حققت 3 فتيات مقدسيات إنجازا علميا بمشاركتهن في نشر أوراق بحثية تخصصية في مجال الأعصاب والدماغ، وهو إنجاز احتفت به مدينة القدس المحتلة، حيث شرحت الفتيات تجربتهن للجمهور في ندوة بحثية استثنائية عقدت أول أمس السبت بفندق نوتردام التاريخي.
ريماس سيّد وتيا أبو سنينة وجنى قطب أول 3 فتيات في الشرق الأوسط يشاركن في إعداد أبحاث علمية وينجحن في نشرها بمجلة أكاديمية عالمية وهن لا يزلن طالبات على مقاعد المدرسة، وهي مجلة "فرونتيرز للعقول الشابة" (Frontiers for Young Minds).
فريماس سيّد وتيا أبو سنينة شاركتا في الورقة البحثية التي حملت عنوان "كيف يمكن لزيت اللافندر أن يساعد في حماية دماغك؟"، وفي هذه الدراسة وجد فريق العمل أن زيت اللافندر يمكن أن يساعد مستقبلات "إيه إم بي إيه" (AMPA)، وهي مستقبلات أيونية تسمح بمرور الشحنات الكهربائية بين الخلايا العصبية، على البقاء مفتوحة لفترة أطول قليلا، دون التسبب في أي ضرر، وقد يُساعد هذا في حماية الدماغ وعلاج اضطراباته مستقبلا.
أما جنى قطب، فشاركت في الورقة البحثية التي حملت عنوان "مادة شبيهة بالفيتامينات تحمي الروابط بين خلايا الدماغ"، وخلال الدراسة تمت إضافة حمض الليبويك إلى الخلايا التي تحتوي على مستقبلات "إيه إم بي إيه"، ولوحظ أنه أبقى المستقبلات مفتوحة لفترة أطول قليلا، مما قد يمنع تلف خلايا الدماغ.
وتوصل الفريق إلى نتيجة مفادها أن هذا الحمض قد يكون مفيدا في علاج أمراض الدماغ من خلال مساعدة المستقبلات على العمل بالمستوى الصحيح للحفاظ على سلامته.
وأشرف على الورقتين البحثيتين مؤسس ومدير مركز علم الأعصاب الفلسطيني (نيوروبال) البحثي والتعليمي الخاص الدكتور محمد قنيبي.
تحديد المسار الجامعي
ووسط حضور دبلوماسي وجمع من الأطباء بتخصصات عدّة، كُرمت الطالبتان جنى قطب وتيا أبو سنينة، والخريجة ريماس سيّد التي أنهت مرحلة الثانوية العامة قبل أشهر وانطلقت لتلقّي تعليمها الجامعي في فرنسا في مجال علم الأعصاب.
إعلان
تخرجت ريماس في مدرسة راهبات الوردية الثانوية في القدس، ولا تزال الطالبتان جنى وتيا تتلقيان تعليمهما على مقاعد المدرسة ذاتها، وهن أول 3 طالبات مدرسيات في الشرق الأوسط ينشرن أبحاثا علمية في مجال علم الأعصاب بالمجلة العلمية العالمية "فرونتيرز للعقول الشابة"، التي تُعنى بتقديم الأبحاث العلمية المبنية على أحدث النتائج والاكتشافات في مختلف المجالات، مع تيسيرها للأطفال والشباب، مما يجعل العلم قريبا ومفهوما لهاتين الفئتين.
وعلى مدار ساعة ونصف الساعة، أجابت الفتيات المقدسيات عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة بأبحاثهن أو بمسيرتهن في البحث العلمي وآفاقهن المستقبلية.
الجزيرة نت سألت ريماس سيّد عن مسيرتها الخاصة، فقالت إنها بدأت من خلال برنامج "توبي" (TOBE) في مركز علم الأعصاب الفلسطيني، وأصبحت لاحقا جزءا من فريق القيادة فيه، إذ "حظيت بشرف توجيه الطلبة الأصغر سنا والإشراف على عملهم النظري والعملي في المختبر".
وفي عامها الأخير بالمدرسة، أي في مرحلة الثانوية العامة، قالت ريماس إن البحث العلمي منحها أدوات لم تكن تعلم أنها تمتلكها كالانضباط، والتفكير النقدي، والمثابرة، وبفضل ذلك تؤكد أنها تمكنت من الحصول على المرتبة الثانية على مستوى محافظة القدس بالفرع العلمي.
