كتبت بديعة زيدان:
تحت عنوان "القدس في المحفوظات الملكية المصرية ومسيرة نضالها الشعبي"، نظم منتدى الفكر العربي في العاصمة الأردنية عمّان، أول من أمس، ندوة حوارية سلطت الضوء على تاريخ القدس وقضيتها المركزية من خلال كتابين جديدين صدرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، للمؤرخيْن الفلسطينييْن الدكتورة نائلة الوعري والدكتور جوني منصور، قدمها الأكاديمي الأردني محمد الحوراني، وشارك فيها كمعقب رئيسي الدكتور صلاح جرار، الأكاديمي ووزير الثقافة الأردني الأسبق.
في مداخلتها، استعرضت الوعري كتابها الجديد الصادر بعنوان "مسيرة النضال الشعبي في القدس العاصمة"، واصفةً إياه بأنه ثمرة سنوات من التوثيق والتحليل والبحث الميداني الذي يوثق لمرحلة زمنية تمتد لأكثر من 108 أعوام، موضحة أن هدفها الأساسي من هذا الجهد "إنصاف المدينة وأهلها، ووضع النضال الشعبي المقدسي في مكانه الطبيعي ضمن سردية المقاومة الفلسطينية الشعبية".
وقدمت الوعري شرحاً مفصلاً للمنهجية التي اتبعتها في كتابها لرسم صورة واضحة المعالم لمسيرة النضال، وقامت على عدة محاور أساسية: الميدان متمثلاً بأرض القدس وفلسطين، بامتداداتها الجغرافية والديمغرافية، وعمقها الاستراتيجي العربي والإسلامي، وصولاً إلى الجاليات في المهجر والمتضامنين الدوليين، والبنية الشعبية مُركزة على أهالي القدس "أصحابها الشرعيين" الذين شكلوا المد الشعبي الحقيقي للنضال، والمنطلقات والثوابت مُؤكدة أن النضال قام على "رؤية واعية ورسالة وأهداف" تستند إلى الثوابت الفلسطينية (وحدة التراب، والدولة المستقلة وعاصمتها القدس، وحق تقرير المصير)، مستعيدة مقولة إن "المقاومة السلمية اللاعنفية أكثر شدة وفعالية من حمل البندقية".
من جانبه، أوضح المؤرخ الدكتور جوني منصور أن محاور كتابه "القدس في المخطوطات الملكية المصرية"، تمثلت في: الإدارة، والمجتمع، والاقتصاد، وذلك استناداً إلى الوثائق التي جمعها المؤرخ أسد رستم من المحفوظات الملكية المصرية، والتي توثق فترة الحكم المصري لبلاد الشام (1831- 1840).
وعمل منصور على "تفكيك البنية المجتمعية" للقدس في تلك الفترة من خلال وثائق الضرائب، الميراث، الزواج، والطلاق، وركز على العلاقات بين الطوائف الدينية التي شكلت المجتمع الفلسطيني آنذاك: المسلمين، المسيحيين، و"اليهود الأصلانيين"، الذين وصفهم بـ"يهود ولاد عرب"، مميزاً إياهم بوضوح عن المستوطنين الاستعماريين الذين وصلوا لاحقاً إلى أرض فلسطين في موجات الهجرة المتتابعة.
في عرضه، قدم الدكتور منصور رؤية منهجية لفترة تاريخية مفصلية، مؤكداً أن فهم هذه المرحلة القصيرة (تسعة أعوام)، والغنية بالأحداث، يساعد على فهم التراكمات التاريخية التي شكلت فلسطين والقدس حتى يومنا هذا.
وكان الدكتور محمد الحوراني أشاد بالمؤرخيْن منصور والوعري لجهودهما في التنقيب في الجوانب الخفية والمخفية من تاريخ المدينة، بحيث وصف عمل منصور بأنه غوص في "الجانب الذي ربما لا يجرؤ كثير من الباحثين والمحققين على الخوض فيه"، فيما أشار إلى أن الوعري اشتغلت على "جانب لم يكن أحد سبقها إلى الاشتغال عليه".
من جهته، لفت الدكتور صالح جرار إلى التقاء كل من منصور والوعري في الكتابين، وإن اختلفت زوايا البحث. وأبرز جرار العلاقة الفكرية الوثيقة بين المؤلفيْن، حيث "قرأ كل منهما كتاب الآخر وقدّم له"، مشدداً على أن الكتابة عن القدس في هذا الزمن هي بحد ذاتها "لون من ألوان النضال الشعبي"، ولكن بأدوات العلم والثقافة.
وشدّد جرار على أن مسؤولية الباحثين والمؤرخين العرب، اليوم، "مسؤولية عظيمة وخطيرة"، تتمثل في تفنيد السردية الصهيونية وتقديم "السردية العربية والفلسطينية بمنهجية علمية مؤثرة وصادقة ومقنعة".
وعكست الندوة أهمية البحث التاريخي الدقيق والمستمر في حفظ ذاكرة القدس، وأبرزت دور المؤرخين كحراس لهذه الذاكرة في مواجهة محاولات الطمس والتزوير.
0 تعليق