Published On 1/12/20251/12/2025
|آخر تحديث: 10:17 (توقيت مكة)آخر تحديث: 10:17 (توقيت مكة)
بالتزامن مع ذروة النشاط الشمسي، دائما ما يكون التحذير من أن تداعيات هذا النشاط لا تقتصر على أضواء الشفق القطبي التي تلون بعض المناطق، لكنها تمتد لتشمل تأثيرات على أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية والإلكترونات الحساسة بالطائرات. واقتصرت تلك التأثيرات السلبية خلال السنوات الأخيرة على وقائع محدودة، لكنها أصبحت أكثر اتساعا قبل أيام، لأنها ارتبطت بطراز إيرباص "إيه 320" وهي واحدة من أكثر الطائرات انتشارا في العالم.
وتمر الشمس بدورة من النشاط تستمر عادة 11 عاما، وبدأت الدورة الحالية المعروفة باسم "دورة الشمس 25" رسميا في ديسمبر/كانون الأول 2019، وتبلغ ذروتها بين عامي 2025 و2026، حيث تشهد الشمس خلال تلك الفترة من ذروة النشاط، زيادة في عدد البقع الشمسية والانفجارات الشمسية وانبعاثات الكتلة الإكليلية، والتي يمكن أن تشكل تحديات مهمة للطيران والأقمار الصناعية وشبكات الكهرباء حول العالم.
" frameborder="0">
ما الذي يحدث فترات الذروة الشمسية؟
ويقول الدكتور علي عبده، عالم الفيزياء النووية والمستشار العلمي لإحدى شركات الطاقة بأميركا في بيان على صفحته بموقع فيسبوك إن "هناك عمليات فيزيائية نووية تحدث داخل الشمس نتيجة اندماج الهيدروجين والتفاعلات في البلازما والتأثيرات المغناطيسية. وهذه العمليات تطلق بشكل مستمر إشعاعات مختلفة مثل فوتونات عالية الطاقة، وجسيمات مشحونة مثل البروتونات والأيونات. أما النيوترونات التي تصل للأرض فهي لا تأتي مباشرة من الشمس بل تتكون في الغلاف الجوي بسبب تفاعلات هذه الجسيمات".
ويتابع "يزداد تدفق هذه الإشعاعات بشكل كبير، عند حدوث أحداث شمسية كبيرة مثل العواصف الشمسية أو الانفجارات والتوهجات، كالتي تحدث فترة ذروة النشاط الشمسي، وهذا ما يكون له تداعيات سلبية على أنظمة الاتصالات والأقمار الصناعية والإلكترونات الحساسة بالطائرات".
ويضيف أن "عندما تمر جسيمة مشحونة داخل شريحة إلكترونية قد تغير بتا واحدا من البيانات فيتحول الصفر إلى واحد، أو العكس فتتغير نتيجة الحساب أو القياس داخل النظام، وإذا كان هذا البت يمثل الارتفاع أو الضغط أو السرعة فسيعطي النظام قراءة خاطئة، وقد يتصرف بناء عليها بشكل غير صحيح بل قد يسبب خللا خطيرا أثناء الطيران".
ماذا عن طائرات إيرباص؟
ما أشار إليه الدكتور عبده في بيانه من تصرف النظام بشكل غير صحيح هو ما حدث في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لطائرة إيرباص من طراز "إيه 320" التابعة لشركة "غيت بلو إيرويز" الأميركية، حين انخفضت فجأة الطائرة التي كانت تحلق بين الولايات المتحدة والمكسيك، دون أن يأمر الطيارون بذلك، مما تسبب في إصابة 15 راكبا، واضطرت الطائرة للهبوط اضطراريا في فلوريدا.
إعلان
وبعد التحقيق، أصدرت إيرباص بيانا رسميا عزت فيه المشكلة إلى الإشعاع الشمسي الذي "هدد بيانات حيوية لعمل نظام التحكم بالطيران".
واكتشف التحقيق أن المشكلة مرتبطة بنظام إلكتروني يدعى "إي إل إيه سي بي" أو ما يسمى "وحدة التحكم في المصاعد والأجنحة المائلة النسخة ب" وهو جزء من نظام التحكم المسؤول عن حركة الموازنات والتحكم في ميلان الطائرة، حيث وجدوا أن نسخة البرمجيات "إل 104" بهذا النظام تأثرت بالإشعاع الشمسي القوي.
ويبدو أن طائرات شركات الطيران الأخرى تستخدم برامج محمية أو مصممة للتعامل مع أحداث الإشعاع الشمسي القوي، لذلك لم تعان من مشكلة طائرات إيرباص من طراز "إيه 320".
