خطورة قرار مجلس الأمن: خطة ترامب الثانية على الأبواب - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يفتح قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص قطاع غزة الباب على المرحلة الثانية من "خطة ترامب للسلام"، مكتنفا مخاطر كبيرة على القضية الفلسطينية، دفعت الفصائل للتحذير من مآلاته، بينما ما تزال علامات استفهام عديدة قائمة حول تطبيقه وفرص نجاحه.

لماذا؟

اعتمد مجلس الأمن الدولي فجر الثلاثاء الماضي خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المتعلقة بقطاع غزة، عبر إقرار مششروع القرار الأميركي الداعم خطةَ "ترامب للسلام"، بموافقة 13 عضوا في مجلس الأمن، وامتناع روسيا، والصين عن التصويت.

في المحصلة، كان اعتماد القرار سريعا وسهلا، وحظي بموافقة أغلبية الأعضاء عكس المتوقع، حيث حذّر الكثيرون من تحديات قد تؤجل الحسم، لا سيما بوجود مقترح روسي.

بيد أن سببين رئيسَين وقفا خلف هذه النتيجة، وهما؛ ضغط الإدارة الأميركية الكبير لاعتماد القرار، والموافقة المسبقة للدول العربية والإسلامية الثماني الداعمة خطةَ ترامب.

ليس من قبيل المبالغة وصف القرار بالكارثي بالنظر لمضمونه وبنوده. ففي المقام الأول، يتلاعب نصُّه بسردية الحرب والواقع الحالي، إذ يوحي بأن "إسرائيل" هي المعتدى عليها، ويتجنب الاحتلال والإبادة للتركيز على "الإرهاب"

كان لدى روسيا والصين أسباب عديدة للرفض، في مقدمتها تجنب مشروع القرار، النصَّ على "حل الدولتين"، ومراوحة الكثير من بنوده بين الغموض والعموميات، فضلا عن الريبة من التفرد الأميركي بالمنطقة مجددا.

بيد أن دعم "الدول الثماني" والرئاسة الفلسطينية، القرارَ جعله في صورة المُجمَع عليه ولم يترك للدولتين مساحة كبيرة للمناورة، أو أن تكونا ملكيتين أكثر من الملك نفسه. ولذلك لم يشكل المقترح الروسي عقبة حقيقية، ولا تجسد موقف موسكو وبكين في استخدام حق النقض "الفيتو"، بل اكتفتا بالتحذير من أنه "قد يفاقم الأزمة".

يردُّ الكثيرون دعم الدول القرارَ إلى رغبتها في تجنب الصدام مع الرئيس الأميركي، رهانا على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار والحيلولة دون العودة لوتيرة الإبادة، وربما اعتمادا على وعود أميركية بخصوص كيفية تطبيق القرار، أو نتيجة لتفاهمات ثنائية وجماعية مع واشنطن.

إعلان

لكن ذلك لا ينفي المخاطر الكبيرة للقرار على المدى البعيد في حال طُبّق كما هو، إذ إن موازين القوى سترجَح دوما لصالح الاحتلال المدعوم أميركيا، لا سيما أن ترامب يلوّح بين يدي كل مرحلة بمنح نتنياهو الضوء الأخضر للعودة للحرب.

المخاطر

ليس من قبيل المبالغة وصف القرار بالكارثي بالنظر لمضمونه وبنوده. ففي المقام الأول، يتلاعب نصُّه بسردية الحرب والواقع الحالي، إذ يوحي بأن "إسرائيل" هي المعتدى عليها، ويتجنب الاحتلال والإبادة للتركيز على "الإرهاب".

فالفلسطينيون هم المتهمون ضمنا والمطالَبون برمي السلاح، ووقف "الإرهاب" والإصلاحات، بينما "إسرائيل" شريكة في كل المسارات من القوة الدولية لاختيار اللجنة الفلسطينية، للقوة الشرطية… إلخ.

في المسار السياسي، ثمة تراجع واضح عن فكرة "حل الدولتين" بدلالاته وتفاصيله المعروفة، لصالح الحديث عن مسار محتمل لتقرير المصير، قد يفضي بدوره إلى "دولة فلسطينية"، بعد تنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية "بأمانة"، وإحراز تقدم في عملية إعادة التنمية في غزة، أي بشكل مشروط ووفق التقدير الأميركي والإسرائيلي.

ثم إن القرار يفصل غزة عن الضفة، ويتعامل معها بشكل منفرد، وبمنطق التدويل والوصاية الخارجية، إذ سيقرر بخصوصها "مجلس السلام" الذي وصف بأنه مؤقت، لكن قد يتحول لدائم.

أمنيا، من مهام قوة الاستقرار الدولية وفق القرار "تحقيق استقرار البيئة الأمنية" في غزة، عبر "إخلائها من السلاح، بما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنية التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية"، وسحب سلاح الفصائل.

بمعنى أن القوة ستعمل على المهام التي فشل الاحتلال في تحقيقها بالكامل. كما أنه، لفقدانه المعايير وأسماء الدول، أقرب لتفويض "مركز التنسيق الأميركي" منه لإنشاء قوة أممية.

