عاجل

"الجيل زد".. شباب ولدوا مع الثورة الرقمية - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشير مصطلح "الجيل زد" إلى الأفراد المولودين ما بين منتصف تسعينيات القرن الـ20 وبداية العقد الثاني من القرن الـ21. ووفقا لمركز بيو للأبحاث، تُحدد هذه الفترة عادة بين عامي 1997 و2012، وهي مرحلة زمنية تميّزت بالانتشار الواسع للهواتف الذكية، وبروز وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت جزءا أساسيا من الحياة اليومية، بحيث أصبح التواصل الفوري والوجود الرقمي جزءا لا يتجزأ من تكوينهم الاجتماعي والثقافي.

ويأتي هذا الجيل بعد جيل الألفية أو ما يُعرف بالجيل "واي"، المولود بين 1981 و1996، وقبل "الجيل ألفا"، الذي يُشير إلى مواليد الفترة ما بين 2013 و2025.

لكن ما يميّز "الجيل زد" تحديدا هو أنه أول جيل يُصنّف على أنه "رقمي أصلي" (Digital Native)، إذ لم يعرف عالم ما قبل الإنترنت، بل وُلد وسط بيئة تقنية متسارعة غيّرت أنماط التعليم والعمل والتواصل الاجتماعي بشكل جذري.

" frameborder="0">

مميزات الجيل زد

للجيل "زد" خصائص تميّز بها عن غيره من الأجيال التي سبقته في المجالات التالية:

الخلفية التاريخية والسياسية

على خلاف جيل الألفية الذي تشكّل وعيه تحت تأثير أحداث كبرى مثل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، وحروب العراق وأفغانستان، والركود الاقتصادي الكبير، فإن معظم أفراد "الجيل زد" كانوا حينئذ صغارا جدا أو لم يولدوا بعد.

ولهذا فإن رؤيتهم للعالم لم تُبن على تلك المحطات التاريخية، بل في سياقات مغايرة تماما، أبرزها تصاعد الاستقطاب السياسي، وازدياد حضور قضايا الهوية، واتساع النقاشات حول العدالة الاجتماعية والمساواة، وهي قضايا لعبت دورا محوريا في صياغة وعيهم السياسي والاجتماعي.

التنوع والقيم الاجتماعية

"الجيل زد" هو الأكثر تنوعا من الناحية العرقية والإثنية في الولايات المتحدة الأميركية، فقد تجاوز جيل الألفية من حيث الخلفيات العرقية والثقافية، لكن التنوع لا يقتصر على هذا فقط، بل يشمل أيضا قضايا اجتماعية أوسع مثل الصحة النفسية والتنوع اللغوي وتطور مفهوم "النوع" (أو ما يعرف بالجندر).

ومن الناحية القيمية، يتميز "الجيل زد" بنزعته المثالية ورغبته في إحداث تغيير إيجابي، فهو يمثل موجة جديدة من المستهلكين الذين يربطون بين خياراتهم اليومية ورؤيتهم للعالم، ويعتبرون أنفسهم جزءا فاعلا في مواجهة تحديات مثل أزمة المناخ وعدم المساواة، مطالبين بالشفافية والمساءلة، وتوسيع الفرص للفئات غير الممثلة، مع الالتزام بممارسات مستدامة وصديقة للبيئة.

إعلان

" frameborder="0">

الرقمنة والتكنولوجيا

الفرق الجوهري بين "الجيل زد" والأجيال السابقة هو أن مواليده لم يشهدوا التحوّل الرقمي، بل وُلدوا فيه، ففي الوقت الذي تابع فيه جيل الألفية صعود الإنترنت وتبني الهواتف الذكية تدريجيا، جاء "الجيل زد" إلى الحياة وقد أصبحت الهواتف المحمولة والإنترنت السريع ووسائل التواصل الاجتماعي واقعا بديهيا.

