الخرطوم- بعد 4 أشهر على تسلم كامل إدريس مهامه رئيسا للوزراء في السودان، تصاعدت في المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي انتقادات لأداء الحكومة الجديدة التي أطلق عليها إدريس "حكومة الأمل"، في تطور يعكس الفجوة بين تطلعات المواطنين ودور الحكومة بتحسين أوضاعهم التي تأثرت بالحرب المستمرة في بلادهم، حسب مراقبين.
وفي 31 مايو/أيار الماضي، أدى إدريس اليمين الدستورية رئيسا جديدا لمجلس الوزراء أمام رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، الذي أصدر في 19 من الشهر ذاته مرسوما بتعيينه.
وتسلَّم إدريس مهامّه مطلع يونيو/حزيران الماضي كأول رئيس وزراء مدني بعد استقالة رئيس الحكومة السابق عبد الله حمدوك بداية يناير/كانون الثاني 2022، وذلك عقب إجراءات قائد الجيش في أكتوبر/تشرين الأول 2021 التي أطاحت بالحكومة المدنية السابقة.
دعم وانتقاد
وظل منصب رئيس الوزراء خاليا أكثر من 3 أعوام ونصف، تقاسم خلالها أعضاء مجلس السيادة العسكريون والمدنيون الإشراف على الوزارات التي كلّف غالبية وكلائها بتسيير مهام الوزراء، بينما ظل 5 وزراء يمثلون الحركات المسلحة في مواقعهم.
وقد ولدت الحكومة التي تتألف من 22 وزيرا و4 وزراء دولة بعد أسابيع من المشاورات، ولا يزال مقعد وزير البيئة والاستدامة شاغرا.
وعقدت حكومة إدريس، اجتماعا رسميا واحدا في 26 أغسطس/آب الماضي في الخرطوم لأول مرة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023.
وجاء الاجتماع بعد إعلان إدريس، عودة الحكومة إلى الخرطوم في أكتوبر/تشرين الأول الجاري أو نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وذلك بعد أكثر من عامين على إدارة شؤون البلاد من مدينة بورتسودان.

ويرى منتقدو الحكومة عبر الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي، أن أداءها لا يتسق مع حجم التحديات التي أفرزتها الحرب، وأنها لم تقر خطة أو برنامج عمل، ويتحرك الوزراء باجتهاداتهم ورؤاهم ومبادراتهم الشخصية بعد مرور شهور على تسلمهم مهامهم.
إعلان
ويعتقد المنتقدون أن المواطنين الذين ظلوا في الخرطوم والولايات التي استعادها الجيش أو عادوا إليها من مواقع النزوح داخليا واللجوء في دول مجاورة، كانوا ينتظرون خطوات عملية من الحكومة في استعادة خدمات المياه والكهرباء وتحسين الصحة والتعليم، وتغييرا في ظروفهم الاقتصادية وأوضاعهم المعيشية.
وفي المقابل يرى مساندو الحكومة أن الوقت لا يزال مبكرا لتقييم أدائها أو الحكم عليها، لأنها وجدت واقعا معقدا وأوضاعا كارثية، وخزينة خاوية بلا موارد، ولا مساعدات خارجية وتعمل في ظل ظروف غير طبيعية وغير مواتية.
وكان إدريس اشتكى، خلال لقائه الصحفيين السودانيين بالقاهرة في أغسطس/آب الماضي، من كثرة ما قال إنه "تغلغل الطابور الخامس داخل أجهزة الدولة"، واصفا المعاكسات والتعقيدات والضغوطات بأنها كبيرة جدا، لكنها لن تعيق جهود حكومته في تطبيع الحياة وتوفير الخدمات.
الحرب والتعقيدات
ودافع الكاتب والمحلل السياسي الهندي عز الدين عن الحكومة الجديدة، قائلا إن إدريس أتى لقيادة الحكومة في ظل تعقيدات إدارية وسياسية وأمنية كبيرة.