ميدانيا، هناك خشية حقيقية من أن يكون القرار أداة لشرعنة احتلال غزة وتأبيده، حيث لم يتضمن مواعيد أو خرائط محددة، وإنما ترك الأمر للاتفاق بين إسرائيل والقوة الدولية والجهات الضامنة والولايات المتحدة، ثم ربطه بشكل مباشر بـ"نزع السلاح"، مع ترك "طوق أمني" سيبقى حتى تصبح "غزة في مأمن تام من عودة أي تهديد إرهابي".

ومن البديهي أن ترك مسألة الانسحاب لتقدير إسرائيل، والإدارة الأميركية بخصوص التهديدات، وسحب السلاح، وغير ذلك من الملفات الخلافية، قد يعني ديمومة الاحتلال من جهة، وتقسيم القطاع من جهة ثانية، إذ كانت خطة ترامب أشارت لتطبيق دخول المساعدات والإعمار في مناطق سيطرة جيش الاحتلال حصرا، ما يعني تقسيما عمليا طويل الأمد لغزة حول "الخط الأصفر".

المآلات

لا شك أن الفصائل الفلسطينية، وهي توافق على المرحلة الأولى من خطة ترامب كانت تدرك أنها أمام واقع صعب ومسار شبه إجباري ستعمل عليه الإدارة الأميركية للانتقال سريعا للمرحلة الثانية، وفق نص الخطة نفسها. أي إن الحرب لم تنتهِ تماما، وإنما انتقلت من مرحلة إلى ثانية، ومن طور لآخر.

في تعقيبها على إصدار قرار مجلس الأمن، عبرت الفصائل الفلسطينية- وفي مقدمتها حركة حماس- عن رفضها القرار؛ من باب أنه يكرس "الوصاية الدولية" على غزة، ويمهد لترتيبات طويلة الأمد خارج الإطار الوطني الفلسطيني.

إعلان

ورغم ذلك لم تحمل تصريحاتها نبرة تهديد أو خطاب مواجهة وتصعيد. وفي ظننا أن إستراتيجية المقاومة الفلسطينية إزاء القرار تقوم على عدة أركان: تثبيت وقف إطلاق النار، وضمان عدم العودة لوتيرة الإبادة، والتركيز على الملف الإنساني، وخصوصا دخول المساعدات، والإسكان وإعادة الإعمار، وتجنب لغة التهديد؛ لعدم تحمل مسؤولية انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، ثم التعامل مع الواقع الجديد بما يناسبه من آليات مختلفة.

وفي القلب من كل ذلك، ثمة رهان ضمني على فشل الخطة على المدى البعيد في البعدين: السياسي والأمني. فالتجربة الفلسطينية على مدار عقود تقول بوضوح إن قرارات مجلس الأمن ليست نصوصا مقدسة ولا قدرا مقدورا، وإن تعقيدات القضية والواقع الشائك وتعدد الفواعل وتناقض المصالح، تدفع عادة نحو تطبيق مختلف، أو معدّل للنصوص.

ففيما يتعلق بقوة الاستقرار الدولية، عبرت عدة دول عن خشيتها من زج جنودها في منطقة ساخنة لم تنتهِ المواجهة فيها تماما، إذ سيشكل ذلك عنصر استنزاف وخسائر من الصعب تبريرها أمام شعوبها. خصوصا أن فكرة تسليم السلاح وحل الفصائل غير مطروحة ولا مقبولة في فلسطين لا تاريخا ولا حاضرا، فصائليا ونخبويا وشعبيا على حد سواء.

يعني ذلك أن القرار حين ينتقل من مساحة النص لمربع التطبيق العملي، سوف يخضع لنوع من التفاوض مع الجانب الفلسطيني المجرّم "إسرائيليا".

ولعله ليس من قبيل الصدفة حديث وسائل إعلام أميركية عن لقاء محتمل بين المبعوث الأميركي ويتكوف وقيادة حركة حماس، التي يفترض أنها مستهدفة وفق منطوق القرار. فضلا عن أننا لا نعرف حتى اللحظة ما إذا كانت مجموعة الدول العربية والإسلامية الثماني قد حصلت على ضمانات أو وعود أميركية بخصوص كيفية تطبيق القرار، وهو ما يمكن أن يتضح أكثر خلال المدى المنظور.

وفي الخلاصة، لم ينهِ قرار أممي سابق القضية الفلسطينية، ولا ينتظر أن يفعل القرار الحالي ذلك. بيد أن ذلك لا ينفي ولا يلغي خطورته- بل كارثيته- في المسارات التي سبق الإشارة لها والمتعلقة بفكرة المقاومة وتطبيقها، ومستقبل القطاع ومصيره، والدولة وحق تقرير المصير.

مجددا، القرارات الدولية ليست قدرا محتوما، واختلال موازين القوى ليس العامل الوحيد الحاسم في قضية متجذرة ومعقدة مثل القضية الفلسطينية، التي انتقلت مع القرار الأخير إلى طور جديد، ومسار نضالي مختلف، يتطلب أدوات مواجهة إضافية وفق المستجدات والمتغيرات الكبيرة الأخيرة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

0 تعليق