هل يهدد العنف السياسي السلم الأهلي في الولايات المتحدة؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشهد المشهد السياسي في أميركا حالة من الاستقطاب الحاد والانقسام غير المسبوق، حيث يهدد العنف السياسي النسيج الاجتماعي للدولة.

بانر من واشنطن

وجاء مقتل الناشط اليمني تشارلي كيرك خلال فعالية في جامعة يوتا ليصب الزيت على نار كانت مشتعلة بالفعل، مثيرا تساؤلات مصيرية حول إمكانية انزلاق البلاد نحو صراع داخلي.

وتناولت حلقة (2025/9/18) من برنامج "من واشنطن"، أبعاد هذه الظاهرة المقلقة من خلال آراء خبراء متخصصين، وسلطت الضوء على جذور العنف السياسي وتداعياته المحتملة في محاولة لفهم ما إذا كانت أميركا على شفا حرب أهلية.

يعد تشارلي كيرك، الذي قتل عن عمر يناهز 31 عاما، أحد أكثر الأصوات تأثيرا في اليمين الأميركي.

وتميز بأسلوبه الحواري الجريء وتأثيره الواسع في الأوساط المحافظة، حيث نجح في توحيد أنصاره حول معتقداته السياسية والأيديولوجية التي تتراوح بين الدفاع عن "أسلوب الحياة الأميركي" كما يراه، ومهاجمة ما يصفه بأيديولوجيات "الاستيقاظ" والماركسية.

وأثار مقتل كيرك موجة عارمة من الغضب والحزن بين الملايين من أنصاره ومؤيديه، وعلى رأسهم الرئيس دونالد ترامب، الذي لم يتردد في اتهام اليسار الراديكالي بتأجيج الكراهية وخلق مناخ من "الشيطنة" المباشرة أدى إلى هذه النتيجة المأساوية.

وذهب ترامب إلى أن الخطاب اليساري الذي يشبه المحافظين بالنازيين هو المسؤول بشكل مباشر عن "الإرهاب" الذي تشهده البلاد.

كما تبنى  جيه دي فانس نائب الرئيس هذه الرواية، مشيرا إلى أن البيانات تظهر أن الأشخاص على اليسار هم الأكثر ميلا للدفاع عن العنف السياسي أو الاحتفاء به.

وأكد أن هذه ليست "مشكلة كلا الجانبين" بالتساوي، بل إن جانبا واحدا لديه مشكلة "أكبر بكثير وخبيثة".

جذور تاريخية

لا تعتبر هذه الحادثة منعزلة في التاريخ الأميركي، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من العنف السياسي الذي يمتد منذ اغتيال الرئيس السابق أبراهام لينكولن، مرورا باغتيال الرئيس السابق جون كينيدي والقس مارتن لوثر كينغ، ووصولا إلى المحاولتين الفاشلتين لاغتيال الرئيس ترامب نفسه.

إعلان

إلا أن اغتيال كيرك على يد المشتبه به تايلر روبنسون أعاد إشعال الاتهامات المتبادلة بين اليمين واليسار حول من يتحمل المسؤولية الكبرى في استمرار هذه الدائرة المفرغة من العنف.

بين الشعبوية العنيفة والفردية المتطرفة

ولفهم تعقيدات هذه الظاهرة، يرى الخبير في الشؤون الأمنية روبرت باب، أن أميركا دخلت "حقبة الشعبوية العنيفة"، وهي مرحلة وسيطة بين الحرب الأهلية والسياسة الطبيعية.

وأشار إلى تصاعد مقلق في دعم العنف السياسي بين الأميركيين العاديين على جانبي الطيف، حيث أظهرت استطلاعات رأي أن 39% من الديمقراطيين يوافقون على استخدام القوة لمنع ترامب من العودة للرئاسة، بينما وافق 24% من الجمهوريين على استخدام الجيش لقمع المتظاهرين الديمقراطيين.

وفي المقابل، حاولت المتخصصة في التطرف نينا جينكويتز، وضع الحادثة في إطارها الضيق، مشيرة إلى أن القاتل روبنسون تبنى نظام معتقدات سياسية "متطرفا جدا" عبر الإنترنت، يمزج بين أفكار مستوحاة من ألعاب الفيديو وأيديولوجيات يسارية متطرفة، لكنه لا يمثل أي جماعة منظمة.

وأكدت أن الجماعات المتطرفة في أميركا، سواء اليمينية أو اليسارية، ما زالت "مجزأة وضعيفة واستعراضية إلى حد كبير" خاصة بعد أحداث السادس من يناير/كانون الثاني، حين اقتحم الآلاف من مؤيدي ترامب جلسة مجلسي النواب والشيوخ المشتركة للتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية 2020، والتي انتهت بفوز الرئيس السابق جو بايدن.

أما المحلل السياسي غييرمو كريستنسن، فذهب إلى أن جذور المشكلة تعود إلى "صعود الشخصانية" داخل الحزب الجمهوري، الذي تحول إلى حزب يركز على تعزيز مسيرة ترامب الشخصية بدلا من الدفاع عن برنامج حزبي محافظ تقليدي.

وذهب إلى أن القادة المدعومين بأحزاب "ضعيفة وجوفاء" يميلون إلى استخدام الخطاب التحريضي وتقسيم المجتمع كوسيلة لتوطيد سلطتهم، مما يخلق مناخا مقبولا للعنف السياسي.

بين حرية التعبير وقمع الدولة

أما أستاذ العلوم السياسية الدكتور إحسان الخطيب، فقد بدا أقل قلقا من ظاهرة العنف السياسي بحد ذاتها، واعتبر الأمر أنه لا يخرج عن كونه أفعالا فردية مرتبطة غالبا باضطرابات نفسية.

لكن ما يخشاه هو أن تستخدم الحكومة الفدرالية هذه الحوادث "ذريعة للنيل من الحريات" في أميركا، خاصة حرية التعبير وحيازة السلاح، محذرا من أن أي آلية جديدة للقمع قد يستخدمها الديمقراطيون لاحقا ضد الجمهوريين.

وفي المقابل، أقرت نيلين باركر، المديرة التنفيذية لمؤسسة "كومن غراوند يو إس إيه" والمتخصصة في ردم الفجوات السياسية، بأن أغلب النشاط السياسي الأميركي لا يزال سلميا، لكنها حذرت من تجاهل العلامات المقلقة.

وأشارت إلى أن الخطوة النفسية الأولى نحو العنف تبدأ بـ"شيطنة الآخر" ووصفه بالشر المطلق، والشعور بأن المرء يتعرض لهجوم مستمر، وهي سرديات يتم تغذيتها من قبل الفضاءات الحزبية.

ومن منظور إقليمي، حلل مسؤول العلاقات الحكومية في منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي رائد جرار، تداعيات الوضع الأميركي على المنطقة العربية.

وتوقع أن يؤدي تبرير العنف السياسي في الداخل الأميركي إلى استخدامه كذريعة من قبل الأنظمة القمعية في المنطقة لتبرير قمعها الداخلي، كما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.

إعلان

كما حذر من أن الرد الحكومي الأميركي المتوقع، والذي قد يتسم بإجراءات أمنية صارمة، سوف "تستورده" دول المنطقة لتسهيل سياساتها القمعية.

وتبقى أزمة العنف السياسي في أميركا واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الديمقراطية الأميركية، حيث تتفاعل عوامل تاريخية واجتماعية وسياسية معقدة تهدد بزعزعة استقرار البلاد.

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

0 تعليق