عاجل

بلجيكا في قلب الإضراب العام.. مطارات مشلولة و اقتصاد متعثر - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بروكسل- لم يكن صباح اليوم الثالث من الإضراب العام في بلجيكا يشبه أي صباح آخر في هذا العام. من غرب منطقة فلاندرز، بدأ المواطنون يومهم بانتظار أطول مما كانوا يتوقعون، وسط غياب الحافلات وتأخر القطارات. وبدت الأرصفة مزدحمة بالطلاب والموظفين، وعيونهم مترقبة تتنقل بين شاشة الهاتف ولوحة المواعيد شبه الخالية من أي حركة.

وكان إضراب لمدة 3 أيام، قد بدأ الاثنين في بلجيكا، ودعت إليه النقابات العمالية الرئيسية في البلاد، احتجاجا على الإصلاحات التي تخطط لها حكومة دي ويفر لموازنة المالية العامة.

ولتغطية تأثير الإضراب على المطارات وقطاع النقل، اضطررنا لاستعمال سلسلة من التنقلات المتعبة. بين قطار يتأخر، وآخر يُلغى، وثالث يتوقف قبل وجهته.

وكانت القطارات قد أعلنت في وقت سابق أنها “سوف تعمل بشكل محدود جدا” بين 23 و26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.

عندما صعدنا أخيرا على متن قطار شبه خالٍ، لا زحمة، ولا أصوات حقائب، ولا ضجيج الموظفين الحكوميين أو موظفي القطاعات ممن اعتادوا الوجود كل صباح.

صالة مطار بروكسل
صالة مطار بروكسل يوم الإضراب الوطني (الجزيرة)

 

إضراب كامل

حين وصلنا إلى محطة بروكسل الجنوبية (محطة ميدي)، كانت هذه المحطة الكبيرة وصالاتها ومداخلها شبه فارغة إلا من بعض المسافرين الذين ينتظرون القطارات البديلة والتي تتأخر أحيانا ساعة.

وكانت الشاشات الحمراء تملأ المكان، معلنة خدمة قطارات بديلة بسبب الإضراب، مع تنبيه أن عدد الرحلات محدود، وتنبيه بضرورة التخطيط عبر تطبيق إلكتروني خاص بالحجوزات للشبكة المشغلة للقطارات في بلجيكا. وعلى لوحة المغادرة، بدت كلمة "مُلغى" أكثر حضورا من أي وجهة واضحة.

دخلت بلجيكا الأربعاء ذروة الإضراب، إذ أعلنت إدارات مطاري بروكسل- زافينتيم وشارلروا إلغاء أغلب رحلات المغادرة بسبب مشاركة واسعة بين موظفي الأمن، وعمال المناولة الأرضية، والطاقم الفني والصيانة. وهو ما لاحظناه في جولتنا داخل مطار بروكسل.

إعلان

وقال، للجزيرة نت، أحد الموظفين القلائل الذين وجدوا في صالات المغادرة مفضلا عدم ذكر اسمه، إن “هذا اليوم هو أكبر شلل في الحركة الجوية منذ جائحة كورونا”.

وتوسع الإضراب يوم الثلاثاء اليوم الثاني، ليشمل القطاع العام ومدارس ودور حضانة ومكاتب حكومية ومستشفيات أغلقت أبوابها. واليوم (الثالث)، وصفت وسائل الإعلام المحلية الوضع بأنه "الإضراب الوطني الكامل".

تاثير الإضراب

شكل الارتباك في المحطات جزء من صورة أوسع، إذ يعاني الاقتصاد البلجيكي من دين عام مرتفع وعجز مالي متفاقم. وتقول النقابات، وفي مقدمتها النقابة الاشتراكية البلجيكية "إف جي تي بي" (FGTB) والنقابة المسيحية العمالية "إيه سي في"(ACV)، إن البلاد ستخسر بين 100 و300 مليون يورو عن كل يوم إضراب.

وتعكس تقديرات النقابات حجم الضغط الذي سيعيشه الاقتصاد البلجيكي إذا استمرت المواجهة بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين.

وقال ينس فان هيرب، متحدث باسم شركة النقل الفلمنكية، للجزيرة نت، إن "الإضراب أثّر على خدماتنا بشكل متفاوت بين المدن والمناطق. ونفذت ما بين 50 و55% من الرحلات يوم الاثنين، وارتفعت النسبة إلى 60% اليوم الأربعاء".

وأضاف أن عددا كبيرا من الموظفين واصلوا العمل "رغم غياب زملائهم". واستدرك أن الشركة التي يتحدث باسمها ليست مخوّلة بالتحدث باسم العمال فيما يتعلق بمطالبهم، وأن ذلك شأن النقابات. كما أوضح أن الحكومة الفلمنكية “غير منخرطة في مفاوضات الميزانية الحالية لأنها تتم على المستوى الفدرالي”.

وتعتبر بلجيكا من الدول التي تعاني أحد أعلى مستويات الدين العام في الاتحاد الأوروبي، إلى جانب اليونان وإيطاليا وفرنسا، وفي أعلى قائمة الدول من حيث عبء الاقتراض.

وفي تحليل نشرته صحيفة "دي ويرلد موركن" (De Wereld Morgen) ، قال بارت إنخيلار، الأمين العام للنقابة الاشتراكية، إن الخسائر اليومية الناجمة عن الإضراب ليست دليلا على ضرر الإضراب، بل دليل على حجم اعتماد الاقتصاد على عمل الفئات التي تضرب اليوم.