ولم يكن الاتصال الدائم والترفيه عند الطلب والتواصل الفوري بالنسبة لهم إنجازات جديدة، بل جزءا طبيعيا من يومياتهم منذ الطفولة، ولهذا يُطلق عليهم لقب "الجيل الرقمي الأصلي".

هذا الاندماج المبكر مع التكنولوجيا لم يقتصر على تسهيل حياة أبناء هذا الجيل، بل شكّل هويتهم ورؤيتهم للعالم، فهم لا يتصورون الحياة دون الهواتف الذكية، كما لم يتعلموا استخدامها في دورات أو تدريب، بل اكتسبوا مهاراتهم بشكل تلقائي لأنها امتداد طبيعي لواقعهم، على عكس "جيل الألفية" الذي عاش مراحل تطور الحواسيب وشبكات الإنترنت، وانتقل تدريجيا إلى العالم الرقمي.

ومع هذا الحضور الرقمي الكثيف، صار الإنترنت بالنسبة "للجيل زد" فضاء متكاملا للعمل والتسوق وبناء الصداقات والتعارف والزواج. وتشير الدراسات إلى أن بعضهم، خاصة في آسيا، يقضون أكثر من 6 ساعات يوميا على هواتفهم.

بيد أن تجربتهم الرقمية ليست مجرد استهلاك سلبي، فقد تحولت منصات مثل "تيك توك" وإنستغرام إلى أدوات أساسية للتواصل المباشر. والأمر نفسه ينطبق على البودكاست، الذي لم يعد مجرد وسيلة ترفيهية، بل قناة شخصية للتواصل وبناء الثقة عند أبناء هذا الجيل تحديدا، خصوصا مع انتشار البودكاست المرئي.

أما الألعاب، فهي مثال على إعادة تعريف "الجيل زد" للتكنولوجيا، إذ تجاوزت كونها وسيلة للتسلية، لتصبح مساحة للتعاون والتعلم، بل حتى للتأثير المجتمعي، فيستخدمونها لإيصال رسائلهم وتغيير واقعهم ومجتمعاتهم.

وإلى جانب ذلك، يتبنى "الجيل زد" بسرعة الذكاء الاصطناعي، سواء في الإبداع أو حل المشكلات أو البحث، مع حرص واضح على مساءلة الشركات ومطالبتها بالشفافية في استخدامه.

" frameborder="0">

أنماط الحياة والسلوكيات اليومية

نشأ "الجيل زد" في عالم متصل على مدار الساعة، وأصبح الإنترنت نقطة البداية لأي خطوة في الحياة اليومية، سواء تعلق الأمر بالبحث عن المعلومات أو متابعة الأخبار أو قراءة المراجعات قبل الإقدام على شراء منتج أو خدمة.

ويتنقلون بسلاسة بين المواقع والتطبيقات وخلاصات وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها مكونات أساسية في نظامهم البيئي الرقمي قبل اتخاذ أي قرار.

ولأنهم الجيل الذي كبر مع شبكات التواصل، فإنهم يولون اهتماما خاصا لإدارة صورتهم الرقمية، فيحرصون على تنسيق حضورهم عبر الإنترنت بعناية أكبر من الأجيال السابقة.

ومع ذلك يتبنى الكثير منهم توجهات تميل إلى الخصوصية، عبر تقليل انكشاف هويتهم الإلكترونية وتخصيص خلاصاتهم بشكل أوسع، حتى مع استمرارهم في استهلاك المحتوى الرقمي بكثافة.

بيد أن النمو في بيئة "دائمة الاتصال" له وجهان، فمن جهة مكّن "الجيل زد" من الوصول اللامحدود إلى مصادر التعلم الذاتي والمعرفة الفورية، ومن جهة أخرى جعلهم أكثر عرضة للضغوط النفسية الناجمة عن المقارنات الاجتماعية المستمرة على المنصات الرقمية.

