مراسلو الجزيرة نت
Published On 28/11/202528/11/2025
|آخر تحديث: 13:12 (توقيت مكة)آخر تحديث: 13:12 (توقيت مكة)
طهران- في ظل التوتر المتصاعد بين طهران والترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) إثر تفعيل الأخيرة آلية الزناد في الاتفاق النووي لعام 2015، تمثل زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى باريس محاولة حذرة لإنقاذ ما تبقى من جسور التواصل بين الجانبين. فهل ستؤدي إلى فتح ثغرة في الجدار الجليدي لملف طهران النووي الذي تجمدت عنده علاقاتها مع القوی الغربية؟
في اختبار لإرادة الأطراف المعنية على استكشاف مساحة ممكنة للتفاهم بين الطرفين، التقى عراقجي، أمس الأول الأربعاء، نظيره الفرنسي جون نويل بارو، ليكون الاجتماع الأول من نوعه منذ تفعيل آلية الزناد في سبتمبر/أيلول الماضي.
وانطلاقا من السجل التاريخي الحافل بالتقلبات في العلاقات الإيرانية الأوروبية، تعقد شريحة من الأوساط السياسية بطهران آمالا على "النافذة الدبلوماسية الضيقة"، في حين تتهاوى آمال طيف آخر أمام العقبات الهيكلية والتقلبات النابعة عن التصعيد الإقليمي، ما يعكس تعقيدات المرحلة وحساسية الملفات المتشابكة فعلا على طاولة مباحثات باريس.
???? وزير الخارجية الإيراني يصل باريس في زيارة رسمية
وصل السيد عباس عراقجي وزير الخارجية إلى باريس بهدف اللقاء وإجراء محادثات مع نظيره الفرنسي. pic.twitter.com/nVf4nAKJFa
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) November 26, 2025
هوة واسعة
وغلى الرغم من اتفاق الجانبين الإيراني والفرنسي على "ضرورة استمرار المشاورات لإزالة العقبات وتسهيل العلاقات"، وفق الرواية الإيرانية، إلا أن الزيارة كشفت عن هوة واسعة في مواقفهما لا سيما بخصوص البرنامج النووي الإيراني والتصعيد المتزايد في الشرق الأوسط.
في غضون ذلك، أبرز بيان طهران الختامي انتقاد عراقجي "أداء الدول الأوروبية الثلاث في مجلس الأمن الدولي ومجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، محملا الترويكا الأوروبية مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
إعلان
كما أعرب الجانب الإيراني -حسب وكالة إرنا الرسمية- عن "قلقه العميق إزاء تزايد انتهاكات سيادة القانون على المستوى الدولي، وإضعاف المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة، وخاصة في منطقة غرب آسيا، واستمرار جرائم واعتداءات الكيان الصهيوني ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وسائر دول المنطقة".
" frameborder="0">
عقبات أساسية
من جانبه، أشار السفير الإيراني السابق في النرويج وسريلانكا وهنغاريا عبد الرضا فرجي راد، إلى أن فرنسا لا تزال تلتزم رسميا بسياسة "التخصيب الصفري" لإيران، بينما تتمسك طهران بحقها في برنامج نووي سلمي، ما يؤكد وجود عقبة أساسية في مواقف الجانبين في ظل الضغوط الأميركية على طهران من جهة ورغبتها بالتفاوض معها في الوقت ذاته.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف فرجي راد مباحثات باريس بأنها كانت إيجابية على صعيد مبادلة المواطنين الفرنسيين جاك باري وسيسيل كولير الموقوفين في إيران منذ 2022 مع المواطنة الإيرانية مهدية إسفندياري، المعتقلة في باريس منذ مطلع العام الجاري بسبب منشورات مناهضة لإسرائيل على مواقع للتواصل الاجتماعي.
وبرأيه، فإن الملف الأوكراني والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا يشكل بُعدا خفيا في توتر العلاقات بين طهران وباريس، موضحا أنه مع بلوغ هذا الملف مرحلة حاسمة، تبرز لدى فرنسا دوافع إضافية للتواصل مع الجمهورية الإسلامية، للقيام بدور مؤثر في مستقبل المنطقة وخفض التوتر في العلاقات مع العواصم الغربية، بيد أن هذه الرغبة سرعان ما تصطدم بخلافات جوهرية بشأن النووي الإيراني.
