مدينة بابنوسة قلب إقليم كردفان السوداني وشريانه الاقتصادي - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بابنوسة -أو أبنوسة- مدينة تقع في ولاية غرب كردفان وسط السودان، وهي واحدة من أهم المدن الاقتصادية في البلاد، فقد شهدت منذ أواسط القرن العشرين تطورا كبيرا، وأصبحت مركزا للنقل والتجارة، بفضل وجودها في نقطة التقاء خطوط السكة الحديدية واحتضانها مصنع إنتاج الحليب المجفف عام 1963.

تأثرت المدينة منذ 2023 بالنزاعات المسلحة، مما أدى إلى دمار واسع ونزوح كل سكانها منذ يناير/كانون الثاني 2024 حتى إنها لُقبت بـ"مدينة الأشباح" و"المدينة الخالية".

أصل التسمية

كانت المدينة تُعرَف قديما باسم "القبة" تيمنا بقبة الشيخ الولي أبو إسماعيل (ينطق محليا أبو إسماعين)، أحد أبرز شيوخ المنطقة، وأحد رموز الصوفية فيها، ومع تطور المدينة عبر السنين، تغير اسمها إلى "بابنوسة"، وينطقها السكان المحليون "بابنوصة".

وأُطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى انتشار أشجار الأبنوس، المعروفة بإنتاج الخشب الأسود، الذي يعد من أجود وأغلى أنواع الخشب.

الموقع

تقع مدينة بابنوسة في إقليم غرب كردفان وسط السودان، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بنحو 700 كيلومتر، وهي واحدة من أهم المدن الاقتصادية في البلاد.

تحدها من الشمال مدينة مجلد ومن الغرب مدينة أبو جبيهة، ومن الشرق مدينة كادقلي، أما من جهة الجنوب فتحدها منطقتا أبو كرشولا ونيالا التابعتان لولاية جنوب دارفور.

خريطة - مدينة بابنوسة - خريطة السودان

السكان

يتميز سكان مدينة بابنوسة بتنوع ديني وعرقي واسع تشكّل عبر مراحل تاريخية مختلفة، وينحدر جزء كبير منهم من قبيلة الهمر، إحدى قبائل المسيرية التي تنتمي لقبائل البقارة العربية.

غير أن بابنوسة توسعت أكثر واحتضنت قبائل أخرى من مدن مجاورة لها، وقدر عدد سكانها عام 2008 بحوالي 22.490 ألف نسمة.

الخلفية التاريخية

كانت المنطقة التي أصبحت فيما بعد السودان، تتألف من قبائل وممالك محلية، وكانت السلطة داخلها موزعة على أمراء محليين أو شيوخ وزعماء قبائل.

إعلان

وكانت مدينة بابنوسة آنذاك بلدة ريفية صغيرة، يعيش سكانها على الزراعة والرعي، ولم تكن مركزا حضريا قائما بذاته، حتى إن السكان كانوا يتوجهون إلى السوق الرئيسي بمدينة مجلد المجاورة لشراء احتياجاتهم الأساسية.

وفي أواخر القرن التاسع عشر، ومع غزو بريطانيا السودان عام 1898، أصبحت بابنوسة نقطة التقاء للتجار لبيع وتبادل السلع، مما مهد لانتعاش التجارة فيها.

وفي أوائل القرن الـ20 استمر تحول المدينة التدريجي إلى أن جاءت اللحظة الفارقة في ديسمبر/كانون الأول 1948، حين افتتح الزعيم عبد الرحمن عبد الكريم أول متجر في بابنوسة، بناء على اقتراح من والده الفكي عبد الكريم جبريل.

وكانت تلك هي اللحظة الأولى التي انطلقت فيها الحياة التجارية المنظمة في المنطقة، حسب ما أشارت إليه بعض المصادر التاريخية.

ومع مرور السنوات ازدهر النشاط التجاري وانتعشت الحياة الثقافية في المدينة، وتجلى ذلك في افتتاح سينما الخواجية التي كانت تعرض أفلاما مصرية وهندية، وبقالة عم عيدو جورج وابنه نبيل، وورشة خياطة ماريو مسكني النقابي الجنوبي، إلى جانب دار الرياضة التي احتضنت منافسات بين فرق محلية، ومكتبة مصطفى الصديق التي كانت منارة للقراءة والثقافة بالنسبة للسكان المحليين.

شجرة الأبنوس
مدينة بابنوسة سُميت بهذا الاسم نسبة لكثرة تواجد أشجار الأبنوس فيها (الصحافة السودانية)

النشاط الاقتصادي

وبحلول عام 1962 شهدت المدينة نموا اقتصاديا كبيرا، في عهد الرئيس السوداني الأسبق إبراهيم عبود، الذي توجه إلى الاتحاد السوفياتي وحصل على قروض من أجل تمويل مشاريع صناعية وغذائية في البلاد.

وكان أحد هذه المشاريع إنشاء مصنع لإنتاج الحليب المجفف (بودرة الحليب)، ومن بين المشاريع الناجحة أيضا مصنع الألبان الذي افتتحه المارشال جوزيف بروز تيتو رئيس يوغوسلافيا الاشتراكية عام 1963.

كما أنه كان أول مصنع ينتج بودرة الحليب في أفريقيا والشرق الأوسط، وقد أسهم حينها في تنشيط الاقتصاد المحلي وخلق فرص الشغل، وكانت بابنوسة مقصدا للعمال من مختلف أنحاء السودان.

