كتب عيسى سعد الله:
تتخلل رحلة النزوح الإجبارية من مدينة غزة نحو الجنوب سلسلة عثرات وعقبات كأداء، تكاد تنزع أرواحهم من شدة العذاب.
ولعل جسر وادي غزة الضيق والقصير، وهو الممر الإجباري الذي يتوجب على النازحين سلوكه في طريق رحلتهم القسرية، أهم وأخطر هذه العثرات والعقبات، حيث يحتاج النازحون إلى أكثر من ثماني ساعات من أجل اجتيازه، والذي لا يتجاوز مائتي متر، لشدة الازدحام والأعطال المفاجئة التي تضرب عدداً كبيراً من السيارات والشاحنات.
وأحياناً يحتاج النازحون إلى وقت أكبر بكثير من أجل اجتياز الجسر، الذي لا يعتبر العقبة النهائية والأخيرة قبل وصولهم إلى محطة نزوحهم في إحدى بلدات ومخيمات وسط القطاع.
وقبل وصول النازح إلى الجسر المقام على وادي غزة، الذي يقع جنوب مدينة غزة، يواجه النازحون مئات الأمتار من الطرق المتعرجة والملتوية والضيقة بسبب هول الدمار الذي أحدثته قوات الاحتلال جنوب تل الهوا، ويحتاج النازحون إلى عدة ساعات من أجل سلوك واجتياز هذه الأمتار الكفيلة بإعطاب معظم عجلات السيارات وإلحاق الأذى البليغ فيها.
ويحتاج المواطنون أحياناً إلى ساعات طويلة من أجل اجتياز هذه الأمتار التي تؤدي إلى رحلة انتظار قاسية أمام البوابة الشمالية لجسر وادي غزة.
ولن تكون تبة النويري، التي تنتظر بزحمتها الشديدة الناجين من زحمة وادي غزة، المحطة الأخيرة في جحيم رحلة النزوح، حيث تعقبها مطبات وعقبات أخرى قبل الوصول إلى مواصي خان يونس أو مدينة دير البلح، حيث يتوجه معظم النازحين.
وتشاهد بوضوح أعداد كبيرة من السيارات والشاحنات المعطوبة في الطريق، وسط عجز أصحابها عن فعل أي شيء لإصلاحها أو سحبها بسبب الازدحام الشديد، ما يدفع بالسائقين إلى البحث عن طرق التفافية نادرة وإذا توفرت لا تكون أفضل حالاً.
ويضطر المواطنون، تحت وقع وصدمة الانتظار والتعب الشديد، إلى ترك السيارات والتوجه سيراً على الأقدام، بانتظار وصول الشاحنات بما تيسر من أمتعة، كما هو الحال مع المواطن زاهر مصباح، الذي قرر قطع المسافة من جسر وادي غزة إلى مدخل مدينة دير البلح مشياً على الأقدام برفقة أفراد أسرته.
ولم يتحمل مصباح جحيم وعذاب الانتظار تحت أشعة الشمس اللاهبة، ووسط الأتربة والغبار وعوادم السيارات والتلوث الشديد.
وفي غياب أي منظومة لتسهيل وتنظيم حركة المرور في قطاع غزة بسبب القصف والاستهداف الإسرائيلي، يتطوع النازحون لتنظيم السير ويتعاقبون على ذلك وسط تجاوب ضئيل من السائقين الذين يتسابقون بشكل غير حضاري للتقدم أمتاراً معدودة وعبور محطات الازدحام.
ولا تتوقف معاناة النازحين، خلال رحلة نزوحهم القاسية، على التعب والإرهاق النفسي، بل أيضاً على الجانب المادي الذي يشكل عقبة كبيرة ومعاناة شديدة تجبر الكثير منهم على الاستدانة أو القبول بصعود شاحنات وسط مخاطر عالية جداً، لتجنب دفع مبالغ كبيرة مقابل المواصلات التي تكلف الأسرة الواحدة لنقلها ونقل بعض أمتعتها نحو ثلاثة آلاف شيكل، ولن يكون هذا المبلغ، الذي لا تملكه الغالبية العظمى من النازحين، آخر معاناة للنازحين قبل وصولهم إلى محطة نزوحهم المجهول، بل تعقبها دفع مبالغ طائلة أخرى تتجاوز عشرة آلاف شيكل مقابل شراء خيمة أو استئجار أرض واستحداث دورة مياه، وشراء بعض الأمتعة الضرورية الأخرى.
وعادة ما تنتهي رحلة نزوح الكثيرين بالفشل وافتراش الشوارع والطرقات لعدم توفر الأراضي لنصب الخيام لتؤويهم.
ولوحظ اصطدام هؤلاء مع أصحاب الأراضي والمنازل الذين يرفضون افتراشهم مقابل أملاكهم، كما حصل مع المواطن محمد موسى الذي فشل بإقناع صاحب أحد المنازل بنصب خيمته في الطريق المقابلة لمنزله.
واضطر موسى إلى العودة لمدينة غزة للنزوح في كنف ميناء غزة؛ بعد أن فشل في العثور على مكان بمحافظة الوسطى يناسب قدراته المادية المحدودة، وسط دموع زوجته وبناته وأبنائه الصغار الذين نال من أجسادهم المرض والجوع.
0 تعليق