إعلان

لقد استثمر هذا الجيل أدوات التكنولوجيا الحديثة، من الشبكات الاجتماعية إلى التطبيقات الذكية، متجاوزا الطرق التقليدية التي اعتمد عليها "جيل الألفية" كالرسائل النصية والمكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني.

وبفضل هذا الحضور الرقمي القوي، تمكن "الجيل زد" من توسيع دوائر التواصل مع مختلف شرائح المجتمع محليا وعالميا، وأصبح منه مؤثرون يحظون بجماهيرية واسعة.

كما وظّف أبناء هذا الجيل تلك الأدوات مساحات لابتكار فرص عمل جديدة، تُعزز مسيرتهم المهنية وتساعدهم في تحسين ظروفهم المعيشية. وهكذا باتت حياتهم اليومية تتأرجح باستمرار بين الواقع المادي والفضاء الرقمي، في تفاعل متواصل يعكس طبيعتهم جيلا "مزدوج العيش".

" frameborder="0">

العمل والقيم المهنية

عندما يتعلق الأمر بالعمل يرفض "الجيل زد" الصور النمطية التي وصفته سابقا بالكسل أو "الاستقالة الهادئة"، فأبناؤه يتعاملون مع العمل بمنطق عملي وواقعي، يضع المرونة والتوازن بين الحياة والمهنة في صميم أولوياتهم.

ولا ينظرون إلى التنقل الوظيفي علامة ضعف في الالتزام، بل أداة للنمو وتحقيق الرضا الذاتي، ولهذا نجد كثيرا منهم يتجهون نحو العمل الحر والمشاريع الجانبية التي تعكس شغفهم وتمنحهم استقلالية أكبر.

وهذا الميل يفرض على الشركات وأصحاب العمل إعادة التفكير في إستراتيجيات الاستقطاب والحفاظ على المواهب، عبر الاستثمار في تطوير الأفراد وتمكينهم داخل وخارج الوظيفة.

وعلى مستوى القيم المهنية، يُظهر أبناء هذا الجيل التزاما قويا بإنجاز المهام بكفاءة ومسؤولية، لكنهم يرفضون الأطر التقليدية الصارمة التي ميّزت أجيالا سابقة، فهم لا يستجيبون لأسلوب الأوامر والسلطة العمودية، بل يبحثون عن بيئة قائمة على الحوار والثقة والاحترام المتبادل، مع تقدير كبير للتغذية الراجعة وتبادل الخبرات.

وتشير بيانات فوربس لعام 2021 إلى أن نحو 90% من العاملين من "الجيل زد" يثمّنون التواصل المباشر مع الإدارة والزملاء، فيما يرى 60% منهم التقييم الواضح والتغذية الراجعة المستمرة عنصرين أساسيين في تطورهم.

هذه المعطيات تعكس الرغبة القوية لدى "الجيل زد" في المشاركة الفعلية في تحسين الأداء وصُنع القرار، مما يجعل البيئات التفاعلية والشاملة الخيار الأمثل لجذبهم وتحفيزهم على المدى الطويل.

الصحة النفسية والرفاه

نشأ "الجيل زد" في بيئة عالمية مضطربة لم تعرف الاستقرار كما خبرته الأجيال السابقة. فمنذ سنوات طفولتهم، ترافق مسار حياتهم مع تهديدات المناخ المتصاعدة، وإجراءات الإغلاق الطويلة التي فرضتها جائحة كورونا (كوفيد-19)، إضافة إلى القلق المستمر من أزمات اقتصادية عالمية وانهيارات مالية متكررة. هذه الخلفية صنعت جيلا يحمل طموحا للتغيير، لكنه يواجه في المقابل ضغوطا نفسية استثنائية.

فهذا الجيل هو الأكثر عرضة للقلق والتوتر، لا سيما بفعل الضغط المستمر الذي تولده وسائل التواصل الاجتماعي عبر المقارنات الدائمة وصناعة الصورة المثالية.

