لماذا تحذّر محافظة ذي قار من معدلات مرتفعة في إصابات السرطان؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

بغداد – تتأرجح الصورة الصحية في محافظة ذي قار جنوبي العراق بين مواقف رسمية في بغداد تُطمئن المواطنين بشأن الأوضاع الصحية، وأصوات محلية تدق ناقوس الخطر في ظل معطيات مقلقة تشير إلى تصاعد معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية والفشل الكلوي.

وتجسّدت الأزمة في شهادات قاسية لسكان محليين، قالوا إنهم يعانون أوضاعا صحية صعبة للغاية أفقدتهم حياتهم وباتت تقلقهم وتتهدد وجودهم في المنطقة.

" frameborder="0">

شهادات حية

يصف أبو حيدر الأزيرجاوي، وهو من أهالي قضاء الرفاعي في المنطقة، مدينة ذي قار بأنها "منكوبة بالكامل"، وقال إنهم يعانون من غازات منبعثة تسببت في حالات سرطانية كثيرة بين العوائل، مضيفا أن المنطقة تظللها "سحابة من الغيوم السامّة"، مما يسبب الاختناق للمواطنين.

أما "أبو علاء" من المنطقة نفسها، فعبّر عن مأساته للجزيرة نت قائلا إنه فقد والدته وأخته بسبب الغازات السامة المنبعثة من شركات الغاز القريبة من سكنهم، متسائلا "من المسؤول؟ ومن سيعوضنا؟"، مطالبا الحكومة والجهات المعنية باتخاذ إجراءات لإبعاد هذه الشركات من مناطق سكن المواطنين.

في حين أكدت السيدة "أم رقية" أنهم يعيشون مأساة حقيقية، وأشارت خلال حديثها للجزيرة نت إلى "انتشار مرض السرطان بشكل مرعب ومخيف" دون تدخل حكومي.

ودعت وزارة الصحة للالتفات إلى أهالي المنطقة للحد من الإصابات، وإيجاد حلول لتأثيرات أبراج الاتصالات والشركات النفطية وتلوث المياه والمبيدات الزراعية.

مركز الأورام والعلاج الإشعاعي في مستشفى الناصرية الصفحة الرسمية على فيسبوك
مركز الأورام والعلاج الإشعاعي في مستشفى الناصرية حيث يكثر المراجعون والمرضى (فيسبوك)

ارتفاع ملحوظ

ويشكل التباين في المواقف أزمة ثقة، لاسيما بعد الكشف عن حصيلة تراكمية تتجاوز 10 آلاف إصابة بالأمراض السرطانية تم تسجيلها بمركز الأورام في مستشفى "الحبوبي التعليمي" في المحافظة منذ 2010، بحسب رئيس لجنة الصحة في مجلس محافظة ذي قار الدكتور أحمد غني الخفاجي.

إعلان

وبلغ عدد سكان محافظة ذي قار جنوبي البلاد حوالي 2.5 مليون نسمة، وفقا لآخر إحصاء سكاني أُجري في أواخر عام 2024.

وأشار الخفاجي، في حديث للجزيرة نت، إلى وجود ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوّهات الخلقية بالمحافظة، مؤكدا أن هذا ليس عشوائيا، بل يلاحظ بشكل خاص في المناطق المتاخمة لعمليات استخراج النفط.

وأوضح أن المناطق القريبة من إنتاج النفط شهدت ازديادا في عدد الإصابات، إضافة إلى ظهور طفرات جينية وتشوّهات خلقية لدى المواليد الجدد، وعزا ذلك إلى "عدم التعامل الصحيح مع إنتاج النفط، ولعدم معالجة المخلّفات بالشكل المطلوب، مما أدى إلى تلوث بيئي في هذه المناطق، وسبّب هذه الطفرات الوراثية والإصابات السرطانية".

ولم تقتصر الأزمة على التلوث النفطي، بل تحدث الخفاجي عن أزمة تلوث المياه، مبينا أن العديد من المحافظات الواقعة شمال ذي قار "ترمي مخلّفاتها خاصة في المياه الثقيلة ومجاري الأنهر دون معالجة".