وفي الخلفية، وفق فرجي راد، يتربص العامل الإسرائيلي كعقبة أمام أي تقارب إيراني غربي، حيث تعتبر تل أبيب "أكثر المعارضين تشددا" لأي حوار بين القوى الغربية وطهران، مشددا على أن "اللوبي الصهيوني" وأجهزة إسرائيل الأمنية لن تتوانى عن استخدام نفوذها في الأوساط الغربية لإفشال أي تقدم دبلوماسي.
في المقابل، ترى شريحة من الإيرانيين أنه على الرغم من هذه التعقيدات، تبقى مباحثات باريس محاولة لاختبار إمكانية كسر الجمود وإن لم تكن انعطافة كبرى في المسار الدبلوماسي، لكن يمكن وصفها كونها "شرارة" قد تفتح نافذة ضيقة نحو أفق أوسع، في وقت تتراكم فيه المؤشرات على أن الجمود الحالي لم يعد مقبولا من أي من الجانبين.
خطوة جريئة
من ناحيته، يصف السفير الإيراني الأسبق في فرنسا أبو القاسم دلفي، قرار الخارجية الإيرانية بفتح نافذة مع الترويكا الأوروبية بأنها "خطوة جريئة" في بحر هائج من الأصوات المعارضة لترميم جسور التواصل مع القوى الغربية، إثر تفعيلها آلية الزناد وتناغمها مع السياسات الأميركية لا سيما في الملف النووي الذي تعرضت منشآته للقصف.
وفي تصريحه للجزيرة نت، يتساءل دلفي عن تداعيات قرار المقاطعة وإغلاق القنوات الدبلوماسية على ضوء التوتر المتزايد عقب عودة العقوبات الدولية على طهران، ومساعي بعض القوى الغربية لتعميم القرارات الأممية النابعة عن تفعيل آلية الزناد بغية التوصل إلى إجماع دولي ضد الجمهورية الإسلامية.
وفي ظل الجمود المفروض على الدبلوماسية الإيرانية، سواء بفعل معارضة شريحة سياسية داخل طهران أو الضغوط الخارجية، يشيد دلفي بزيارة عراقجي إلى باريس كمحاولة لإثبات جاهزية بلاده لـ"خلق نقلة نوعية" في المسار الراهن والتصدي للرواية التي تروجها بعض القوى المعادية بأن "إيران لا ترغب في التفاوض".
إعلان
وبرأيه، فإن الملف النووي يأتي في صلب مباحثات عراقجي في فرنسا، مستدركا أنه في خلفيتها يقف "مستقبل مفروض" تسعى الترويكا الأوروبية وواشنطن وتل أبيب إلى رسمه لإيران، وهو مستقبل يعتمد على تصعيد متواصل للضغوط وصولا إلى جعل حل هذا الملف مهمة شبه مستحيلة، حيث إن سلسلة القرارات الأممية والعقوبات الدولية أعادت إنتاج حلقة مفرغة من التصعيد والمواجهة.
ويعتبر دلفي أن تبني وزارة خارجية بلاده نهجا سياسيا لمواجهة جدار الجمود فرصة لاختبار جدية الأوروبيين قبل الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد قد لا تحمد عقباها، مؤكدا أن نجاح المسار الدبلوماسي بين طهران وباريس مرهون بقدرة الأخيرة على إقناع شركائها الأوروبيين والأميركيين بتبني منطق مختلف عن منطق العقوبات والتهديد.
وعلى ضوء صراع داخلي إيراني؛ بين تيار متشدد يرفض الرضوخ للشروط الغربية في الملف النووي وآخر يرى أن القطيعة النهائية محفوفة بمخاطر التصعيد وربما الدخول في حرب جديدة، يتساءل مراقبون في طهران، هل ستنجح هذه الجولة في كسر الجمود؟، أم أنها مجرد محطة أخرى في مسار التصعيد الممتد؟

0 تعليق