كيف استجابت إيرباص؟
إيرباص بدورها أصدرت تنبيها فوريا "إشعارا عاجلا لمشغلي الطائرات" وهو أعلى مستوى تحذير قبل فرض إيقاف للطائرة.
وطلبت فيه من الشركات المستخدمة لطرازات "إيه 320 " التراجع لنسخة سابقة آمنة من البرمجيات، أو استبدال وحدة "إي إل إيه سي بي" بأخرى لا تحوي نسخة البرمجيات المتأثرة بالإشعاع الشمسي.
وقالت إيرباص إن الإصلاح يستغرق 3 ساعات فقط للطائرة، وهذا يساعد الشركات على تجنب تعطل طويل.
" frameborder="0">
هل هذا الحدث فريد من نوعه؟
ومع إصدار إيرباص بيان تشخيص المشكلة وما سبقه من إعلان عنها، ظن كثيرون أن هذه الأزمة فريدة من نوعها ولم يسبق لها مثيل، وهو ما تنفيه العديد من الدراسات التي رصدت أزمات شبيهة تعرضت لها شركات الطيران بسبب الإشعاع الشمسي.
وقد رصدت دراسة مرجعية نشرتها دورية "سبيس وذر" العديد من هذه الأحداث، منها:
أولا: انقطاع كهرباء كندا (دورة الشمس 22) في مارس/آذار 1989 حيث أدت عاصفة شمسية هائلة إلى انهيار شبكة كهرباء مقاطعة كيبيك خلال 90 ثانية فقط، كما شهد الطيران في أميركا الشمالية ارتفاعا غير مسبوق في مستويات الإشعاع الكوني، مما دفع بعض الرحلات القطبية إلى تغيير مساراتها تجنبا للمخاطر. ثانيا: انقطاع نظام تحديد المواقع "جي بي إس" (دورة الشمس 23) في أكتوبر/تشرين الأول 2003، وقد تسببت واحدة من أقوى العواصف الشمسية المسجلة في تعطل خدمات "جي بي إس" حول العالم لعدة ساعات، مما أثر على الطائرات والسفن والعمليات العسكرية، كما سجل الطيارون معدلات مضاعفة من الأشعة الكونية على ارتفاعات كبيرة. ثالثا: تشويش الاتصالات (دورة الشمس 24) في سبتمبر/كانون الأول 2017، وقد تسبب توهج شمسي من الفئة "إكس" في انقطاع الاتصالات عالية التردد لمدة ساعة تقريبا فوق المحيط الأطلسي، مما اضطر شركات طيران لإعادة توجيه رحلاتها لمسارات بديلة.
لماذا هذا الصخب المرتبط بالأزمة الحالية (دورة الشمس 25)؟
هذه الأزمات السابقة، رغم أنها حظيت بتغطية إعلامية فإنها لم تكن بنفس الصخب الذي أحدثته أزمة طائرات إيرباص، ذلك لأن الأخيرة ترتبط بواحدة من أفضل طائراتها "إيه 320" المفضلة لدى العديد من شركات الطيران حول العالم.
وتستطيع طائرات "إيه 320" التحليق لمسافة تصل إلى 4700 ميل بحري (8700 كيلومتر) وتتراوح سعتها بين 120 و244 مقعدا، وتعمل بوقود مستدام بنسبة 50%، وتتميز بمحركين توربينيين متطورين، مما يساعد على خفض استهلاك الوقود بنسبة 20%، مقارنة بالأجيال السابقة من الطائرات.
هل الأزمة الحالية مرشحة للعودة مرة أخرى؟
لا يتوقع أن تتكرر الأزمة، وإن تكررت ستكون بشكل أقل خطورة، إذا التزمت شركات الطيران بالإجراءات العلاجية التي أقرتها شركة إيرباص.
إعلان
ووجهت إيرباص باستخدام نسخة برمجية بديلة لتجنب الخطر عند التعرض لنشاط شمسي شديد، أو تقليله إلى حد كبير.
كما قد تؤدي تلك الأزمة إلى تدخلات أكثر شمولا تعتمد على إجراءات وقائية، منها تحسين التنبؤ بطقس الفضاء، وتحقيق المزيد من التعاون الدولي بهذا الملف، لأن العواصف الشمسية لا تعرف حدودا سياسية، وتحديد مسارات أقل عرضة للإشعاع، أو خفض عدد الرحلات أيام ذروة النشاط.
وقد ترفع الأزمة الحالية الوعي حول خطر "طقس الفضاء" بحيث تدمج معايير مقاومة الإشعاع في تصميم الطائرات المستقبلية، أو تعاد هندسة بعض الأنظمة لتصبح أكثر صمودا.

0 تعليق