وشدد على خطورة ذلك في ذي قار التي تُعد منطقة مصب، حيث تُستخدم هذه المياه للزراعة والشرب والاستخدامات المنزلية، مما يؤثر على صحة السكان.

وعلى صعيد متصل، يُمثّل تلوث الهواء مصدر قلق آخر ينتج عن سببين رئيسيين:

التلوث الحاصل والروائح الموجودة في الهواء نتيجة إنتاج النفط في حقول الإنتاج. ونتيجة "الحرق غير المنتظم للنفايات في مناطق الطمر".

وأوضح الخفاجي أن الغازات المنبعثة من هذه الحرائق تحتوي على مواد سامّة أحدثت إصابات سرطانية لدى السكان القريبين من تلك المناطق، مؤكدا أن الحكومة المحلية "جادة في اتخاذ إجراءات وقائية".

وكشف عن خطوة عملية لمعالجة جميع محطات ضخ المياه الثقيلة، وتحويل مجاريها إلى قنوات تصريف بعيدا عن نهري دجلة والفرات لمعالجة المياه قبل أن تصل إليهما، رغم وجود محطات محدودة لا تزال ترمي مخلفاتها في النهرين.

 

القاء المخلفات في مياه نهر الفرات في ذي قار الصفحة الرسمية لإعلام بيئة المحافظة فيسبوك
إلقاء المخلفات في مياه نهر الفرات بذي قار يهدد صحة المواطنين (الصفحة الرسمية لإعلام بيئة المحافظة على فيسبوك)

الحكومة تنفي

في المقابل، نفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة العراقية الدكتور سيف البدر الأنباء التي تحدّثت عن وجود تزايد "غير طبيعي" في حالات الإصابة بالأمراض السرطانية بمحافظة ذي قار.

وقال سيف البدر للجزيرة نت إن عدد الحالات السرطانية المسجلة في العراق تتراوح بين 30 و40 ألف حالة، الأمر الذي "يتماشى مع المعدلات العالمية"، بل إن "نسب الإصابات أقل من معدلات حدوثها لدى بعض دول الجوار".

وأكد أن نسب تسجيل الحالات "تتماشى مع أعداد السكان وتوزيعها حسب الكثافات السكانية بين المحافظات بشكل عام، ولا توجد محافظة أكثر من أخرى لأسباب خاصة دون غيرها"، نافيا وجود "زيادة معنوية إحصائية لمسبب معين" في ذي قار أو غيرها، مؤكدا أن ما أشيع عن ارتفاع الحالات "كلام غير دقيق علميا وغير صحيح".

التلوث والنفايات في محافظة ذي قار الصفحة الرسمية لإعلام بيئة المحافظة فيسبوك
النفايات في ذي قار تتسبب في التلوث وإصابة المواطنين بالأمراض (الصفحة الرسمية لإعلام بيئة المحافظة على فيسبوك)

"محافظة منكوبة"

وفي تعارض تام مع الموقف الحكومي، حذّر رئيس "مرصد العراق الأخضر" عمر عبد اللطيف من كارثة وشيكة، متوقعا أن يتم تسجيل ذي قار خلال العامين المقبلين كـ"محافظة منكوبة" بسبب التحديات البيئية الجسيمة المتمثلة في قلة المياه والجفاف والتطرف المناخي وانتشار الأمراض.

إعلان

وأكد عبد اللطيف للجزيرة نت أن المصدر الأساسي لانتشار الغازات السامّة يكمن في وجود الشركات النفطية والمعامل.

كما أفاد بأن التلوث المائي والروائح الكريهة يعودان إلى كون ذي قار المحافظة الأولى المتضررة من التغير المناخي والنفايات، وتفاقمت الأزمة بسبب قلة منسوب المياه، مما أدى إلى تركز كبير للمواد السامّة والأملاح فيها والتسبب في انتشار الأمراض.

وأشار عبد اللطيف إلى أن الإحصائيات المسجلة لحالات الإصابة بالسرطان في ذي قار "مرعبة جدا وفي تصاعد مستمر"، لافتا إلى أن نسبة الإصابات ارتفعت 4% عن الأعداد الطبيعية لكل محافظة.

0 تعليق