ومنذ عام 2020 ارتفعت نسبة المعلنين عن معاناتهم من مشكلات في الصحة العقلية بشكل ملحوظ، مما أعاد تسليط الضوء على الحاجة إلى بيئات عمل ومؤسسات أكثر دعما.

وتؤكد البيانات أن توفير هذا الدعم ينعكس بشكل مباشر على مستويات رضاهم الوظيفي وسعادتهم، الأمر الذي يحوّل الصحة النفسية من كونها رفاهية إلى عامل إستراتيجي في استدامة القوى العاملة.

أما في أنماط حياتهم، فيظهر أبناء "الجيل زد" توجها واضحا نحو التجارب التي تحقق التوازن النفسي والجسدي معا. فالسفر مثلا يحتل مكانة مركزية لديهم، ليس بوصفه ترفا استهلاكيا، بل وسيلة للانفتاح الثقافي وخوض المغامرات واكتشاف الذات.

وفي المقابل، يتبنون رؤية أكثر واقعية للصحة الجسدية، إذ يبتعدون عن حميات الموضة السريعة، ويركزون على التغذية الصحية العملية والمستدامة، مع اهتمام متزايد بالبروتين واللياقة المتوازنة، بعيدا عن الهوس المفرط بفقدان الوزن.

إعلان

" frameborder="0">

المجال المالي والاقتصادي

ماليا يرسم "الجيل زد" ملامح قصة مختلفة تماما عن الصورة النمطية التي ارتبطت بالشباب في السابق، باعتبارهم متهورين أو غير مبالين بالتخطيط للمستقبل.

ففي الواقع، أظهرت الدراسات أن أفراد هذا الجيل أكثر ميلا إلى الادخار وتخصيص جزء من دخلهم للاستثمار، سواء عبر الأسهم أو الأصول الرقمية مثل العملات المشفّرة.

ومنذ عام 2017، ارتفعت نسبة الشباب الذين يمتلكون محافظ استثمارية بشكل واضح، بينما تراجعت أعداد من يعيشون بلا أي مدخرات.

وهذا السلوك لا يعكس مجرد حذر مالي، بل يكشف عن وعي مبكر بالمخاطر الاقتصادية، ورغبة في تحقيق الاستقلالية المالية بعيدا عن الاعتماد على الأسرة أو المؤسسات.

كما أن انفتاحهم على التكنولوجيا المالية (FinTech) وتطبيقات الدفع الذكية يجعلهم أكثر قدرة على متابعة مصروفاتهم اليومية بدقة، والموازنة بين الاستهلاك والمتطلبات المستقبلية. بعبارة أخرى، هم جيل يحاول التوفيق بين الحذر والطموح، ويعتبر الأمن المالي جزءا أساسيا من هويته العملية.

" frameborder="0">

القضايا البيئية

أما على صعيد البيئة، ورغم أن الخطاب العام يصوّر "الجيل زد" بوصفه "الأخضر" والأكثر وعيا بين الأجيال، فإن البيانات التفصيلية تكشف صورة أكثر تعقيدا.

صحيح أن هذا الجيل يتبنى خطابا قويا بشأن تغيّر المناخ ويشارك بكثافة في الحملات الرقمية المطالِبة بحلول جذرية، لكن التزامه الشخصي بالممارسات البيئية اليومية -مثل إعادة التدوير أو تقليل استهلاك البلاستيك- أقل مما قد يُتوقع.

ففي الغالب، لا يرى أبناء "الجيل زد" أن المسؤولية تقع على عاتق الأفراد وحدهم، بل ينظرون إلى الحكومات والشركات الكبرى باعتبارها الجهات القادرة على إحداث تغيير ملموس، عبر سياسات وتشريعات تفرض التحوّل نحو الطاقة النظيفة وتقليل الانبعاثات.

هذا الموقف يعكس تحوّلا في إدراك القوة والفاعلية، إذ يرى "الجيل زد" أن الاستهلاك الفردي محدود الأثر، بينما الضغط الجماعي على المؤسسات قادر على تحريك عجلة التغيير.

0 تعليق