تضيف أن هذه الأدوات تساعدها الآن في تكوين عقلية تواجه التحديات في مسيرتها الجامعية، إضافة للجرأة في التحدث والفضول للاستكشاف، مشيرة إلى أنها اقترحت فكرة لمدونة علمية في أحد مساقات الجامعة بعنوان "الأرض هي الصيدلية الأولى"، وهي تقود هذا المشروع الذي يندرج في المجال نفسه الذي نُشر به البحث العلمي الذي شاركت به.
تجربة غيّرت مسار الحياة
"مركز علم الأعصاب الفلسطيني جعلني أدرك مدى تأثير البحث العلمي عليّ، فعلمني التفكير كعالمة، وفهم ما يتوقعه الأساتذة، والنظر للعلم كاكتشاف لا كمجرد تلقين وحفظ" أردفت الشابة المقدسية.
أما تيا أبو سنينة التي شاركت في البحث العلمي ذاته، فقالت إنها وجدت نفسها جزءا من سيرورة علمية نادرة في وطنها، وإن دورها كان فعالا في جمع المعلومات، وتحليل النتائج، والمشاركة في صياغة البحث العلمي، الأمر الذي أتاح استخدام أدوات طبية وعلمية متقدمة والتعرّف على طرق البحث المخبري عن قرب.
وأضافت أن هذه التجربة أضافت لها الكثير، إذ أسهمت في تغيير مجرى حياتها وطريقة تفكيرها، سواء من ناحية التقدّم الأكاديمي في المواد العلمية، أو من الناحية الاجتماعية من حيث ثقتها بنفسها، وأخيرا في رسم ملامح مسيرتها الجامعية التي قررت خوضها في مجال العلوم الطبية.
أما الطالبة جنى قطب التي شاركت في الورقة البحثية "مادة شبيهة بالفيتامينات تحمي الروابط بين خلايا الدماغ"، فأشارت إلى أن هذه التجربة ساعدتها على تطوير مهاراتها بجمع وتحليل البيانات واستخلاص النتائج، وقالت إنها شعرت "بالفخر والإنجاز والقدرة على تحقيق الأهداف رغم كل التحديات التي نعيشها".
ثقة بالعقول الفلسطينية
محمد قنيبي، الذي أنصت لإجابات طالباته بعناية، أجاب عند سؤاله عن شعوره وهو يشاهد هؤلاء الطالبات قد تسلَّحن بمبادئ البحث العلمي وانطلقن من هذه المدينة بالقول إنه يشعر بالفرح والفخر، وإن هذا الإنجاز "يعمّق إيماني بقدرات طلبتنا وعقولنا الفلسطينية، ويؤكد أن طلابنا قادرون على المنافسة والتميز في شتى المجالات العلمية، وأنهم يمتلكون الإمكانات الحقيقية لتحقيق إنجازات علمية مبهرة على المستوى الإقليمي والدولي".
إعلان
وحول مدى إسهام هذه التجربة في تدعيم الطالبات للمرحلة الجامعية بدءا من قبولهن في الجامعات، مرورا بمساعدتهن في مجال البحث العلمي، أكد قنيبي أن وجود بحث منشور لطالب في مرحلة المدرسة يُعتبر إنجازا كبيرا، ويعكس أنه شخص طموح مجتهد ومتميز.
وأضاف أن "هذا الإنجاز يمنح أفضلية في ملفات القبول الجامعي، حيث يُظهر التزام الطالب وقدرته على تحقيق أهداف كبيرة حتى في سن مبكرة، ومن الناحية النفسية، تمنح هذه التجربة الطالبات ثقة عالية بأنفسهن، لأنهن تغلبن على تحديات كبيرة وأنجزن ما بدا في البداية مستحيلا".
من جهتها، حرصت طبيبة الأسنان روان الرفاعي على حضور هذه الندوة البحثية، وتقول إنها شعرت بالفخر لوجود مركز فلسطيني يُنمّي قدرات الأطفال في مجال البحث العلمي، ويساعدهم في تحديد ميولهم ومسارهم الأكاديمي المستقبلي.
وكان من اللافت بالنسبة للطبيبة الرفاعي الثقة العالية التي تحدث بها الفتيات الثلاثة، وعمق معرفتهن وخوضهن تجارب علمية لم يكن من المتاح للأطفال الوصول إليها في الأجيال السابقة.

0 تعليق