مانيشي رايتشودوري
مع تزايد حذر المستثمرين تجاه موجة الذكاء الاصطناعي التي تقودها الولايات المتحدة، قد يجد بعض الخاسرين في هذا القطاع داخل آسيا فرصة لإعادة رسم مستقبلهم. فعلى مدى العامين الماضيين، استحوذ عمالقة التقنية الأمريكية السبعة (أمازون، ألفابت، أبل، ميتا، مايكروسوفت، إنفيديا، وتيسلا) على النصيب الأكبر من اهتمام الأسواق، إلى جانب كبار مصنّعي الرقائق والذواكر في تايوان وكوريا الجنوبية، ومطوري النماذج اللغوية الكبيرة المُدرجين في هونغ كونغ.
غير أن الصورة في جنوب وشرق آسيا كانت مغايرة تماماً؛ إذ سجّلت الأسهم الهندية وأسواق جنوب شرق آسيا أداءً ضعيفاً بدرجة كبيرة. ولم يكن السبب فقط ندرة الشركات المرتبطة مباشرة بالذكاء الاصطناعي، بل أيضاً لأن بعض القطاعات الأساسية في تلك الاقتصادات تواجه تهديداً مباشراً من تسارع تبنّي التكنولوجيا أو من فتور اهتمام المستثمرين.
تنطوي الوظائف الروتينية، مثل مراكز الاتصال، التسويق الهاتفي، المحاسبة، والدعم الإداري، على مخاطر مرتفعة. ومع تزايد كفاءة حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة، باتت هذه الوظائف الأكثر عرضة للاستبدال. لذلك لم يكن مستغرباً أن تتراجع أسهم شركات التكنولوجيا والخدمات الهندية الكبرى، مثل «تاتا كونسلتنسي سيرفيسز»، و«إنفوسيس» و«ويبرو تكنولوجيز»، بشكل حاد. وتبرز الفلبين كحالة نموذجية أخرى في هذا السياق؛ إذ يعتمد نحو نصف صادراتها الخدمية على خدمات «التعهيد»، أي الاستعانة بمصادر خارجية للعمليات التجــارية، بالإضـــافة إلى مراكز الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، وهي قطاعات قد تتعرض لاهتزازات كبيرة بفعل الذكاء الاصطناعي.
وقد بدأ المستثمرون الأجانب بالفعل في الانسحاب، حيث سُجّل خروج نحو 840 مليون دولار من البلاد منذ بداية العام. وأدى ذلك إلى تراجع البيزو أمام الدولار، وانخفاض المؤشر الرئيسي بأكثر من 10%.
وعزز بيانات «غولدمان ساكس» هذه المخاوف؛ إذ تشير تقديراتها إلى أن 2.5% من الوظائف الأمريكية معرضة لخطر الاستبدال بالذكاء الاصطناعي، معظمها في خدمات لطالما كانت تُنقل إلى آسيا، مثل مراكز الدعم التقني وخدمات العملاء والعمليات التجارية.
لم يقتصر تأثيــر جنـــون الذكاء الاصطناعي على القطاعات المعرّضة للإزاحة فحسب، بل شمل أيضاً قطاعات أساسية لم ترتبط بهذه الموجة، ومنها أسهم التصنيع الهندية، التي تراجعت بنحو 7% خلال العام حتى 25 نوفمبر، رغم توقع المحللين بنمو أرباح يصل إلى 15% في 2025، و25% العام القادم.
واللافت أن هذه القطاعات كانت في صدارة اهتمام المستثمرين قبل وقت قريب، خاصة مع توجه الشركات العالمية للابتعاد عن الصين، وصعود الهند كلاعب رئيسي في التصنيع الإلكتروني، إلى جانب اتساع برامج الهند لتعزيز الصناعات الدفاعية الوطنية. لكن كل تلك القصص الاستثمارية تراجعت، بعدما استحوذت سردية الذكاء الاصطناعي على المشهد بالكامل.
في غضون ذلك، يمكن للقطاعات المتضررة من «لامبالاة السوق» أن تستعيد جاذبيتها إذا اتجه المستثمرون لاقتناص الفرص المتدنية السعر. لكن القطاعات المعرضة للاضطراب الحقيقي بفعل الذكاء الاصطناعي قد لا تتمكن من التعافي ما لم تُعد تشكيل نفسها جذرياً. وهذا يضع اقتصادات تعتمد على تصدير الخدمات، مثل الهند والفلبين، أمام تحديات استراتيجية ضخمة.
في المقابل، قد يتجه المستثمـــرون الذين لا يزالون يؤمنون بقصة الذكـــاء الاصطناعي، لكنهم يترددون أمام التقييمات الأمريكية المبالغ فيها، نحو بعض «الفائزين الآسيويين» الأقل سعراً. فعمالقة كوريا الجنوبية، مثل «سامسونغ» و«إس كيه هاينكس»، لا تزال تتداول عند مضاعفات ربح منخفضة. كما أن منصات الإنترنت الصينية الكبرى، مثل «علي بابا» و«تنسنت»، تبـــدو في موقع صلب؛ فهي توظّف نماذج اللغة الكبيرة لتطوير أعمال مربحة أصلاً، ولكــن دون التــــورط فــــي إنفاق مفـــرط على الذكـــاء الاصطناعي كما تفعل نظيراتها الأمريكية.
عندما تهدأ موجة الذكاء الاصطناعي، ستحدث بلا شك «إعادة خلط» لأوراق الرابحين والخاسرين. غير أن القطاعات الخدمية الأكثر هشاشة قد لا تتمكن أبداً من اللحاق بالركب، نظراً للطبيعة التحويلية العميقة لهذه التكنولوجيا.
* المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «إيمر كابيتال بارتنرز» (رويترز)

0 تعليق