Published On 8/11/20258/11/2025
|آخر تحديث: 18:38 (توقيت مكة)آخر تحديث: 18:38 (توقيت مكة)
بغداد- شهدت الساحة العراقية تفاعلات متباينة عقب توقيع اتفاقية المياه بين العراق وتركيا في بغداد مطلع الشهر الجاري، إذ أثارت الاتفاقية انقسامًا بين مؤيد يرى فيها خطوة تنظيمية ضرورية، ومعترض يصفها بأنها سلب للإرادة الوطنية وتسليم لملف حيوي يمس الأمن القومي للبلاد.
وتزامنت هذه الاعتراضات مع انطلاق حملات شعبية واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، طالبت بقطع العلاقات التجارية مع أنقرة واستخدام ورقة الضغط الاقتصادي للمساومة على حصص العراق المائية.
أهمية إستراتيجية
وصف مظهر محمد صالح، مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية، الاتفاق مع تركيا بأنه "ذو أهمية إستراتيجية"، مشددًا على أنه يمثل "فوزًا مشتركًا" للبلدين.
وقال صالح لـ"الجزيرة نت" إن الاتفاق يرتكز على مبدأ المنفعة المتبادلة، حيث تستفيد تركيا من النفط العراقي الذي يُصدَّر جزء كبير منه عبر أراضيها، فيما يحقق العراق مكاسب حيوية.
وأوضح أن أحد الأهداف الأساسية للاتفاق هو تنظيم حصة العراق المائية من خلال ربط جزء من عائدات مبيعات النفط لتركيا بتنفيذ مشاريع حيوية في مجال السياسة المائية العراقية، من بينها:
إنشاء سدود الحصاد. تنظيم شؤون الري في نهري دجلة والفرات. استصلاح أراضٍ زراعية واسعة. تأسيس مشاريع لتدوير مياه الصرف الصحي.وأضاف صالح أن العراق يستهدف من خلال هذا الإطار "حصة عاجلة من المياه"، مستفيدًا من الخبرات التركية في مجال إدارة الموارد المائية، مشيرًا إلى أن الاتفاق يفتح الباب لـ"زراعة مشتركة" واستصلاح الأراضي بما يعيد للعراق هويته الزراعية بمساعدة شركات تركية.
وأكد أن الاتفاق يعزز العلاقات الاقتصادية المستقرة بين الجارين، "لا سيما وأن المياه هي الرابطة الأساسية"، مبينًا أنه يمثل "خارطة عامة" سيتم تحديد تكاليف مشاريعها لاحقًا عند إبرام العقود بين الوزارات العراقية المعنية.
النفط مقابل الماء
من جانبه، أكد الدكتور رمضان حمزة، خبير الإستراتيجيات والسياسات المائية، أن مفهوم "النفط مقابل الماء" الذي يربط إطلاق تركيا للمياه بمسائل تجارية واقتصادية مع العراق، هو مفهوم قديم طرحه رئيس الوزراء التركي الأسبق سليمان ديميريل.
إعلان
وقال حمزة لـ"الجزيرة نت" إن هذا المفهوم تطور اليوم إلى اتفاقيات وصفها بـ"الإجحاف الرسمي"، إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على النفط، بل أصبح العراق بكل اقتصاده وسياساته عرضة للمقايضة مع الأتراك مقابل استمرار الإطلاقات المائية.
وأضاف أن الجدوى الاقتصادية للعراق من وراء هذه التفاهمات تكاد تكون معدومة، لأنها تمثل "هيمنة تركية مائية شاملة" تمتد من المنبع إلى المصب، وتلغي السيادة العراقية على أهم موارده.
وأشار إلى أن هذه الهيمنة تشمل تشغيل السدود والمنشآت الهيدروليكية العراقية كجزء من المشاريع التركية، ما يسمح لشركات تركية بالعمل في العراق بمعايير رديئة تؤدي إلى مشكلات صيانة وسوء تنفيذ مستقبلا.
حملات مقاطعة
وفي ما يتعلق بحملات مقاطعة البضائع التركية، أوضح حمزة أن هذه الحملات "ضعيفة جدا وليس لها أثر فعّال في حل المشكلة"، رغم أهميتها الرمزية في إظهار وعي الشعب العراقي بخطورة أزمة المياه.
وأكد أن أمام العراق آلية بديلة وصحيحة لتحقيق مصالحه، تتمثل في "ربط التجارة بالمياه"، من خلال إقامة حوافز اقتصادية مباشرة تشجع تركيا على الالتزام بالإطلاقات المائية عبر تطوير "مؤشر الامتثال"، الذي يزيد بموجبه حجم التجارة وفرص حصول الأتراك على النفط العراقي بأسعار تنافسية كلما التزمت تركيا بحصص المياه.
وشدد على أن هذا المؤشر يجعل ملف المياه قابلا للقياس والتنبؤ، بدلاً من الاعتماد على وعود سياسية غير منجزة، ويمنح العراق سندا اقتصاديا وقانونيا قويا.
كلفة عالية ومتوقعة
بدوره، أكد الخبير في الشأن الاقتصادي زياد الهاشمي أن الاتفاقية المائية هي "نتيجة طبيعية لتفاقم أزمة المياه"، مشيرًا إلى أن العراق يدفع اليوم "كلفة عالية ومتوقعة" نتيجة لضياع سنوات وفرص سابقة كان يمكن استثمارها في اتفاقيات أكثر توازنًا.
وقال الهاشمي لـ"الجزيرة نت" إن المناكفات السياسية وغياب التقدير الإستراتيجي بعد عام 2003 أدت إلى إهدار هذه الفرص وتضخيم المشكلة، موضحًا أن انخفاض تدفقات المياه القادمة من تركيا إلى مستويات غير مسبوقة أدخل العراق في "حالة طوارئ مائية" أجبرته على الموافقة على الاتفاقية لضمان زيادة الإطلاقات المائية نحو أراضيه.
وعلى الرغم من إقراره بأن الاتفاقية تحمل "كلفة عالية على العراق"، فإنه رأى أن هذه الكلفة "مسألة متوقعة" نظرا لتفاقم الأزمة، مضيفا أن الاتفاقية، رغم أعبائها، قد تتيح مكاسب مهمة للعراق أبرزها زيادة تدفقات المياه، والحصول على الدعم الفني والهندسي والاقتصادي من الشركات التركية.
وشدد الهاشمي على أن العراق في وضعه الراهن "لا يملك حلولا حقيقية سوى القبول" بالدخول في اتفاقية مائية مع تركيا، مؤكدا أنها "صعبة وذات كلفة عالية، لكنها ضرورة لحل أزمة المياه الأشد منذ 9 عقود".
3 شروط
من جانبه، أكد الخبير القانوني حميد السعدي أن الاتفاقية تمثل خطوة "جيدة ومهمة"، مشيرًا إلى أنها تختلف عن سابقاتها من البروتوكولات ومذكرات التفاهم.
إعلان
وأوضح السعدي لـ"الجزيرة نت" 3 نقاط محورية ينبغي أن يركز عليها العراق لضمان نجاح الاتفاقية وحماية مصالحه:
أن يصادق عليها البرلمانان العراقي والتركي، وإيداعها في الأمم المتحدة وفق المادة (102) من ميثاق المنظمة لتكون مرجعية في حال إخلال أي طرف بالاتفاق. تحديد سقف زمني لانتهاء الاتفاقية وتحديد جهة التقاضي في حالة الإخلال، مفضلا أن تكون محكمة العدل الدولية أو التحكيم الدولي. تركيز الهدف الأساسي للعراق على استدامة إمدادات المياه.
0 تعليق