تواجه الديمقراطية في العالم العربي جدلا متجددا بين من يراها ضمانة للحرية والمساءلة، ومن يعدّها وهمًا لا يلائم خصوصية المجتمع العربي وتركيبته السياسية والثقافية.
وفي حلقة (2025/11/16) من برنامج "باب حوار" احتدم النقاش بين فريقين متقابلين حول قدرة العرب على تبني الديمقراطية، ضمن حوار قائم على فرضيات تختبر المفاهيم السائدة بين الحاكم والمحكوم، وحدود الحرية والمشاركة الشعبية في القرار السياسي.
منذ البداية، بدا التباين حادا بين مؤيدين يرون الديمقراطية حقا أساسيا ومصدرا للشرعية، ومعارضين يعتبرونها وصفة غربية مفروضة لا تراعي خصوصية المجتمعات العربية التي اعتادت نمط القيادة المركزية والولاء للحاكم أكثر من المشاركة الشعبية.
اقرأ أيضا
list of 4 items end of listوأكد مؤيدو الديمقراطية أن التجارب الإنسانية أثبتت أن الحكم الرشيد لا يتحقق إلا بالمحاسبة، وأن الاستقرار السياسي لا يمكن ضمانه دون مشاركة حقيقية في صنع القرار، وأضاف بعضهم أن الديمقراطية لا تُمنح من فوق، بل تُبنى من القاعدة بالوعي والرقابة والمساءلة.
أما المشككون في جدوى الديمقراطية العربية، فاعتبروا أن تطبيقها في بيئة تفتقر إلى وعي انتخابي ونظام حزبي ناضج قد يؤدي إلى فوضى وصراعات داخلية، مؤكدين أن "الشعوب العربية تحتاج إلى العدالة قبل الانتخابات، وإلى تربية سياسية قبل صناديق الاقتراع".
الديمقراطية وحرية التعبير
وفي محور العلاقة بين الديمقراطية وحرية التعبير، رأى الفريق المؤيد أن الحرية جوهر الديمقراطية ومؤشر نجاحها، بينما حذر المعارضون من أن الحريات المطلقة قد تتحول إلى فوضى فكرية تهدد وحدة المجتمع وقيمه، معتبرين أن الحرية يجب أن تضبطها مسؤولية أخلاقية ومجتمعية.
الحديث عن الثقة في الحاكم قسّم المشاركين مجددا؛ إذ قال البعض إن الثقة بالحاكم العادل تُغني عن الأنظمة المعقدة، بينما رد آخرون بأن الديمقراطية وُجدت لحماية الناس من تغيّر الحاكم، وأن العدالة لا ينبغي أن تكون رهينة لشخص بل لمؤسسات وقوانين.
وظهرت نقطة خلافية بارزة عند تناول الفرق بين الشورى والديمقراطية؛ فأنصار الشورى اعتبروا أنها "نظام أصيل" متجذر في الثقافة الإسلامية ويحقق المشاركة دون الحاجة لتقليد النماذج الغربية.
بينما ردّ الفريق الآخر بأن الشورى تاريخيا كانت محدودة وغير ملزمة، بينما الديمقراطية تطورت إلى منظومة متكاملة تضمن المحاسبة وتداول السلطة.
وفي مداخلات لاحقة، انتقد بعض المتحدثين النخبة السياسية العربية التي ترفع شعار الديمقراطية حين تكون في المعارضة وتتخلى عنه عند وصولها إلى السلطة، معتبرين أن الإشكال الحقيقي ليس في المفهوم بل في غياب الممارسة الصادقة.
العرب قابلون للتطور
واستشهد أحد المشاركين بتجارب دول آسيوية وأفريقية بدأت ديمقراطياتها متعثرة لكنها نجحت تدريجيا في ترسيخ مؤسساتها، مشيرا إلى أن العرب لا يختلفون عن غيرهم في القابلية للتطور، لكنهم بحاجة إلى بيئة تعليمية وإعلامية تزرع ثقافة الحوار والمواطنة.
بينما رأى معارضون أن الديمقراطية الغربية نفسها تعاني من أزمات عميقة كتراجع الثقة بالبرلمانات وصعود الشعبوية، وأن نقل نموذج مأزوم إلى المنطقة لن يؤدي إلا إلى إنتاج نسخة مشوهة.
وتوقف الحوار عند سؤال محوري: هل فشل الديمقراطية عربيا سببه الأنظمة الحاكمة أم ضعف الوعي الشعبي؟ إذ أقرّ بعض المؤيدين أن غياب مؤسسات مستقلة وتداول فعلي للسلطة جعل التجارب الديمقراطية شكلية، بينما رأى آخرون أن الشعوب لم تُمنح فرصة كافية لتتعلم الممارسة الديمقراطية على أرض الواقع.
ومع أن الحلقة لم تحسم السؤال الكبير، فإنها فتحت بابا واسعا للتفكير في جذور الأزمة.. هل الديمقراطية غائبة لأن الأنظمة لا تريدها، أم لأنها لم تجد بعد مجتمعا عربيا قادرا على حمايتها وممارستها بوعي ومسؤولية؟
Published On 16/11/202516/11/2025
|آخر تحديث: 19:17 (توقيت مكة)آخر تحديث: 19:17 (توقيت مكة)

0 تعليق