بين عامي 1973 و1974 كان المصنع ينتج 70 طنا من بودرة الحليب سنويا، ومع ذلك لم يصل إلى الإنتاجية التي كان مخططا لها، ثم تحول منذ عام 1980 إلى تجفيف الكركديه والصمغ العربي والعرديب (التمر الهندي).

لكنه ومنذ 1986 أصبح ينتج كميات ضئيلة، وكان يعاني من مشاكل في التخزين، وبدأ يتوقف عن العمل تدريجيا إلى أن أغلق رسميا عام 1990.

التحول الحضري

بعد استقلال السودان عن بريطانيا ومصر عام 1956 بعد فترة طويلة من الحكم المشترك، شهدت البلاد جهودا مكثفة لتطوير البنية التحتية، بما في ذلك شبكات النقل الحضري.

وفي الفترة بين عامي 1958 و1960 بدأت مدينة بابنوسة في التحول بشكل تدريجي واكتسبت أهمية إستراتيجية واقتصادية بالغة، بحكم موقعها عند نقطة التقاء الخطوط القادمة من إقليم دارفور غربا، والمتجهة من الشمال نحو الجنوب.

وأصبحت المحطة الرئيسة للسكك الحديدية في غرب السودان، ونقطة حيوية لنقل البضائع والمسافرين وتوزيع المنتجات الصناعية والزراعية، وبذلك أسهمت في تنشيط الحركة الاقتصادية بالمنطقة.

إعلان

وعلى امتداد خط السكك تتوزع محطات محورية مثل أبوزيد والفولة والضعين وأبو جابرة وبحر العرب.

لكن خط السكك الحديدية تعرض لدمار واسع أثناء الحرب الأهلية السودانية الثانية (1983 ـ 2005)، ومنذ 2010 أعيد إصلاح الأجزاء المدمرة فيه، كما أعيد بناء محطات مثل بحر العرب وأبيي وأويل بدعم أممي بلغت قيمته 250 دولارا أميركيا.

" frameborder="0">

الحرب والحصار

تحولت مدينة بابنوسة إلى ساحة معارك ومواجهات عسكرية مستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ بداية الحرب بالسودان في 15 أبريل/نيسان 2023، بسبب خلافات عميقة حول المرحلة الانتقالية في البلاد.

ورغم أن الجيش السوداني كان متمسكا بمواقعه في المدينة، فإن قوات الدعم السريع استمرت في التقدم والسيطرة، وهاجمت مواقع حساسة عدة، من بينها مدينة الفاشر.

وفي يناير/كانون الثاني 2024، شنت قوات الدعم السريع هجوما استهدفت فيه مقر الفرقة 22 للجيش السوداني بهدف السيطرة على مواقعه ببابنوسة.

وأثناء الاشتباكات الأولى لهذه العملية استخدمت القوات الطائرات المسيرة والمدفعية والقذائف، مما تسبب في دمار واسع وتضرر بعض أحياء المدينة، إلى جانب خسائر بشرية. فبدأ السكان بالنزوح بشكل جماعي إلى مناطق أخرى بحثا عن الأمان، وكانت مدينة الفولة أولى محطاتهم.

ومنذ ذلك الحين لم تتوقف الاشتباكات، واستمرت على شكل معارك متقطعة، كان الجيش السوداني في تلك الأوقات يحاول ترتيب قواته داخل المدينة، لكن القوات واصلت الضغط وحاصرت مناطق تمركز الجيش في المدينة، مما جعل الوضع الأمني أكثر تعقيدا.

وبعد أشهر من المواجهات، نجح الجيش في فرض سيطرته على بعض المواقع، وأعلن استعادة بعض أحياء مدينة بابنوسة في يونيو/حزيران 2024، ومع ذلك استمر الحصار على مواقعه شهورا طويلة.

عناصر من قوات الدعم السريع بالقرب من مدينة بابنوسة في غرب كردفان الصورة من قناة الدعم السريع على تطبيق تليغرام
عناصر من قوات الدعم السريع بالقرب من مدينة بابنوسة (قناة الدعم السريع على تليغرام)

استئناف المعارك

وفي يونيو/حزيران 2025، استؤنفت معارك عنيفة، إذ شن الجيش هجوما مكثفا على مواقع قوات الدعم السريع في المناطق الشرقية للمدينة مستخدما طائرات مسيرة.

ووفقا لما ذكرته مصادر إعلامية محلية، فإن الجيش ألحق خسائر كبيرة بقوات الدعم السريع، وتمكن من تدمير حوالي 14 عربة قتالية، مما أجبرها على الانسحاب تدريجيا من مواقعها.

وفي الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2025 أفاد الجيش السوداني بسقوط طائرة شحن عسكرية في بابنوسة إثر عطل فني، وأوضحت الفرقة 22 للمشاة التابعة للجيش، في بيان لها، أن الطائرة نفذت مهمة إسقاط إمدادات لقواتها المنتشرة على خطوط القتال في المدينة.

وفي صباح يوم الأربعاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني من السنة ذاتها، تجددت المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعدما شنت هذه الأخيرة هجوما واسع النطاق على المدينة، استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والمدفعية، وأعلنت سيطرتها على 3 محاور.

نزوح السكان

وأدت تلك الصراعات المستمرة إلى نزوح أكثر من 100 ألف شخص، توجهوا إلى مدن مثل النهود والأبيض عاصمة شمال كردفان منذ عام 2024.

وتسببت هذه الموجة الكبيرة من النزوح في خلو المدينة من السكان بشكل شبه كلي، مما جعل بعض المصادر الإعلامية تصف بابنوسة بأنها "مدينة الأشباح" و"المدينة الخالية" بعدما كانت تنبض بالحياة.

0 تعليق