شهدت الدبلوماسية الدولية تصعيداً دراماتيكياً، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات اقتصادية قاسية على أكبر شركتي النفط الروسيتين، «روسنيفت»، و«لوك أويل»، متهمة موسكو بعدم الالتزام الجاد بجهود إنهاء الحرب في أوكرانيا، في الوقت نفسه الذي أجرت فيه روسيا تمريناً عسكرياً كبيراً يشمل أسلحة نووية.
عقوبات أمريكية على روسيا
جاءت هذه العقوبات بعد يوم واحد من إلغاء خطط قمة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث أعلن ترمب للصحفيين أنه ألغى اللقاء لأنه «لم يشعر أنه مناسب».
ويأتي هذا التحول الحاد في سياسة البيت الأبيض بعد أسابيع من التلكؤ في فرض إجراءات جديدة، وسط ضغوط متزايدة من الكونغرس الأمريكي للحد من تمويل موسكو لحربها.
من جانبه، أعلن وزارة الخزانة الأمريكية أن هذه العقوبات تستهدف قدرتها على تمويل «آلة الحرب» الروسية، من خلال تجميد أصول الشركتين ومنع التعاملات المالية معهما، بالإضافة إلى فرض عقوبات ثانوية محتملة على البنوك والتجار في دول ثالثة مثل الصين والهند وتركيا التي تشتري النفط الروسي.
ووفقاً لتقديرات الوزارة، تمثل «روسنيفت» و«لوك أويل» نحو نصف صادرات النفط الخام الروسية، التي تشكل ربع ميزانية موسكو، مما يعني ضغطاً اقتصادياً هائلاً قد يصل إلى ملايين الدولارات يومياً.
وقال وزير الخزانة سكوت بيسينت: «الآن هو الوقت لوقف القتل وإعلان وقف إطلاق نار فوري»، مما دفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنحو دولارين للبرميل.
تلكؤ دبلوماسي وشروط روسية صارمة
وكان ترمب أعلن الأسبوع الماضي، بعد مكالمة هاتفية مع بوتين، اتفاقا على قمة في بودابست بهدف التوصل إلى اتفاق سلام، لكن مكالمة بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظيره الروسي سيرغي لافروف يوم الإثنين أدت إلى إعادة التأكيد على الشروط الروسية غير المرنة، بما في ذلك تسليم أوكرانيا السيطرة الكاملة على إقليم دونباس الجنوبي الشرقي، وهو ما يتعارض مع اقتراح ترمب بتجميد الخطوط الأمامية الحالية.
وأكد متحدث الكرملين ديمتري بيسكوف أن التحضيرات مستمرة، لكنه أضاف أن «التواريخ لم تحدد بعد، وتتطلب وقتاً للإعداد الدقيق».
ومع ذلك، أصر البيت الأبيض على عدم وجود خطط للقاء «في المستقبل القريب»، معتبراً أن المكالمة كانت كافية للتبادلات الأولية، ويعكس هذا الإلغاء إحباط ترمب المتزايد، الذي قاوم لأشهر ضغوط المشرعين الأمريكيين لفرض عقوبات طاقة، آملاً في اتفاق سريع مع بوتين، لكنه الآن يرى أن «الوقت حان».
روسيا ترد بتمارين نووية
في الوقت نفسه، أشرف بوتين شخصياً على تمرين عسكري كبير للقوات النووية الروسية، شمل إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات مثل «يارس» من قاعدة بليسيتسك، وصواريخ «سينيفا» من غواصة نووية في بحر بارنتس، بالإضافة إلى صواريخ كروز من قاذفات إستراتيجية «تو-95» فوق بحر البلطيق.
ووصف الكرملين التمرين بأنه «روتيني» لاختبار الاستعداد والسيطرة على الأسلحة النووية، لكنه جاء كرد فعل على تمارين الردع النووي للناتو «ستيدفاست نون» التي أجرتها في أكتوبر.
هذه التمارين، التي شملت القوات البرية والبحرية والجوية، تذكير بترسانة روسيا النووية الأكبر عالمياً، وتُعتبر تحذيراً لكييف ولحلفائها الغربيين في لحظات حاسمة من الحرب.
وقد رافقت الطائرات الروسية مقاتلات أجنبية – ربما من الناتو – أثناء الطيران، مما يعكس التوترات المتزايدة.
ضغط اقتصادي لدفع السلام
وتُعد هذه العقوبات، الأولى من نوعها في الولاية الثانية لترمب، تحولاً إستراتيجياً يجمع بين الضغط الاقتصادي والدبلوماسي لإجبار موسكو على وقف التصعيد.
ووفقاً لخبراء مثل إدوارد فيشمان، الخبير السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، فإن استهداف «روسنيفت» – الشركة الروسية الأكبر غير المعاقبة سابقاً – يهدف إلى قطع الإيرادات بنسبة تصل إلى 50% من صادرات النفط، مما يضعف الاقتصاد الروسي الذي يعاني من تضخم يفوق 10% ونقص في الصندوق السيادي.
كما أنها تتبع عقوبات بريطانية الأسبوع الماضي على الشركتين نفسيهما، وتُهدد بتوسيع النطاق إلى البنوك الثالثة لتعزيز الفعالية.
وفي سياق أوسع، أكد ترمب أنه لا يزال يرفض تزويد أوكرانيا بصواريخ طويلة المدى مثل «توماهوك»، معتبراً أن تدريبها يستغرق ستة أشهر على الأقل، لكنه يأمل في استخدام نفوذ الرئيس الصيني شي جين بينغ – حليف بوتين الإستراتيجي – لدفع موسكو نحو السلام قبل قمة نهاية الأسبوع في كوريا الجنوبية.
دعم أوروبي وصفقات عسكرية
وفي خطوة موازية، وافقت دول الاتحاد الأوروبي على الحزمة العقابية الـ19 ضد روسيا، التي تشمل حظراً على واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي اعتباراً من يناير 2027، مع آلية لتقييد حركة الدبلوماسيين الروس داخل الاتحاد، مما يعزز الضغط الجماعي.
كما أن جريدة «وول ستريت جورنال» أفادت برفع واشنطن قيود استخدام أوكرانيا لبعض الصواريخ طويلة المدى الأمريكية لضرب أهداف داخل روسيا، إلا أن ترمب نفى ذلك عبر وسائل التواصل.
أما في السويد، فقد وقعت اتفاقية مبدئية لبيع ما يصل إلى 150 طائرة مقاتلة «غريبن» حديثة إلى كييف، مع بدء التسليم المحتمل في 2026، وهي صفقة تُعد الأكبر في تاريخ الصادرات السويدية للطائرات، وتأتي بعد تدريب الطيارين الأوكرانيين على النموذج.
وقال الرئيس فولوديمير زيلينسكي أثناء زيارته لشركة «ساب» إن هذه الطائرات «أولوية لجيشنا»، مشيراً إلى أنها أقل تكلفة وأكثر متانة من «إف-35» الأمريكية، ويمكن تشغيلها من الطرق لمواجهة الظروف القاسية.
قمة الاتحاد الأوروبي
ومن المقرر أن تناقش قمة الاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس)، اقتراح استخدام أصول روسية مجمدة بقيمة 163 مليار دولار لتمويل قرض لأوكرانيا، وهو ما وصفته موسكو بـ«السرقة» وهددت بالرد عليه.
أخبار ذات صلة
0 تعليق