وأضاف عز الدين للجزيرة نت أن الحكومة تعمل في ظل حرب دمَّرت فيها قوات الدعم السريع الخدمات والبنيات التحتية، بالإضافة إلى حالة السيولة الأمنية التي تشهدها المدن التي حررها الجيش ويحتاج تطبيع الحياة فيها إلى جهد استثنائي، ورغم ذلك تعود الخدمات تدريجيا ويعود مئات الآلاف من المواطنين من خارج البلاد وداخلها إلى بيوتهم في ولايات وسط السودان.
وتابع، أن الذين يتحدثون عن بطء حكومة إدريس بعد شهرين من تعيين آخر وزير، ظلوا صامتين على خلو منصب رئيس الوزراء لنحو 4 سنوات.
واعتبر أن نقد الحكومة سطحي وغير موضوعي و"هؤلاء يريدون أن يغمضوا عيونهم ويفتحوها ليجدوا إدريس قد أعاد لهم السودان كما كان قبل 3 سنوات، قبل أن يجتاح الدعم السريع معظم ولايات الوسط ويدمرها، وهذه أحلام وتوهمات".
ومعظم الانتقادات -برأي عز الدين- غير موضوعية، ولا مقارنة بين عمل الجهاز التنفيذي تحت إدارة موظف حكومي قائم بأعمال مجلس الوزراء والوضع الماثل الآن، حيث مثَّل إدريس السودانَ على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أحسن تمثيل وأجاد في مخاطبة العالم وأجرى مقابلات عدة مع رؤساء دول وحكومات.
وطالب الكاتب عز الدين، من أعضاء مجلس السيادة مساعدة رئيس الوزراء بعدم التداخل في عمل الوزارات والتفرغ للمهام العسكرية والسيادية وملفات الأمن القومي.
ودعا الصحافة والإعلام لدعم الحكومة بالأفكار والمقترحات والكف عن تثبيط الهمم والتبخيس والسخرية، لأن ذلك يصب في مصلحة "التمرد الغاشم ورعاته أعداء السودان في الخارج" حسب تعبيره.
" frameborder="0">
لا مبرر للحكومة
وفي اتجاه آخر، يقول الكاتب ورئيس تحرير صحيفة "التيار" عثمان ميرغني، إن بطء أداء الحكومة ناتج من عدم توفر رؤية وخطة واضحة لأولوياتها ومهامها، وتعويلها على الشكليات والرمزيات في إصدار توجيهات بقصد إيهام الشعب بإنجازات غير حقيقية، مثل التوجيه بتخفيض نسب القبول للجامعات وتقليص الجمارك لخفض الأسعار وغيرها.
ويوضح ميرغني للجزيرة نت، أن عدم عقد اجتماعات لمجلس الوزراء لا تفسير له سوى أن هناك من يرى عدم أهمية وجود هيئة تنفيذية عليا لإدارة الدولة. وأن الانتقادات الموجهة إلى "حكومة الأمل" موضوعية ولا تعبر عن استقطاب إعلامي ضدها، لأن الحكومة لم تؤكد وتبرهن على قدرتها في إدارة الدولة حتى الآن.
إعلان
ويضيف أنه بعد مضي نحو 4 أشهر منذ تسلم إدريس مهامه لم تعقد حكومته اجتماعاتها بشكل متواتر، ولم تقر أي خطة وبرنامج عمل واضح، ولم تنجز الأساسيات المبدئية مثل إكمال التشكيل الوزاري والمجالس الأخرى كمجلس التخطيط الإستراتيجي وهيئة النزاهة والشفافية وغيرها.
ويقول ميرغني إنه من الواضح "عجز كامل إدريس في رئاسة مجلس الوزراء، ولا حجج تبرر كل هذا البطء والتراخي، وهناك تفكير جدي في إقالة الحكومة".

وتواصلت الجزيرة نت مع اثنين من المسؤولين في الحكومة بشأن أدائها، وقالا إن الحديث سيكون بعد اجتماع مجلس الوزراء الذي يجري الإعداد له خلال الأسبوع الجديد.
0 تعليق