المؤسسات الكبرى.

السيناريو الأقرب اليوم يشير إلى اختبار مستويات 3,955 دولارا، ثم 3,925 دولارا. على المدى المتوسط والطويل (الأسابيع المقبلة)، أصبحت أهداف 3,900 – 3,700 – 3,500 دولار ممكنة جدا.

الفضة (Silver) تسير على نفس الدرب، متجهة نحو 45 – 42 – 40 دولارا، بعد أن فقدت الزخم الذي اكتسبته من نفس أوهام الانهيار الاقتصادي.

الذهب في مرمى الأخبار

رغم الاتجاه الهابط، يظل الذهب حساسا للأخبار هذا الأسبوع:

الفيدرالي الأمريكي: لهجة متشددة (Hawkish) ستعني مزيدا من الضغط. لهجة حذرة (Dovish) قد تنتج ارتدادا محدودا نحو 4,100 – 4,200 دولار. البيانات الاقتصادية الأمريكية: أرقام قوية ستسرع الهبوط، وأرقام ضعيفة قد تبطئه مؤقتا. الجغرافيا السياسية: أي تصعيد مفاجئ قد يعيد الذهب للواجهة، لكنه على الأغلب لن يغير الاتجاه العام.

من الذهب العاطفي إلى الذهب العقلاني

لقد دخل الذهب مرحلة جديدة عنوانها "المنطق" لا "العاطفة". لم يعد يشترى بدافع الخوف، بل أصبح يقيم وفق معايير اقتصادية صارمة. التوقعات المبالغ فيها لم تعد تجد من يصدقها، والأسواق لم تعد تكافئ من يركض خلف السراب.

في ظل هذه المعطيات، يبدو أن الذهب يتجه نحو 3,700 دولار ثم 3,500 دولار، وربما 3,300 دولار. ورغم كل شيء، يبقى الذهب ركيزة أساسية في النظام المالي العالمي، لكنه لم يعد يتحرك وفق قواعد الأمس. نحن الآن في زمن الواقعية السوقية، حيث تكتب الأسعار بلغة البيانات، لا العواطف، ويرسم الاتجاه بأقلام المؤسسات، لا بأحلام الأفراد.

0 تعليق