مضيفا "أن تكلفة يوم واحد من الإضراب تتراوح بين 100 و300 مليون يورو، وهذا يثبت أن من يخلق الثروة هم العمال، لا البورصات ولا الشركات”.

وأضاف بلهجة تحذيرية "إذا استمرت الحكومة في تجاهل الحوار الاجتماعي، فسنشهد شتاء ساخنا يعقبه ربيع أكثر سخونة".

Workers and members of the Belgian Union ACV - CSC union transcom and CGSP Cheminots - ACOD Spoor, take part in a march inside of the Gare du Midi - Zuidstation (Brussels South) on the first day of a 72 hours national strike called by trade unions of railway public transport, in Brussels, on November 24, 2025.
عمال وأعضاء النقابات البلجيكية يشاركون في مسيرة في اليوم الأول من الإضراب الوطني الذي دعت إليه نقابات النقل العام بالسكك الحديدية في بروكسل في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 (الفرنسية)

أزمة برامج

من جهتها قالت آن فِرمورغن، رئيسة الاتحاد المسيحي، في تصريح إعلامي "الغضب بين العمال غير مسبوق، خصوصا في التعليم. والحكومة تطلب من العمال وحدهم دفع ثمن الأزمة: مرونة أكبر، أجور أقل، تعويضات أدنى، وتقاعد أضعف".

وأشارت إلى أن الحكومة تجاهلت بدائل عادلة مثل: ضريبة على الثروة وإغلاق الثغرات الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي، والأهم مساواة العبء الضريبي بين رأس المال والعمل.

إعلان

وتدافع حكومة بارت دي ويفر بأن خطتها ضرورية لتقليص العجز المالي، وتشمل:

رفع ضريبة القيمة المضافة على بعض السلع. وتعديل نظام الفهرسة المرتبط بالتضخم. وزيادة مرونة ساعات العمل. تغييرات في نظام التقاعد. إضافة إلى مراجعة دعم الأجور.

لكن هذه الإجراءات فجّرت أكبر مواجهة بين الحكومة التي لاتزال تواجه خلافات بين الأحزاب التي تشكلها. وأيضا مع النقابات، وتعتبر أكبر أزمة منذ ما يقارب 10 سنوات.

وقال المتحدث باسم حزب الخضر بيتر يان ديسميت، للجزيرة نت، "نحن نتفهم هذه الاحتجاجات تماما. التخفيضات الحكومية غير عادلة، والمعلمون وذوو الدخل المحدود يدفعون الثمن الأكبر".

وأضاف أن مشاركة عُشر المعلمين في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول الماضي "حدث غير مسبوق"، ويعكس حالة الرفض الواسعة لسياسات الحكومة.

وأضاف يان ديسميت أن حزبه قدم مقترحات بديلة تشمل:

ضريبة على أصحاب الملايين (توفّر 2–2.5 مليار يورو) وتقليص من سياسة مرونة العمل بالإضافة إلى مكافحة التهرب الضريبي

وعن إمكانية التعاون البرلماني لتمرير المقترحات، قال ديسميت "لا يوجد أي تنسيق حالي".

Passengers look at the departure board at Gare du Midi - Zuidstation (Brussels South) on the first day of a 72 hours national strike called by trade unions of railway public transport, in Brussels, on November 24, 2025.
ينظر الركاب إلى لوحة المغادرة في محطة غار دو ميدي (جنوب بروكسل) في اليوم الأول من الإضراب الوطني الذي دعت إليه نقابات النقل العام بالسكك الحديدية في بروكسل في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 (الفرنسية)

إلى أين تتجه بلجيكا؟

مع انتهاء اليوم الثالث من الإضراب، تبدو البلاد أمام لحظة صعبة، حيث تستمر الحكومة في الإصرار على "الإصلاحات"، وتهدد النقابات بإضرابات جديدة مطلع العام المقبل إذا لم يُفتح باب الحوار الاجتماعي بجدية.

ومع أن الحكومة البلجيكية نجحت قبل أيام في التوصل إلى اتفاق متأخر حول الميزانية بعد مفاوضات كشفت حجم الخلاف بين مكوّناتها، فإن هذا التوافق لا يبدو كافيا لتهدئة الشارع أو لطمأنة النقابات التي ترى أن العبء الأكبر من “الإصلاحات” سيقع مجددا على العمال والطبقات المتوسطة.

وتشير التطورات الأخيرة إلى أن الحكومة، رغم حفاظها على تماسكها الظاهري، تقف أمام اختبار صعب، فالإضرابات التي شلّت البلاد خلال 3 أيام ليست سوى أول تعبير جماعي واسع عن القلق الاجتماعي الذي تخلقه السياسات الجديدة.

انتهى الإضراب العام الذي عاشته بلجيكا، الأربعاء، وتعتبره النقابات خطوة لمراحل قادمة، واستمرارا لفعاليات سابقة.

وتقول النقابات المشاركة في الإضراب إن هذا الإضراب ليس حدثا معزولا، بل نتيجة تراكمات:

بسبب إصلاحات حكومية مثيرة للجدل، وارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل القدرة الشرائية، بالإضافة لغضب واسع في أوساط العاملين في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والسكك الحديدية.

وتشير النقابات إلى أن مظاهرة 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي شارك فيها 140 ألف متظاهر، في واحدة من أكبر الاحتجاجات الاجتماعية في العقد الأخير.

0 تعليق